14 سبتمبر 2021

أرملة أمريكية تطالب أمير موناكو بـ 4 ملايين دولار..ما حكايتها؟

كاتبة صحافية

أرملة أمريكية تطالب أمير موناكو بـ 4 ملايين دولار..ما حكايتها؟
أمير موناكو ألبير الثاني

هي أرملة أحد أثرياء الولايات المتحدة، وهو أمير موناكو والابن الذكر الوحيد لنجمة هوليوود الراحلة جريس كيلي. ورغم ما يتمتع به كل منهما من عيش رغيد فإن معركة قضائية تستعر بينهما منذ عدة سنوات بسبب 4 ملايين دولار.

«كل الأسرة» تابعت تفاصيل الحكاية.

الراحل ترك وصيتين واحدة لصالح زوجته والأخرى لصالح الأمير

عندما يترك المتوفى وصيتين وراءه، لا واحدة، فهذا أمر يدل على أنه يريد لقضية تركته أن تسير بالشكل الذي تمناه لها، بدون طعون أو معوقات. لكن الأمر مختلف هذه المرة، لأن المتوفى أوصى في الأولى بكل ما يملك إلى ألبير جريمالدي، أمير موناكو الحالي، بينما كتب في الثانية أن تركته تؤول إلى زوجته.

إنه وضع فريد.. بل نادر. لذلك كان من الطبيعي أن يحدث نزاع بين الطرفين وأن تنتقل القضية إلى أروقة المحاكم. لكن درب العدالة طويل، كما يقولون، وها هو النزاع مستمر منذ قرابة عشر سنوات.

سنوات من الكتمان

الأمير ألبير الثاني
الأمير ألبير الثاني

اسم الأرملة التي تلاحق أمير موناكو في المحاكم هو إيزابيل سميث، وهو اسم مستعار لأن الطرفين يحرصان على التكتم وعلى عدم انكشاف النزاع على صفحات مجلات الإثارة. والمدعية هي معلمة «يوغا» متقاعدة تبلغ من العمر حالياً 68 عاماً. وقد تركت أمر القضية لمحاميها كي يخوضها بكل تعقيداتها، بينما آثرت هي أن تمضي بقية عمرها حالمة باسترداد إرثها من زوجها المتوفى كيلوج سميث، الذي كان متمولاً ثرياً ورث أملاكه عن أسرة صناعية معروفة، قبل أن يسلم الروح في موناكو عام 2011 عن 85 عاماً.

والغريب أن القضية بقيت طي الكتمان كل هذه السنين، قبل أن تتسرب بعض خيوطها إلى مجلة «لوبز» الباريسية، وهي صحيفة رصينة تتوجه للنخبة المثقفة من القراء وليس من عادتها متابعة أخبار فضائح المشاهير.

وبحسب التسريبات فإن كل طرف يتهم الآخر بأنه يحاول تزوير رغبة المتوفى والاستئثار بما أوصى به.

فماذا كان ذلك الإرث المتنازع عليه، وهل يستحق الجري خلفه في المحاكم كل هذه السنوات؟

الأوراق تقول إن النزاع يدور على تركة قدرها 4 ملايين دولار تقريباً، ومعظم هذا المبلغ مودع في فرع مصرف «بي أن بي باريبا» الفرنسي في موناكو. ومن المقرر أن تدرس محكمة الاستئناف في العاصمة الفرنسية، هذا الأسبوع، الطلب الذي تقدم به محامي المدعية والقاضي بالإفراج عن رصيد زوجها الراحل المجمد في البنك.

تعرفت إلى زوجها الأمريكي الثري من خلال إعلان في صحيفة

إيزابيل وكيلوج سميث في بيتهما في موناكو
إيزابيل وكيلوج سميث في بيتهما في موناكو

من المؤكد أن العدالة الفرنسية، ممثلة بوزير العدل إيريك دوبون موريتي، لا تريد التورط في شأن قد يقلق العلاقات الطيبة والهادئة بين باريس وموناكو. لكن يبدو أن لا مفر من التوتر، رغم أن القضية كانت قد بدأت بداية حسنة. فقد تعرفت إيزابيل إلى كيلوج سميث من خلال إعلان للتعارف نشره هذا الأخير، عام 1997، في صحيفة «نيس ماتان»، وهي جريدة تصدر في جنوب فرنسا.

وكان كيلوج، الأمريكي المقيم في موناكو، قد فقد زوجته الأولى نيكول قبل ذلك التاريخ بأشهر، وهي زيجة لم تثمر أبناء. كان في السبعينات من عمره يومذاك، وقد عاش معظم حياته ما بين باريس وموناكو، ولا ينوي تمضية بقية عمره وحيداً. كان يملك منزلاً في أرقى أحياء العاصمة الأمريكية ثم نقل مقر إقامته إلى إمارة موناكو للتخلص من الأعباء الثقيلة لقانون الضرائب في فرنسا، وهي ضرائب كانت قد تصاعدت مع وصول الرئيس الاشتراكي فرانسوا ميتران إلى الحكم، عام 1981.

