هناك شخصيات تمتلك وجوهاً ومواهب متعددة. وميشيل يو، الممثلة الماليزية هي واحدة منها. كانت هذه المرأة الستينية ملكة جمال بلادها، وهي اليوم تمتلك ثروة كبيرة وقد تنافست على الفوز بـ«أوسكار» أفضل ممثلة وحصلت على التمثال الأسود المرموق.
يعتبرونها في بلادها النسخة المؤنثة من الممثل الآسيوي الشهير جاكي شان. إن ميشيل يو شخصية تثير العجب، والمرأة التي اختارتها مجلة «تايم» الأمريكية للقب «أيقونة العام».
إنها ممثلة ومنتجة في رصيدها عشرات الأفلام والمسلسلات. ولعل الدور الذي صنع لها شهرة عالمية خارج وطنها ماليزيا هو اشتراكها عام 1997 في فيلم مطاردات وإثارة من سلسلة أفلام «جيمس بوند» بعنوان «غداً لن تموت». وقد جاء أداؤها المبهر في فيلم «كل شيء في كل مكان مرة واحدة» ليضع اسمها من بين النجمات اللواتي رُشحن لنيل «الأوسكار» لعام 2023. لقد تنافست على الجائزة مع الممثلة القديرة كيت بلانشيت وتفوقت عليها. كيف يمكن لسيدة في الستين أن تحمل عدة رمانات في يد واحدة؟
ميشيل يو.. بطلة رياضية وملكة جمال
ولدت ميشيل عام 1962. كان والدها محامياً أرسلها منذ نعومة أظفارها إلى مدرسة داخلية، حيث أتقنت اللغة الإنجليزية وأصبحت، إلى جانب دراستها، بطلة رياضية في «السكواش» والسباحة والغطس. كما كانت تمارس الرقص الكلاسيكي. وحلمت منذ أن كانت مراهقة بأن تكون راقصة «باليه» وبدخول مدرسة الرقص الملكية في لندن. وبينما كانت في زيارة لعائلتها وهي تستعد لنيل شهادة الثانوية، فوجئت بأن والدتها قد سجلتها، بدون علمها، في مسابقة ملكة جمال ماليزيا. وهي تقول اليوم إنها وافقت فقط لكي تلزم أمها الصمت وتتوقف عن الإلحاح. ثم حدث ما لم تتوقعه: لقد فازت بتاج الجمال.
عندما تزوجت ديكسون بون عام 1988
لفت جمالها نظر واحد من كبار أصحاب المتاجر في هونج كونج، وهو الملياردير ديكسون بون. وفي عام 1984 اقترح عليها الظهور في إعلان لساعة من تصميم الفرنسي جي لاروش. وكان شريكها في الإعلان نجم رياضة الفنون القتالية جاكي شان. ومن هنا جاء لقبها بأنها النسخة المؤنثة منه. وبموازاة ذلك قام ديكسون بون، بتوقيع عقد معها باعتباره يمتلك شركة «دي أند بي» للإنتاج السينمائي. ومن تلك اللحظة بدأت مسيرتها على الشاشة الكبيرة، وكانت تحمل اسم ميشيل خان؛ لأنها تعتبره أكثر جاذبية. وتحت هذا الاسم ظهرت في عدد من أفلام الحركة والمطاردات ونجحت فيها لإجادتها الفنون القتالية، وهي كانت قد اكتشفت تلك الفنون في واحد من أدوارها واستهوتها، فصارت تتدرب عليها وتمارسها حتى تميزت فيها وصارت بطلة لرياضات الكونفو، والتايشي والتايكواندو. وقد ساعدها كونها تجيد الرقص. ولفتت شجاعتها أنظار المخرجين؛ لأنها كانت تؤدي المشاهد الخطرة بنفسها وبدون الاستعانة ببديلة.
في عام 1987، عندما كانت تبلغ 26 عاماً، تزوجت مكتشفها ديكسون بون، وقررت وضع حد لعملها في السينما. وفي مقابلة لها مع مجلة «باستل» نشرت قبل سنة، قالت إنها أرادت تحقيق حلمها بتأسيس أسرة ولم تفكر في أنها ستعود للتمثيل ذات يوم، لكن ما كسر قلبها هو أنها اكتشفت عجزها عن الإنجاب، وهو الأمر الذي كان سبباً في فشل زواجها وانفصالها عن شريك حياتها، إضافة إلى أسباب أخرى. وبعد الطلاق عادت للتمثيل واستعادت لقبها: ميشيل يو. كانت في بدايات حياتها قد التقت المخرج ستانلي تونج الذي كان يعمل بديلاً يؤدي المشاهد الخطرة بالنيابة عن النجوم. وهو قد عرض عليها الظهور في واحد من أوائل أفلامه كمخرج وعنوانه «بوليس ستوري 3» مع جاكي شان، وحقق الفيلم نجاحاً كبيراً دفع بطلته إلى مصاف النجمات العالميات. وقد تأكدت شهرتها بعد خمس سنوات، حين اختيرت واحدة من فتيات «جيمس بوند» أمام النجم بيرس برونسون، حيث وضعت الممثلة الماليزية قدمها على عتبة هوليوود عاصمة السينما في العالم.
