قبل مواصلة قراءة هذه السطور، أتمنى عليكم الإجابة عن هذا السؤال أو هذه الأحجية البسيطة: «في سباق المئة متر الذي تشاركون فيه، إذا نجحتم في تجاوز المتسابق الثاني أي ترتيب ستحتلون؟». إجابتكم عن هذا السؤال ستضيء ناحية معيّنة من شخصيتكم، وهي مدى تأثركم بالأخبار الزائفة وقابليتكم لنشرها، كيف هذا؟
أمام أحجية من هذا النوع، يقضي الجواب السريع والعفوي بالقول إن تجاوز المتسابق الثاني يضعني في المرتبة الأولى، في حين أن الإجابة الصحيحة هي أنني سأحل محله في المرتبة الثانية. ويقول باحثو جامعتي «إكزيتر» و«كامبريدج»، إن الإجابة الصحيحة تستدعي كبح الإجابة العفوية والتي تتبادر على الفور إلى أذهاننا.
هذه القدرة على الكبح يتدرّب عليها المرء من خلال اكتساب عادة مراجعة الإجابات التي يدلي بها بشكل عفوي. كما يجب أن يتدرّب عليها الأطفال مع أهلهم وأساتذتهم، فنعلّمهم ـ مثلاً ـ أن الكوب الأطول لا يحتوي بالضرورة على كمية من الماء أكثر من الكوب الأقصر، ولكن الأعرض. وفي ما بعد، تجب مواصلة ممارسة الفكر النقدي على انحرافات الذهن العفوية حين نقرأ ـ مثلاً ـ معلومة على شبكات التواصل الاجتماعي فنجد أنها جديرة بالنشر لمجرّد أنها جديدة ومثيرة.
ومن خلال التجارب التي أجريت، وجد الباحثون أن أولئك الذين يحرزون نتائج سيئة في اختبارات الكبح الذهني، هم أكثر من يسهم في نشر الأخبار الكاذبة على الشبكة. فإذا ما قرأوا على «تويتر» أن ثمة شركة دوائية كبرى عملت على نشر فيروس «كورونا» من أجل جني أرباح من اللقاح الذي أنتجته، سيجدون أن هذا الخبر قابلاً للتصديق والنشر، نظراً إلى جشع هذه الشركات وهو جشع حقيقي. لكنهم لم يسألوا عن مصدر الخبر ومدى مصداقيته، وأيضاً الطريقة التي اتبعتها هذه الشركة حتى تنجح في نشر هذا الفيروس.
وهذا يعني أن محاربة الأخبار الزائفة والمحرّضة والسامة، تفترض تنمية مقدرة الكبح الذهني والنقد الذاتي لدى المرء منذ سن مبكرة. هي اكتساب عادة مراجعة المعلومات على ضوء المنطق السليم، والاستعداد للاعتراف بالخطأ. قد لا يكون الأمر مريحاً ولا ممتعاً، لكن لا بد منه في عالم تتدفق فيه المعلومات والأخبار علينا من كل حدب وصوب.