01 أغسطس 2022

أسرار خفية في قضية احتجاز بطلة كرة السلة برتني جرينر في روسيا

كاتبة صحافية

أسرار خفية في قضية احتجاز بطلة كرة السلة برتني جرينر في روسيا
برتني جرينر

كثيرة هي القصص العجيبة والغريبة التي تحملها نشرات الأخبار منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا.

لقد عاد الصراع بين المعسكرين الجبارين، موسكو و واشنطن، وكأننا عدنا نصف قرن إلى الوراء وسياسة الجدار الحديدي. آخر الحكايات كانت احتجاز بطلة كرة السلة الأمريكية برتني جرينر في روسيا بتهمة حيازة مخدرات.

ما هي التفاصيل الخفية للحكاية؟

برتني جرينر
برتني جرينر

اعتاد جمهور رياضة كرة السلة رؤية أبطالهم المحبوبين وهم يقفزون بسيقانهم الفارعة لكي يضعوا الكرة في الشبكة. لذلك كانت صدمتهم كبيرة وهم يتابعون صور برتني جرينر، نجمة كرة السلة الأمريكية، وهي تصل مخفورة مقيدة اليدين إلى محكمة خيمكي، قرب العاصمة الروسية موسكو.

حدث ذلك في السابع من شهر يونيو، أثناء ثاني جلسات محاكمتها.

أما المفاجأة الأكبر فكانت إقرار المتهمة بتهمة حيازة المخدرات. ومن المعروف في أعراف القضاء أن القبول بالتهمة هو وسيلة لتسريع إجراءات التقاضي والحصول على حكم مخفف نسبياً.

أسرار خفية في قضية احتجاز بطلة كرة السلة برتني جرينر في روسيا

ما أسرار تعاطي الخدرات في أوساط بعض الرياضيين؟

ورغم الإقرار بالذنب فإن الرياضية السوداء يمكن أن تنال حكماً بالسجن في روسيا لمدة 10 أعوام. وكان أول تعليق لصديقتها شيريل، بعد إلقاء القبض على برتني أواسط فبراير الماضي، هو: «إنها بطلة أمريكية». ما معنى البطولة هنا؟

أسرار خفية في قضية احتجاز بطلة كرة السلة برتني جرينر في روسيا

تبلغ برتني من العمر 31 عاماً وتحمل ميداليتين ذهبيتين أولمبيتين. ألقي القبض عليها في مطار موسكو شيريمتيفو وفي حوزتها زيت القنب السائل، وهو نوع من الحشيش ممنوع في روسيا.

ونظراً لظروف احتجازها المفاجئ ووجودها وحيدة في دولة أجنبية بعيداً عن معارفها، فإن مصيرها بقي مجهولاً خلال الأسابيع الأولى من القبض عليها.

ثم ابتدأت جلسات المحاكمة وفوجئ جمهور المعجبين بالبطلة الأولمبية باعترافها بأنها مذنبة وقد تعاملت مع عصابة لمهربي المخدرات.

وطبعاً فإن هذا الاعتراف جاء بناء على نصيحة فريق الدفاع عنها، والهدف منه القبول بحكم مخفف لتفادي حكم ثقيل.

أسرار خفية في قضية احتجاز بطلة كرة السلة برتني جرينر في روسيا
برتني جرينر

كيف وقعت العملاقة السمراء في الشبكة؟

لقد اشتهرت بأنها نجمة لاعبات «فينكس ميركوري»، الفريق الوطني النسائي لكرة السلة في الولايات المتحدة. لكن اللاعبة الأمريكية لم تحل في روسيا بهذه الصفة بل للمشاركة في مباراة ضمن الدوري الأوروبي.

فقد كانت انضمت إلى الفريق الروسي «أيكترنبورج»، ومعه فازت ببطولة الدورة الأوروبية لأربع مرات.

وبعد المباراة توجهت برتني إلى مطار موسكو لأخذ طائرة كانت قادمة من نيويورك، وهناك عثر موظفو الجمارك على بخاخة في حقيبتها تحتوي على «سائل ذي رائحة معينة»، حسبما جاء في ملف التحقيق.

أسرار خفية في قضية احتجاز بطلة كرة السلة برتني جرينر في روسيا
برتني جرينر

وبناء على استجوابها لمعرفة محتويات البخاخة تمهيداً لتحليلها، تم وضع القيود في معصمي الرياضية التي يزيد طولها على المترين واقتيدت إلى الاحتجاز على الفور.

لم تعترف روسيا بحبس برتني بشكل مباشر، وظل الأمر قيد التكهنات. وفي السادس من مارس أعلنت سلطات الجمارك في روسيا الاتحادية تفسيراً لغياب الرياضية الأميركية يفيد بأنها «تحتجز بطلة أولمبية من الجمعية الوطنية الأمريكية لكرة السلة النسائية»، دون أن تحدد اسمها.

لكن الكل عرف من هي المقصودة. وقالت وكيلتها لندسي كاجاوا في تصريح لقناة «ESP» الأمريكية إن برتني في اتصال محدود مع عائلتها وفريقها ومع الجمعية الوطنية لكرة السلة، وأضافت «هناك قضية قانونية قيد الدرس ولا يمكننا إعطاء مزيد من التفاصيل، لكن يمكننا التأكيد بأننا نبذل الجهود لإعادتها إلى وطنها واهتمامنا ينصب على متابعة حالتها الصحية، جسدياً وعقلياً».

