قبل بعض الوقت قرأت مقالاً للكاتبة فاطمة عمارة عن الأديب المصري ألبير قصيري، الذي عاش معظم حياته في فرنسا، وكتب أدبه بلغتها، مع أنه وُلد عام 1913 بحي الفجالة في القاهرة لأبوين مصريين تعود أصولهما إلى بلدة القصير قرب حمص بسوريا. التحق بالمدارس الفرنسية وهو صبي، وبدأ كتابة القصص في سن العاشرة تحت عنوان «روايات من وحي الأفلام»، وتشير الكاتبة إلى أنه على الرغم من نبوغه الأدبي، فإنه لم يستطع الحصول على الثانوية الفرنسية «الباك».
زار باريس لأول مرة وعمره 17 عاماً، كما تنقل في الفترة من 1939 إلى 1943 حول عدة مدن في العالم كأمريكا وإنجلترا، حيث عمل على باخرة تجارية بالمحيط الأطلسي، قبل أن يستقر في باريس عام 1945، رافضاً امتلاك منزل، واستأجر الحجرة رقم 58 بفندق لا لويزيان بحي سان جيرمان بباريس، وفي هذه الغرفة كتب معظم أعماله التي تضمنت روايات ومجموعات قصصية وحوّلت بعض رواياته إلى أفلام.
لم يزر قصيري القاهرة منذ هجرته منها، سوى مرتين في عامي 1989، 1990، وفي عام 1998أصيب بسرطان في الحنجرة، أفقده القدرة على الكلام، وتوفي عام 2008 بغرفته إياها بالفندق الذي عاش فيه 60 عاماً، تاركاً خلفه مخطوطاً آخر رواية له لم تكتمل، وسيناريو فيلم تسجيلي عن أم كلثوم، إضافة إلى جواز سفره المصري، كونه لم يسع إلى الحصول على الجنسية الفرنسية.
لم يكن ألبير قصيري هو الوحيد الذي عاش معظم حياته في غرفة فندق، كثيرون مثله، خاصة من الأدباء والفنانين، فعلوا الشيء نفسه، ومثله ماتوا في غرفهم بالفنادق التي اختاروها مقر إقامة دائمة لهم، وهؤلاء غالباً ما يكونون وحيدين، وحيدين جداً، لم يسبق لهم أن أسسوا عائلة، أو انهم انفصلوا عنها، واختاروا الوحدة والعزلة.
لكن يلفتنا، هذه المرة أن عائلة، مكونة من زوج وزوجة من الولايات المتحدة، قررا العيش على متن سفينة سياحية لأن إيجار المعيشة عليها أرخص من دفع مصاريف المنزل، فترك الزوجان، أنجيلين وريتشارد بيرك، وظيفتيهما عام 2021، وحزما أمتعتهما وقررا العيش على متن سفينة سياحية تجوب العالم، وأشار الزوجان إلى أنهما كانا يحلمان دوماً بالسفر باستمرار، وبعد أن أجريا حسبة بسيطة اكتشفا أن الإبحار على متن سفينة سياحية ودفع 43 دولاراً يومياً أرخص بكثير من دفع أقساط قرض المنزل، فباعا منزلهما وممتلكاتهما للحصول على المبلغ الذي سيؤمن إقامتهما الطويلة على السفينة، سعيدين بالتحرر من عناء حجز الفنادق والمطاعم ووسائل النقل، حيث تمكنا من زيارة عدة بلدان كإيطاليا وكندا وجزر الباهاما، لكن مكانهما المفضل كان سنغافورة.