ما هو شعوري، أنا المهاجرة المقيمة في فرنسا منذ أربعين عاماً، حين أتابع الحرائق وأعمال العنف والنهب التي يقوم بها شبيبة من أبناء المهاجرين من أمثالي؟
سؤال: هل هناك تعامل عنصري من أفراد الشرطة ضد المواطنين السود والسمر؟
جوابي الشخصي النابع من تجربة: نعم.
كلما رأيت سيارة استوقفتها دورية في الطريق لتفتيش أوراق سائقها، ألتفت لكي أرى ملامح السائق. وفي 99.99 في المئة من الحالات يكون الخاضع للتفتيش من أصحاب الملامح العربية أو الإفريقية. إنهم باستمرار موضع شك وريبة. وقد يكون السبب كثرة الجانحين والمدمنين والعاطلين في مناطق الضواحي وأحزمة البؤس المحيطة بالمدن الكبرى، لكن هذا لا يبرر أن تؤخذ الأغلبية بجريرة الأقلية.
يضع وزير العدل اللائمة على الآباء والأمهات. إنهم لا يهتمون بتربية أبنائهم بالشكل اللائق. كأنه لا يعرف عن شقق مساحتها خمسون متراً مربعاً تأوي أسرة مؤلفة من أب وأم وجدة وخمسة أبناء. فرض بعض رؤساء البلديات منع التجول بعد التاسعة مساء على الصغار ممن هم دون الثانية عشرة من العمر. في أي قفص مزدحم سيبقى هؤلاء محجوزين طوال عطلة المدارس وفي بلد لا تغيب شمس الصيف فيه قبل انتصاف الليل؟
أي تربية سيتلقاها ولد مراهق من أب عاطل عن العمل أو والدة مطلقة تخرج في الخامسة صباحاً لتذهب للعمل خادمة في المنازل أو عاملة في شركات تنظيف المكاتب؟ ولا ننسى تلك السموم التي تبثها فضائيات معينة لأهداف سياسية، تحت غطاء الدين، لكي تشيع الفوضى في مجتمعات «الكفار».
آخر ما تفتقت عنه عقول السلطات في فرنسا دورات تدريبية للآباء والأمهات يتعلمون فيها كيف يتعاملون مع ولد نزق ويفرضون عليه احترام القوانين. هل تتخيلون منظر رجال ونساء تجاوزوا الأربعين، يجلسون أمام معلمة أصغر منهم لكي يتعلموا مبادئ التربية البيتية؟
لا أحد مع العنصرية وقتل المراهقين عند حواجز التفتيش. كذلك لا أحد مع تحطيم واجهات المؤسسات ونهب المتاجر وحرق حاويات النفايات وحافلات النقل العام وسيارات الإطفاء. مات إطفائي قبل أيام متأثراً بجروحه وهو يؤدي واجبه في إخماد نار أشعلها المحتجون في مرأب للسيارات. إطفائي له أسرة وأطفال يعمل في مهنة خطرة مقابل مرتب هزيل.
حان الوقت للإقرار بأن فرنسا مريضة بمهاجريها. ومثلها دول أخرى في أوروبا: ألمانيا وسويسرا والسويد والدانمارك وبلجيكا. هناك خلل عرقي وثقافي يصعب علاجه. وهناك سوء تفاهم ديني تستغله أوساط اليسار المتطرف لكي تحصد أصوات المهاجرين الحاصلين على الجنسية الفرنسية. وسواء كانت الأحداث الأخيرة انتفاضة اجتماعية أو مجرد أعمال شغب فإن الوضع يحتاج إلى حكومات تتحلى بالحكمة والنزاهة، لا إلى سياسيين يمارسون التهييج عبر شاشات التلفزيون.