أصبحت واحدة من أبرز الممثلات في القيام بأدوار المعارك الصعبة والفنون القتالية. وظهرت في أفلام أخرى مع النجم جاكي شان ومع جيت لي، وكانت تقفز وتتسلق الجدران وتستخدم السيف ببراعة، كما تجلى ذلك في فيلم «النمر والتنين» عام 2000 للمخرج أنج لي، وهو الفيلم الذي حصد 4 جوائز «أوسكار»، وجائزتي «جولدن جلوب». وبهذا الدور أصبحت ميشيل يو الممثلة الأعلى أجراً في السينما الآسيوية.
وأخيرا نالت الأوسكار
الأوسكار.. مكافأة تحلم بها كل ممثلة
ومن أجل ذلك الفيلم تعلمت اللغة الصينية ووهبت نفسها بالكامل لمهنتها وراحت تستكشف إمكانيات إضافية كامنة فيها. ومنها الإنتاج. فقد أنتجت أول أفلامها «الطلسم» واشتركت في التمثيل فيه، لكن الفيلم لم يحقق رواجاً كبيراً واستقبله النقاد ببرود. وهنا قررت ميشيل يو، الانتقال من أفلام الحركة نحو الأفلام العاطفية والدرامية، وقدمت فيلم «مذكرات فتاة جيشا» مع المخرج الأمريكي روب مارشال، و«الليدي» مع المخرج الفرنسي لوك بيسون.
مع جان تود يغادران مطعما في باريس قبل شهرين
خلال ذلك لم تضع النجمة قلبها في الثلاجة، كانت تعيش قصة حب جميلة مع رجل الأعمال الفرنسي جان تود، الذي تعرفت إليه عام 2004، وكان يشغل منصب مدير حلبات سباق سيارات «فيراري». وهو قد صرح بأنه أصيب بصعقة الغرام منذ النظرة الأولى، حيث إنه من شدة ارتباكه طلب مساعدة صديقه بطل سباق السيارات مايكل شوماخر، لكي يكتب له رسالة هاتفية يبعثها للممثلة. ويبدو أن الرسالة أعجبت النجمة الماليزية بحيث توطدت الصداقة بينهما، وصارا يظهران سوية في عدد من المناسبات العامة. وحين سئلت ميشيل يو، في الصيف الماضي، عن المكان الذي تقيم فيه، أجابت: «حيث يقيم جان تود».
أول امرأة آسيوية تنال SAG Awards
لم تحصل النجمة الآسيوية على أدوار مهمة خلال الألفية الثانية. واضطرت إلى القيام بدبلجة بعض أفلام الرسوم المتحركة. وفي عز تراجع مهنتها جاءها في عام 2018 سيناريو «كل شيء في كل مكان مرة واحدة»، ليكون بمثابة خشبة إنقاذ لها. لقد كانت شبه منسية، وها هي تحصل على أول بطولة مطلقة لها بعد 40 عاماً من العمل في السينما. وهو دور مهاجرة صينية في منتصف العمر، غارقة بين مشكلاتها العائلية والتزاماتها في العمل، تتورط في مغامرة مجنونة لإنقاذ الوجود، من خلال اكتشاف ممر إلى أكوان أخرى، والتواصل مع حياة كان يمكن لها أن تعيشها. إنه دور سمح لها باستعراض كامل موهبتها واستخدام مهارتها في فنون القتال، وأيضاً في الأداء الدرامي والتمثيل. ونجح الفيلم بحيث إنها حصلت الشهر الماضي على جائزة أفضل ممثلة في دور بطولة، وذلك في حفل SAG Awards، وكانت أول امرأة آسيوية تنالها.
في كلمتها في الحفل، أهدت ميشيل يو، الجائزة إلى «كل فتاة تشبهني»، وعكست الكلمة كل ما مرت به من صعوبات خلال مسيرتها، منذ أن كانت تشارك في مسابقات الجمال حتى أصبحت نجمة معروفة عالمياً. وهي لا تخفي أنها توقفت عن العمل خلال السنتين اللتين أعقبتا ذلك الفيلم؛ لأن الأدوار المعروضة عليها لم تكن في مستوى طموحها. وها قد جاءها «الأوسكار» ليتوج سعيها الدؤوب ويمنحها أعلى مكافأة تحلم بها ممثلة. فهل ستجد الأدوار التي ترضي طموحها؟