19 يوليو 2023

محمد رضا يكتب: رحيل ناقد عزيز

ناقد ومؤرخ سينمائي، وُلد وترعرع في بيروت، لبنان ثم هاجر إلى الغرب حيث ما زال يعيش إلى الآن معتبراً السينما فضاء واسعاً للشغف

محمد رضا يكتب: رحيل ناقد عزيز
درك مالكولم

توفي الناقد البريطاني درك مالكولم عن91 سنة، ورثته صحف ومواقع وهيئات نقدية ومجلات مختلفة كونه أحد أبرز نقاد السبعينات وما بعد. كان صديقاً للجميع. قريباً من الجميع. هادئ الطباع غالباً وساخراً بالأسلوب الإنكليزي الرفيع.

كان ناقد صحيفة «ذا غارديان» لأكثر من 25 سنة وبعدها انتقل إلى Lodnon Everning Standard لنحو عشر سنوات.

كان ناقداً جيد الإلمام والحكم ومحبوباً من رفاقه. هو أحد الذين كنت أقرأ لهم من نقاد بريطانيا. لم يؤثر فّي كثيراً كوني بدأت أقرأ لآخرين قبل أن يبدأ الكتابة في الغارديان. بسبب ما قرأته لفيليب ستريك وتوم ميل ورايموند دارغنت وجون غيليات ورتشتارد كومبس وسواهم أحببت أن أصبح ناقداً. هو جاء في مرحلة ما بعد تحولي إلى النقد ولمع لسنوات عديدة كأحد أفضل ناقد سينمائي بالإنكليزية.

إذا كانت الشمس تغيب عن الأشخاص، مهما اشتهروا، فهي غابت عن مالكولم. أسرّ لي بثلاث شكاوى أحزنتني:

  1. «الطاقم الجديد للغارديان لا يعرفني. تصور بعد 25 سنة خدمة اتصلت بالأمس لأتحدث هاتفياً مع رئيس التحرير فرد علي شخص لا أعرفه وسألني من أنا. ذكرت له اسمي فقال إذا كانت لديك شكوى كقارئ ابعثها بالإيميل. That SOB لم يعرفني»- ڤنيسيا: 2004
  2. "الآن صار علي لكي أذهب إلى المهرجانات أن أقوم بالتعهد للصحيفة إجراء مقابلات"- كان: 2017
  3. «في أحد الأيام طلبتني صحيفة بريطانية. كنت تركت الغارديان وأبحث عن عمل. فرحت. ذهبت للقاء رئيس التحرير. استقبلني بترحاب وشكرني على المجيء ثم سألني: أريد أن آخذ رأيك بأمر مهم: مَن من النقاد الشبان تنصحني بتعيينه ناقداً لهذه الصحيفة؟».- لندن: 2010

صوب سوق سينمائية عربية

لا يتعب المنادون في عالمنا العربي، وسواه، من الإعلان عن أن فلان «حقق العالمية» أو هو في سبيل ذلك، أو تبوأ مكانة دولية كممثل أو كمخرج أو كمطرب. إلى هذا الحد تشغلنا العالمية ويضيف الإعلام مصداقية على ذلك بالتأكيد أن فلان وصل أو على بعد شبر ونصف من الوصول.

قبل أكثر من 30 سنة كنت جالساً مع بعض الزملاء في أحد مقاهي بيروت عندما انضم إلينا ممثل بادر بالقول إنه عاد لتوه من هوليوود حيث مثل دوراً رئيسياً في فيلم من إنتاج مترو غولدوين ماير. باركه الجميع لكني التزمت الصمت مبتسماً.

لدي مراجع كل منها يحتوي على إنتاجات كل استوديو كبير. أول ما وصلت البيت فتحت كتاب م.ج.م وبحثت في الفهرس عن اسم الممثل. كان له ذكر واحد بالفعل. فتحت الصفحة فإذا بصورته هناك في فيلم تاريخي. كان يقف في الصورة بزي روماني حاملاً الرمح في الجهة اليمنى من باب قصر وكان هناك ممثل آخر في الجهة اليسرى! هذا كل شيء.

هذه الواقعة لا تغيب عن بالي، ولو أن المدعين بأنهم وصلوا للعالمية أكثر بكثير مما كانت الحال في التسعينات أو نحوها. المشكلة أن الظهور على شاشة فيلم أجنبي ليس بالضرورة فعل عالمي. بعد عمر الشريف (الذي لمع عالمياً بالفعل) ظهر ممثلون عرب كثيرون في أدوار مختلفة في أفلام أميركية. لكن معظمهم عاد إلى بلاده مكتفياً ومدركاً أن المشوار مجهد وطويل وتعلوه احتمالات الإخفاق.

العالمية ليست في الظهور في دور ولا حتى في إخراج فيلم محلي الإنتاج أو ممول من الخارج. العالمية هي الرسالة التي يستطيع الفنان العربي إيصالها إلى العالم. هذا ما فعله هاني أبو أسعد ويوسف شاهين ومصطفى العقاد. أنجزوا ما نقلوه إلى العالم بأسلوب فني أو إنتاجي حمل العناصر المطلوبة وفوقها رسالات ومفادات.

الجهد يجب أن ينطلق بهدف أكثر من مجرد الرغبة في الظهور لجانب راسل كرو أو توم كروز أو مات دامون. ما الذي تستطيع أن تضيفه إلى العالم هو العالمية.