أميرة موناكو كارولين
حدث ذلك قبل سنوات. كنت أتجول في مجمع تجاري مع صديقة جاءت من الوطن. وقد دخلنا متجراً للثياب وأرادت صديقتي أن تشتري بدلة. وهي قد دخلت إلى غرفة تبديل النساء لتقيسها بينما وقفتُ أنتظرها وراء الستارة. وكما يحدث في مثل هذه الأماكن، سمعتها تستدعيني لكي تأخذ رأيي في البدلة، هل تناسبها أم أنها ضيقة عليها؟ والغريب أنني لم أنظر إلى الزي بل إلى رأسها. إنها المرة الأولى التي أرى صديقتي فيها بدون حجاب. وقد فوجئت بأن شعرها أبيض بالكامل! لماذا فوجئت؟ لقد بلغنا من العمر ما يصبح معه طبيعياً أن يتسلل الشيب إلى رؤوسنا. لكن دهشتي جاءت من أن صديقتي كانت ذات روح شابة وثابة وكأنها في أول الصبا. كما أن عملها يزيد من نشاطها فهي مراسلة متجولة لمجلة شهيرة، تسافر وتمضي حياتها ما بين المطارات والفنادق، تحضر عروض الأزياء في باريس وميلانو وتحفظ أسماء المصممين وتتلقى نماذج من مستحضرات التجميل والعطور الجديدة من قبل نزولها إلى الأسواق.
هل يعقل أن امرأة مثلها، بالغة الأناقة، لا تصبغ شعرها؟ اليوم أعترف بأن دهشتي كانت في غير محلها. فأنا لست ضد الشعر الأبيض. وقد كتبت هنا الشهر الماضي أنني ضد من يفرض على النساء خيارات معينة بحجة التحرر من نظرة الرجل، ومن مقاييس دور الأزياء، ومن الصور النمطية التي تجعل من المرأة سلعة. وهناك اليوم حركات نسوية في الغرب تدعو النساء للحفاظ على الشيب وعلى الشعيرات التي تنبت على الأطراف وتحت الإبط وبقية الجسم.
إن شعار الدعوة «افرضي صورتك على المجتمع». والغريب أن تلك الحركات تشجع النساء، كذلك، على التباهي بالسمنة والوزن الزائد. ولا داعي للرشاقة لأنها مفهوم «برجوازي». في حين أن الطب يرى البدانة نوعاً من المرض الذي يستدعي أمراضاً أخرى. وما بين شروط النظافة ومتطلبات الصحة تضيع طاسة الجدل. وحسب رأي النسويات الجدد فإن جلسات نزع الشعر هي حصص للتعذيب، مثل تلك التي يخضع لها المعتقلون في السجون. أما تلوين الشعر فهو تنكر للطبيعة وتحويل المرأة إلى لافتة حمراء وشقراء بهدف جذب أعين الرجال. وأعود لطرح السؤال: هل تتجمل المرأة للرجل أم لنفسها ولكي ترى صورتها مقبولة في المرآة؟
قبل أيام طلعت علينا الصحف الباريسية بصور لأميرة موناكو كارولين وقد تركت البياض يتسلل إلى خصلات شعرها القصير. كان العنوان يقول «كارولين تضطلع بمسؤولية عمرها». أي مسؤولية؟ لقد عاشت الأميرة حياتها بالطول والعرض. تزوجت ثلاث مرات وصاحبت مئة مرة وكانت المثال الساطع للمفاهيم البرجوازية في الجمال، تظهر بتسريحة جديدة في كل مناسبة ولا ترتدي الفستان نفسه مرتين. أما وقد أصبحت جدة لعدة أحفاد فإن زمن الغواية قد ولى. ولاشك أن فروة رأسها تعبت من تكرار الصبغ والشد والجذب الحراري يوماً بعد يوم. حان وقت الاستراحة بعد عمر حافل بالمغامرات.
مختصر الكلام: الشيب ليس عيباً. وهو «وقار» كما يقول مطربنا طيب الذكر ناظم الغزالي. لكن من حق كل إنسان، رجلاً كان أو امرأة، أن يختار المظهر الذي يرتاح له. لسنا في حاجة لتحويل الرؤوس إلى قضايا ودروس في المسموح والممنوع.