27 فبراير 2023

ليلة سقوط "تاجرة" جثث الموتى وعصابة نبش القبور

فريق كل الأسرة

ليلة سقوط
صورة تعبيرية

جريمة من نوع مختلف بعض الشيء، وسرقة من نوع غير مألوف، تجاوزت فيه المتهمة حدود المعقول، قلبها كالحديد الذي لا يلين.. قوية الشخصية، تتميز بثبات انفعالي كبير، كانت ترتكب جريمتها الواحدة تلو الأخرى دون تردد أو خوف على الرغم من الرعب الشديد الذي ينتاب أي شخص في هذا الموقف.

قصتها باختصار تتمثل في سرقة الجثث مستغلة علمها بكل كبيرة وصغيرة في المقابر، حيث تعيش بجوار الموتى. كوّنت شبكة من العلاقات غير المعتادة، وصنعت من اسمها ونفسها أسطورة في مجالها، لسنوات وسنوات كانت هي المورد الرئيسي والمحتكر لـ«تجارة» جثث الموتى، حيث تبيعها لمافيا تجارة الأعضاء وطلبة كليات الطب، فجمعت ثروة لا بأس بها من تجارتها المحرّمة حتى سقطت في قبضة رجال الشرطة بشكل درامي لتتوالى اعترافاتها وفضائحها.

نشأت المتهمة في كنف أسرة تعيش في المقابر وتتخذ من «الأحواش» مأوى وسكناً لها، وتزوجت شاباً من نفس المنطقة. كانت هذه المهنة (دفن الموتى) مصدر دخل العائلة، وهي مهنة مكاسبها المالية ليست قليلة، ولكن على الرغم من المكاسب الضخمة التي تحققها الأسرة من وراء هذه المهنة، خصوصاً في المناسبات والأعياد عند فتح المقابر أو الزيارات العائلية، فإن زوجها لم يكتفِ بذلك، حيث فكر في توسيع نشاطه وزيادة دخله مستغلاً علمه ببواطن الأمور في مهنته، عن طريق الحرام، وذلك على حساب جثث الموتى، حيث اتخذ من بيع الجثث لطلاب كليات الطب عملاً أساسياً له، إلى جانب عمله المشروع وهو دفن الموتى، وفتح المقابر وتنظيفها وغيرها.

وطوال هذه السنوات كانت زوجته شريكته في كل شيء يقوم به، كانت ساعده الأيمن وعلى علم بكل نشاطه وتفاصيله وكاتمة أسراره، كل تفاصيل عملياته غير المشروعة، مثل بيع الجثث والهياكل العظمية والجماجم، لطلاب كلية الطب، وأيضاً بيع الجماجم لتجار المخدرات من أجل طحنها وخلطها بالهيروين، واستخدامها في تجارة المخدرات وبيعها للمدمنين.

تجارة وشطارة بالحرام

لم تجد المتهمة في عمل زوجها أي شيء يدعو للنفور، كانت تُقنع نفسها بأنها لا تؤذي الأحياء وإنما تسرق الأموات فقط، هكذا صورت لنفسها أن ما تقوم به هو أمر عادي خصوصاً عند بيع هذه الجثث لطلاب كليات الطب للدراسة، واعتبرت ما يقوم به زوجها تجارة وشطارة.

ووسط هذا الجو الملبّد بالغيوم والموتى والتجارة المحرمة، تشربت الزوجة هذه المهنة جيداً، لكن عيون رجال مباحث العاصمة كانت تراقب الزوج وتعد عليه أنفاسه بعد أن ذاع صيته ووصلت أخباره إلى شرطة العاصمة، حيث تم وضع خطة محكمة للقبض عليه متلبساً أثناء قيامه بنبش أحد القبور لسرقتها وبيع الجثة التي بداخلها. وبالفعل قبض عليه وأحيل للمحاكمة الجنائية وصدر بحقه حكم بالسجن المشدد، ولم يحتمل طول سنوات السجن ومات بداخله قبل أن تنتهي فترة عقوبته، ما دفع زوجته إلى استكمال المشوار بمفردها والسير على طريقه، فأصبحت هذه المهنة هي الميراث الذي تركه الزوج لزوجته.