عاش مستر سميث حياة هانئة في الإمارة الصغيرة الساحرة معتمداً على ما يجنيه من فوائد رصيده المصرفي، وعلى مضاربات في البورصة. أما إيزابيل، فقد ولدت عام 1953 في إيطاليا لأسرة بسيطة، وكانت لها ابنة من زواج أول، تكسب عيشتها من العمل معلمة لرياضة «اليوغا» في ضواحي مدينة نيس الفرنسية، غير بعيد عن موناكو.

وهي حالما ردت على إعلان كيلوج والتقت به، سارت الأمور بينهما بشكل لطيف وتفاهما منذ اللقاء الأول. عاشا سنتين ينهلان من نبع الحب قبل أن يقررا الزواج في موناكو. وبعدها واصلا عيشة مرهفة، يرتادان المطاعم الغالية ويقومان بنزهات بحرية في البواخر السياحية ويسافران إلى أجمل بقاع العالم.

لكن لكل شيء نهاية، وبعد سنوات من السعادة راحت العلاقة تتدهور بين الزوجين. ثم بدأ كيلوج سميث يعاني مشكلات صحية، تنتابه الأفكار السوداء وينزلق نحو الكآبة. لقد تحول إلى رجل ينطوي على نفسه، يرفض أن يمضي بقية عمره على سرير المستشفى. وفي صيف 2005 حاول الأمريكي الثري أن يضع حداً لحياته، ولما تم إنقاذه وضعوه تحت الوصاية القانونية باعتباره إنساناً ضعيفاً فاقداً لأهلية التصرف بالقرار الصائب.

وفي تلك الفترة عاش الزوجان منفصلين الواحد عن الآخر، دون أن تنقطع الصلات بينهما. لقد باشرا معاملة الطلاق لكنها لم تصل إلى نهايتها.

ثم حل الموت الذي وضع نهاية لكل شيء. ففي 18 تشرين الثاني (نوفمبر) من عام 2011 توفي كيلوج في موناكو، ولم يكن له أبناء أو أشقاء يرثونه. لم يحضر جنازته سوى زوجته واثنين من العاملين في منزله. وبعد بضعة أيام تلقت الأرملة اتصالاً من المحامي هنري راي، وهو كاتب عدل مرموق في موناكو ويرتبط بقرابة مع أميرها، يطلب لقاء لتسوية أمور التركة. وتم اللقاء بالفعل وفيه قدمت إحدى السكرتيرات إلى الأرملة ورقة يفترض أنها الوصية التي تركها زوجها الراحل.

وجاء في الورقة المكتوبة بخط اليد «أنا الموقع أدناه كيلوج سميث، قررت إلغاء كل وصية سابقة وتسمية أمير موناكو ألبير الثاني وريثاً وحيداً لي»، وكانت الورقة مؤرخة في 2005. ثمانية أسطر ضمنها التوقيع قضت على آمال الزوجة في التركة. لكن الورقة لم تكن مكتوبة أمام أنظار كاتب العدل بل مرسلة إليه من صاحبها.

من كتب الوصية؟

صعقت الأرملة وهي تطلع على الورقة، وأصابتها حالة من الهياج، فزوجها لم يكن صديقاً للأمير وليس بينهما معرفة، لا من قريب ولا من بعيد. وهي من خلال زواجها بكيلوج سميث، لا تذكر أنه أبدى أي اهتمام بالعائلة الأميرية ولا بحكاياتها التي تتداولها الصحف، بل إنه رفض مرافقة زوجته إلى جنازة الأمير السابق رينيه، والد الأمير الحالي، واضطرت إلى الذهاب برفقة أحد الجيران.

قضت محكمة موناكو بتحويل ممتلكات كيلوج سميث إلى الأمير ألبير الثاني
قضت محكمة موناكو بتحويل ممتلكات كيلوج سميث إلى الأمير ألبير الثاني

ولهذا فإن إيزابيل سميث تتساءل «هل كتب الراحل الوصية في نوبة من نوبات الهلع والكآبة، أم أن هناك من أملاها عليه ووضع عليها تاريخاً أقدم أثناء وضعه تحت الوصاية؟».

يرد جان ماري تومازي، محامي الأمير، بأن هذا النوع من الوصايا عادي ومعروف، ويحدث أن يترك أشخاص ممتلكاتهم إلى أمير موناكو في حال توفوا ولم يكن لهم من يرثهم من الأقرباء. ولا تدخل هذه الأموال إلى جيب الأمير بل عادة ما يحولها إلى واحدة من الجمعيات الخيرية.

