12 أبريل 2023

محمد رضا يكتب: أحلام مهدورة

ناقد ومؤرخ سينمائي، وُلد وترعرع في بيروت، لبنان ثم هاجر إلى الغرب حيث ما زال يعيش إلى الآن معتبراً السينما فضاء واسعاً للشغف

محمد رضا يكتب: أحلام مهدورة

في يوم شتوي قارس من عام 2004 قابلت منتجاً عربياً في هوليوود كان أنشأ شركة إنتاج أفلام وأخذ يعيش بحبوحة واضحة. كان يملك تلك الڤيلا الكبيرة التي تتضمن غرفاً على طابقين وحمام سباحة وحديقة في إحدى أغلى مناطق المدينة.

نوعية الأفلام التي كان يقوم بإنتاجها كانت تجارية محضة. أفلام من تلك التي قام بها سواه قبل تأسيسه شركته وبعد ذلك. فإنتاجات هوليوود تنقسم إلى قسمين: الاستوديوهات الكبيرة (يونيفرسال، كولمبيا، صوني، باراماونت، الخ) وأفلام تنتج رخيصاً وبسرعة لتلبي توزيعاً على صفوف الفيديوهات أو المنصات الإلكترونية.

ذات يوم فكر في أن ينتج فيلماً أعلى شأناً، وحين قال لي ذلك في لقاء سابق قلت له إن هذا ما يجب القيام به إذا أراد التقدم فعلياً في مهنته. بعد ذلك بنحو سنة قابلته مجدداً في شتاء العام المذكور. خلالها كان الفيلم الذي قام بتمويله (مع آخرين) قد انتهى وعرض وفشل في عروضه التجارية.

سألت المنتج لماذا قام بإنتاج فيلم هو إعادة صنع فيلم حديث لم يمر أكثر من خمس سنوات على إنتاجه، فقال: فيلم كلاسيكي. الكل يفعل ذلك. نظرت إليه شذراً وقلت له: «عمره 5 سنوات وتقول إنه فيلم كلاسيكي؟ ألا تعرف الفرق؟». صمت ولم يجب.

عادت إلي هذه الذاكرة (والمنتج المقصود ليس الأستاذ مصطفى العقاد مطلقاً) عندما قرأت أن هوليوود تنوي إعادة صنع فيلم Vertigo لألفرد هيتشكوك.

هذا فيلم كلاسيكي بالطبع نظراً لقيمته ولتاريخه الزمني؛ إذ كان هيتشكوك حققه سنة 1958. هذا الفيلم قاد قبل سنتين قائمة أفضل فيلم في التاريخ حسب إحصاء بين النقاد قامت به مجلة «سايت أند ساوند».

استحق «ڤرتيغو» تلك المرتبة بسبب إجادة هيتشكوك طرح موضوع الإنسان الذي يقع أسير عاطفته. بطل الفيلم (جيمس ستيوارت) وقع في حب كيم نوڤاك واعتبر نفسه مسؤولاً عن انتحارها من دون أن يعلم بأنها لم تنتحر؛ بل تم خداعه. حين يرى شبيهة لها يحاول أن يصنع منها المرأة التي أحب دون أن يعلم بأنه ما زال يعيش الخديعة ذاتها.

ليس فقط أن الفيلم جيد ومن توقيع أحد كبار فناني العصر؛ بل هو مركب كما لو كان يقع بأكمله في خيال ما. لكن أي خيال؟ هناك سحر المعالجة التي يسودها الغموض حتى اللحظات الأخيرة.

الآن تنوي هوليوود إعادة صنع هذا الفيلم على أن يتولى روبرت داوني جونيور البطولة. وهي سبق لها وأن تحرشت بعمل جيد آخر من صنع هيتشكوك سنة 1998 عندما أعادت صنع Psycho. ذلك الفيلم الذي يحتل كذلك مراكز متقدمة في قوائم النقاد العالميين.

لم ينجز «سايكو» البديل (حققه غس ڤان سانت) أي مصلحة لأي طرف. لا النقاد، في مجملهم، أحبوه ولا كان نافعاً للجمهور. هذه المرة تتسلح هوليوود باسم داوني كنجم في مغامرتها الجديدة.

لكن لماذا الإغارة على الأفلام الكلاسيكية الكبيرة مع وجود احتمال كبير في أن لا تحقق الإعادة ما تصبو إليه من قيمة أو نجاح؟ هناك فرق بين إعادة صنع فيلم مثل The Dirty Dozen (نجح تجاريا) أو Midnight Run وبين أفلام الكبار أمثال هيتشكوك. وإذا ما أضفنا محاولة تشويه المخرج في فيلم Hitchcock لساشا جرفاسي (2012) يمكن القول إن هيتشكوك وأعماله يواجهون هجوماً غير مبرر.