30 أغسطس 2022

كيف حولت «ماري شيلي» كوابيسها إلى أشهر رواية رعب في العالم؟

رئيس قسم المحتوى الإلكتروني في مجلة كل الأسرة

كيف حولت «ماري شيلي» كوابيسها إلى أشهر رواية رعب في العالم؟

يهرب الكاتب من واقعه حين يصبح مريراً لا يمكن تحمله، يهرب إلى الخيال لمداواة جروحه ، فيجد المواساة في حياة يرسمها على الورق، يتحكم في تفاصيلها، يتلاعب بالقدر فيها، لكن ماري شيلي لم تكن حرة حتى في خيالها، طاردها الماضي في شكل شبح شاحب مشوه معتل نفسياً، تراه في كوابيسها وهو ينتظر لحظة الميلاد بغضب وتوعد، لم تستطع التخلص منه إلا ربما عندما بثت فيه الحياة واستسلم قلمها له لتعلن مولد رواية " فرانكشتاين" التي لم تكن فقط أكثر رواياتها شهرة بل والأكثر تعبيراً عن همومها وحياتها المشوهة.

ماذا حدث في تلك الليلة التي ولدت فيها رواية "فرانكشتاين"؟

كانت ماري شيلي وعشيقها الشاعر بيرسي بيش شيلي وطفلهما البالغ من العمر أربعة أشهر وأختها كلير كليرمونت في زيارة لقصر "فيلا ديوداتي"، المطل على بحيرة جنيف في سويسرا، بدعوة من الشاعر الانجليزي اللورد بايرون ، الذي اعتاد استضافة الأمسيات الأدبية.

قصر
قصر "فيلا ديوداتي"

وهناك التقوا صديقه الكاتب والطبيب جون بوليدوري وصديقته ماري جودوين. ومع استياء الأحوال الجوية اضطروا إلى المبيت في القصر، فوجدت ماري شيلي نفسها أسيرة في قصر تشوبه النزاعات العاطفية، فأختها كلير مغرمة باللورد بايرون وهي حامل في طفل منه في الخفاء، بينما هو يحاول التهرب منها والانشغال عنها بأحاديث عن قصص الأشباح وأسرار الموتى، وفي خضم هذا يحاول الطبيب جون بوليدوري التقرب من ماري و إغواءها مستغلاً اكتئاب حبيبها الشاعر بيرسي شيلي.

اللورد بايرون
اللورد بايرون

مرت أياماً تصاعدت فيها التوترات، كلُ يحاول الحصول على مبتغاه صباحاً وفي الليل يقرؤون الشعر ويتجادلون على ضوء الشموع وكأن لا خلاف بينهم، ينتقلون بشغف من موضوع لآخر في محاولة لإنكار العاصفة الغوغاء التي تكاد أن تقتلع قلوبهم مع جدران القصر.

حتى هذه الليلة..

كل الأجواء كانت تنذر بحدوث أمر مهيب، فهذه الليلة الصيفية من عام 1816 لم تكن عادية بالمرة، أمطار غزيرة وأصوات رعد تقشعر لها الأبدان، وعواصف تنخر بأنيابها كل حي وجماد، وفقر وحزن يخيم على البلاد بعد شهور من انفجار بركان تامبورا، أكبر الانفجارات البركانية في العالم.

ومع ارتفاع صرخات الرعد والبرق، تحولت أحاديثهم إلى منحى أكثر قتامة واقترح عليهم اللورد بايرون أن يكتب كل واحد منهم قصة عن الأشباح.

رأت ماري شيلي ابنة التاسعة عشرة في هذا الاقتراح تحدياً تعلم جيداً ثمنه، هل تطلق سراح الوحش الذي ظل يطاردها في أحلامها؟ هل ستجعله وحيداً منبوذاً مثلها يصارع للانتماء إلى عالم لا يتقبله؟ من سيصنعه؟ وما علاقته بخالقه؟

كان تحدياً قاسياً لكنها قبلته وروضته لتهدي العالم أشهر وأفضل قصة رعب.

نسخة بخط اليد من رواية
نسخة بخط اليد من رواية" فرانكشتين"

كيف استطاعت ماري شيلي أن تحول مخاوفها إلى هذا الغول القبيح، وما أصل هذه المخاوف في الأساس؟

بحسب تحاليل النقاد، كان لحياة ماري شيلي الأليمة دور أساسي في خروج الرواية بهذه التفاصيل المؤلمة ، فهي عندما قالت على لسان الوحش "رأيت الناس يُحِبُّون ويُحَبُّون، لكن ما من أحد أحبني قط" كانت تعكس شعورها بعدم الاستحقاق بعدما نبذها والدها وغدر بها جسدها حين حملت وأجهضت أكثر من مرة، ووقوعها في غرام رجل متزوج وشعورها بالذنب بعد انتحار زوجته

الوحش في رواية
الوحش في رواية " فرانكشتين" في أول فيلم يقتبس من الرواية عام 1931

كان المخلوق البشع هو في الواقع ضميرها وتصورها لحياتها الملطخة بالمآسي، وتجسيدها لألم الأمومة والفقد، فهي حين فقدت طفلتها في فبراير 1815 كتبت في دفتر يومياتها "أحلم أن طفلتي الصغيرة قد عادت للحياة مرة أخرى. كانت فقط تشعر بالبرد وحينما فركنا جسدها أمام النار، عاشت".

فطفلتها الأولى التي لم تصمد إلا ليال معدودة هي من أشعلت بداخلها الرغبة في خلق قصة تتطرق إلى الإحياء بعد الموت، والقبول والرفض والغضب والانتقام.

ومن ألمها خلقت وحشاً مضطرباً، بلا اسم، أراد فقط أن يكون إنسانا يحِب ويُحب، لكنه، على حسب قوله، لم يٌخلق ليجد السعادة.. فكان القاتل والضحية.