امبراطورية المقابر و"بودي جارد"

رتبت أوراقها جيداً، تعلمت من أخطاء زوجها الراحل، وبدأت في تكوين إمبراطوريتها الخاصة في هذا المجال. أصبحت هي الحاكم بأمر منطقة المقابر، ولديها زبائن ورجال و«بودي جاردات» يخضعون لأوامرها وكانت تُغدق عليهم المال الوفير لضمان ولائهم وعدم تمرّدهم عليها.

كان نشاطها المشبوه هو إحياء لمشروع زوجها الذي تم تجميده عقب القبض عليه، خصوصاً أن عيون رجال مباحث العاصمة كانت تراقبها بدقة. وما إن اطمأنت حتى انطلقت بكل قوة لتحقيق ما فشل فيه زوجها. كانت حريصة بشكل مبالغ فيه وتعمل حساباً لكل صغيرة وكبيرة ولا تترك أي تفاصيل صغيرة للمصادفة، ولهذا السبب حققت نجاحاً كبيراً ولم يكن سقوطها أمراً سهلاً.

بدأت في توسيع نشاطها ولم تكتفِ بالمنطقة التي تعيش فيها فقط، وإنما اعتبرتها مركزاً لإدارة الأعمال، أما نشاطها الأساسي فنقلته إلى مقابر جديدة في أحد الأماكن البعيدة على أطراف العاصمة، كان هدفها إبعاد عيون رجال الشرطة عنها، لكنها سقطت في قبضة الشرطة عن طريق المصادفة ونتيجة خطأ صغير لم ترتكبه بنفسها.

أخطر تشكيل عصابي

كما أوضحنا، فإن المتهمة الأصلية وبطلة القصة كانت حريصة بشدة، لكن أحد رجالها الذين يعملون لديها خرج عن الإطار الذي حددته له، وفكّر في مغامرة غير محسوبة وهي القيام ببعض العمليات لحسابه الشخصي، ومن هنا كانت بداية النهاية، حيث تم الكشف عنه والقبض عليه أثناء قيامه بسرقة جثة أحد الأشخاص. إلى هنا تبدو الأمور منطقية، لكن ما حدث بعد ذلك كان يحمل العديد من المفاجآت، حيث قدم اعترافات تفصيلية حول نشاطه الإجرامي، وأثناء استجوابه اعترف بأنه مجرد فرد في العائلة، أما العقل المدبر فهو «المعلمة الكبيرة» التي تدير المنظومة بالكامل.

طلب "جثة طازجة"

كانت هذه الاعترافات كفيلة بأن تعيد إلى الأذهان ملف الزوجة التي توارت عن الأنظار، حيث تم وضعها تحت الرقابة المشددة وانتظر رجال المباحث اللحظة المناسبة للانقضاض عليها وضبطها متلبسة، حيث تم وضع حيلة من قبل رجال المباحث عن طريق إرسال مندوب لها أوهمها بأنه طالب في كلية الطب يريد شراء جثة وعرض عليها مبلغاً مالياً كبيراً، لكنه في مقابل ذلك طلب أن يحصل على «جثة طازجة» حتى يتمكن من إجراء أبحاثه عليها عملياً. حصلت على رقم هاتفه وطلبت منه انتظار اتصال هاتفي منها، بعد أن تجهز له طلبه، وهو ما حدث بالفعل.

لم تمضِ سوى بضعة أيام حتى اتصلت به، وحدّدت له الموعد ومكان التسليم، حيث حضر الزبون، ووسط هدوء المكان وسكون الليل تم التسليم، وفي دقائق معدودات انقض رجال المباحث على المتهمة وألقوا القبض عليها، وطُوِّق المكان بالكامل برجال الشرطة، حيث تم القبض على جميع أفراد العصابة بعد اشتباك بالأسلحة النارية مع قوات الشرطة.

أحيلت المتهمة إلى النيابة العامة فأمرت بحبسها وجميع أفراد التشكيل العصابي 15 يوماً على ذمة التحقيقات الجارية معهم، تمهيداً لإحالتهم إلى محكمة الجنايات بتهمة السرقة ونبش القبور وتجارة الأعضاء وبيع الجثث.