رغم أن الأمريكي الثري بدد الجزء الأكبر من ثروة عائلته في الأسفار والعيش الرغيد، فإن المتبقي منها يبقى معتبراً. إذ تتألف أملاكه من شقة تقع في جادة فيكتور هوجو في باريس، أرقى أحياء العاصمة، إضافة إلى حساب مصرفي فرنسي مودع فيه أكثر من مليون يورو، وغرفة في موناكو سعرها 350 ألف يورو، لأن أسعار الغرف في الإمارة تعادل سعر شقة خارجها، هذا عدا بعض السندات المالية التي تبلغ 2 مليون يورو وأسهماً تعود لشركته العائلية في الولايات المتحدة.

تعززت شكوك إيزابيل بعد عثورها على وثيقة أخرى وقعت عليها يدها وهي ترتب أوراق زوجها الراحل وحاجياته بعد وفاته. والوثيقة هي وصية ثانية مؤرخة في أغسطس 2005، قبل ثلاثة أيام من محاولته الانتحار، وبهذا فإنها أحدث من الوصية التي في حوزة كاتب العدل. في هذه الوصية كتب المتوفى رسالة وداع باللغة الإنجليزية موجهة إلى كل من له علاقة به، وفيها يعبر عن ضيقه بالوضع الصحي الذي وصل إليه بسبب الشيخوخة وتراجع قدراته الجسمانية بحيث إنه يموت موتاً بطيئاً منذ سنتين.

وينهي الرسالة بالقول إن لا أحد يعلم بقراره إنهاء حياته، ولا حتى زوجته إيزابيل، ثم تلي ذلك فقرة يؤكد فيها أنه، حسب علمه، لم يترك وصية قانونية. ويختم الرسالة بما يلي «أرغب في أن يذهب ثلث ممتلكاتي المنقولة وغير المنقولة إلى زوجتي والباقي إلى جمعيات خيرية في موناكو وغيرها». وأخيراً يطلب أن تحرق جثته ويودع الرماد بجوار رماد زوجته الأولى المتوفاة. كما يطلب من زوجته الحالية أن تعتني بقطهما شارلي!

رسالة تكفي لمطالبة الأرملة بحقها في الميراث، إذ لا يمكن لزوجها أن ينسى أنه أرسل وصية إلى كاتب العدل قبلها بشهرين فقط! لكن في بداية عام 2012، واستناداً إلى الوصية الأولى، قضت محكمة موناكو بتحويل ممتلكات كيلوج سميث إلى الأمير ألبير الثاني، وبوشر بحصر التركة، الأمر الذي دفع إيزابيل إلى الاتصال بأحد مستشاري الأمير للوصول إلى اتفاق ودي.

واقترحت الأرملة الستينية أن تمنح 15 في المئة من التركة إلى مؤسسة الأميرة شارلين الخيرية، زوجة الأمير ألبير. وشارلين سباحة وبطلة أولمبية سابقة تهتم مؤسستها بتوعية الأطفال والحد من حالات الغرق المنتشرة في البحار والبحيرات والمسابح المنزلية.

وبالمقابل تطلب الأرملة تخلي أمير موناكو عن تركة زوجها. لكن المفاوضات سرعان ما فشلت.

تقدمت إيزابيل سميث بدعوى قضائية أمام العدالة الفرنسية ضد الأمير ومستشاره ومعهما قريبه كاتب العدل وكذلك الموظف المسؤول عن التنفيذ والشخص الذي وضع زوجها تحت وصايته. وطالبت المدعية بإلغاء الوصية المحررة لصالح الأمير.

وفي عام 2015، بعد ثلاث سنوات من التقاضي، كسبت الدعوى. واستند القاضي إلى أن الوصية الجديدة تلغي سابقتها. كما طالب القاضي بأحقية الأرملة في كامل التركة. كما حكم بأن يدفع الأمير واثنان من مستشاريه مبلغ 100 ألف يورو إلى المدعية على سبيل العطل والضرر لأنها لم تتمتع بإيجار الشقة الباريسية لزوجها طوال السنوات التي أعقبت وفاته. وبسبب هذه الغرامة غير المتوقعة، قرر أمير موناكو أن يستأنف الحكم.

كان الحكم قابلاً للتنفيذ حتى لو تم استئنافه. لكن مرت ست سنوات دون أن يعيد الأمير التركة إلى الأرملة. وبهذا فإن إيزابيل سميث لم تتمكن من استعادة الشقة الباريسية. كما فشلت مساعيها في إرسال محصل يتولى تغيير قفل الشقة ووضعها تحت تصرفها. وحتى عندما حاولت بيعها واجهت تعقيدات لأن النفقات العقارية لم تكن مدفوعة. أما مبلغ الغرامة فقد تلكأ أمير موناكو في دفعه طوال ثلاث سنوات ولم تتسلمه الأرملة إلا في عام 2018.

والكرة ما زالت في ملعب العدالة، وتنتظر إيزابيل سميث قرار محكمة الاستئناف لكي تتمتع بالملايين التي قد تصل أو لا تصل.