هذا الفيلم، كحال أفلام تسجيلية أخرى خرجت في السنوات العشر الأخيرة، مسيس بداية من مطلعه وحتى نهايته. إنه وجهة نظر الغرب في روسيا كنظام وكقيادة من خلال موضوع لا يمكن ضحده وهو نضال رجل يعارض الحكم ويصفه بالفساد.
في نهاية هذا الفيلم المنفذ جيداً، يعرض المخرج دانيال روهر مشاهد احتجاج كبيرة تتناوب مع كلمات مطبوعة على الشاشة تخبرنا ما آل إليه وضع السياسي أليكسي ناڤالني الذي يمضي الآن حكماً بسجنه لعشرين سنة. ما يخطر على البال، لجانب النهاية الحزينة والمؤثرة بلا ريب، هو أن الرجل حارب ما آمن به وخسر، ومع أن المرء عليه احترام مبدأ حرية الرأي والتعبير إلا أن الوقوف منفرداً (ولو بالاستناد إلى شعبية كبيرة) لا يمكن له أن ينتهي بالنصر.
يعرض هذا الفيلم وجهات نظر متبادلة ومتعارضة في سعي لكشف الحقيقة ومقارنة الوقائع. هذا وحده يحول الفيلم إلى أداة تشهير في حرب الغرب ضد روسيا. شيطنة بوتين ليست طرحاً سياسياً ولا مجرد الوقوف ضد حكمه كذلك. يحتاج «ناڤالني» أساساً إلى طرح بحث واقعي وسياسي قد ينتج عنه صحة موقف ناڤالني، لكن على الأقل من بعد طرح عميق وليس دعائي كالذي اختاره الفيلم.
من حيث الحرفة، يصيب الفيلم أهدافاً جيدة. مصنوع بحرفة تقنية وبتنفيذ جيد على صعيد التوليف (قام به مايا هوكس ولانغدون بايجأ) يشمل مواقع متعددة ومراحل زمنية مختلفة. يبدأ بناڤالني يتحدث في دارته في ألمانيا إثر خروجه من المستشفى متماثلاً للشفاء بعد حادثة وصفت بأنها حادثة تسمم قامت بها السلطة الروسية لقتله. السؤال الأول يطرحه المخرج على أليكسي هو «إذا مت، ما هو الإرث الذي تريد أن تتركه وراءك؟». يستنكر أليكسي هذا السؤال لكن نهاية الفيلم تبرره. من ألمانيا إلى شوارع موسكو خاطباً ومهيجاً جمهوره واصفاً بوتين باللص والسلطة بالفساد. بصرف النظر عن صحة التهمة أو لا، كون الفيلم ليس بوارد التحقيق بل مصنوع للاحتفاء بشخصية سياسية معارضة فقط، فإن هوية الفيلم تكشف عن نفسها وتستمر في منهجها حتى النهاية.
لشخصية ناڤالني كاريزما لا يمكن تجاهلها. محنك وذكي ويفهم في تأثير الميديا. نراه في مزاج رجل أعمال خولته شخصيته التفاؤل بتحقيق مراميه. هذا يزيد من تأثير النهاية والحزن الذي تثيره. زوجته الجميلية يوليا تبقى شخصية مساندة ولو أنها مؤيدة، هذا من دون أن يفصح الفيلم عن أي موقف شخصي قد يكون متناقضاً مع موقف زوجها ولو من زاوية خوفها عليه.