آلاف التوقيعات على عريضة تطالب بالإفراج عن برتني جرينر

أسرار خفية في قضية احتجاز بطلة كرة السلة برتني جرينر في روسيا

بعد مرور أربعة أشهر من التوقيف والكثير من الترقب، ابتدأت محاكمة برتني جرينر في الأول من هذا الشهر. وكان انطلاق المحكمة فرصة للعديد من الشخصيات الرياضية للإعراب عن دعمهم لزميلتهم اللاعبة، وكان منهم ستيفن كاري، بطل الدوري الأمريكي لكرة السلة «NBA» الذي رفض استغلال القضية لنوايا سياسية وقال إن المهم حالياً هو إعادة برتني إلى بيتها.

وبموازاة ذلك تداول الوسط الرياضي عريضة على «النت» تحمل تواقيع شهيرة للمطالبة بإطلاق سراحها، وبلغ عدد الموقعين مؤخراً أكثر من 400 ألف شخص.

«أنا خائفة من فكرة حبسي هنا دائماً، وأدرك أنك تواجه مسؤوليات كثيرة ولكن أرجوك ألا تنسني ولا تنس غيري من المحتجزين»

أسرار خفية في قضية احتجاز بطلة كرة السلة برتني جرينر في روسيا

خلال ذلك حاولت برتني من جانبها تحريك القضية.

وقبل أيام بعثت النجمة، التي حازت تحت العلم الأمريكي بطولة كأس العالم في كرة السلة في عامي 2014 و2018، برسالة إلى الرئيس جو بايدن جاء فيها «أنا خائفة من فكرة حبسي هنا دائماً، وأدرك أنك تواجه مسؤوليات كثيرة ولكن أرجوك ألا تنسني ولا تنس غيري من المحتجزين. أرجوك أن تفعل كل ما في وسعك لإعادتنا إلى وطننا».

وفي الرسالة، كشفت برتني بأنها شاركت لمرة وحيدة في الإدلاء بصوتها في انتخابات الرئاسة الأمريكية، كان ذلك في عام 2020 وصوتت لصالح بايدن، وكتبت «وثقت بك وما زال هناك الكثير الذي يمكنني فعله حين تساعدني في استعادة حريتي. إنني مشتاقة لأسرتي ولزميلاتي في الفريق».

أسرار خفية في قضية احتجاز بطلة كرة السلة برتني جرينر في روسيا
برتني جرينر

جاء في مقال لصحيفة محلية أن قضية الاحتجاز هذه تشكل تعقيدات إضافية نظراً لأن ضحيتها هي امرأة سوداء من المدافعات عن «المثلية الجنسية».

ومن المعروف أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ضد المثلية، وقد أعلن في عام 2020 أنه لن يسمح مطلقاً بقانون يبيح زواج المنتمين إلى الجنس ذاته. ورغم أن رسالة السجينة إلى بايدن لم تنشر بالكامل للحفاظ على سرية ظروف احتجازها فإن محاميها قال إن من المسموح لها إرسال رسائل هاتفية وتلقي رسائل من الولايات المتحدة، هذا مع افتراض وجود مراقبة على المراسلات.

هل تتم مبادلة برتني جرينر في صفقة لتحرير تاجر سلاح روسي؟

أسرار خفية في قضية احتجاز بطلة كرة السلة برتني جرينر في روسيا

هناك، في بلادها، تجتهد جهات كثيرة لتقديم الدعم لبرتني والعمل على تحريرها. وهو ما أكدته كارين جان بيير المتحدثة باسم البيت الأبيض، ولكن كيف؟

لقد تم القبض عليها قبل أيام معدودات من الاجتياح الروسي لأوكرانيا، وبهذا فإن من السهل تحويل قضيتها إلى مبارزة دبلوماسية بين موسكو وواشنطن وتحويل اللاعبة إلى ورقة في صراع سياسي لا يد لها فيه.

وهناك اليوم عدة سيناريوهات مطروحة، إذ يمكن تحويلها إلى عملة مبادلة بين الطرفين، باعتبارها «رهينة» بوتين، فالسجينة شخصية معروفة وبطلة من أعلى مستوى، ومن المؤكد أن أمريكا مستعدة لتقديم تسهيلات للإفراج عنها، في خضم الطريق المسدود للسياسة الاقتصادية ما بين البيت الأبيض والكرملين.

وفي حال القبول بفكرة تبادل السجناء، هل يجري تسليم برتني مقابل فكتور بوت، تاجر السلاح الروسي المحكوم منذ 2012 بالسجن لمدة 25 عاماً في الولايات المتحدة؟

كل الاحتمالات تبقى واردة لحين استكمال المحاكمة وصدور الحكم. ومن المؤكد أن أزمة أوكرانيا قد جاءت لتصب الزيت على نار القضية وتساهم في تحويل بخاخ الحشيشة السائلة إلى قنبلة في الحرب الدائرة هناك.