أوراق من مهرجان ميونيخ السينمائي 2023
المخرجة التونسية كوثر بن هنية
انتهت مؤخراً أيام مهرجان ميونيخ السينمائية بعدما استعرض في برنامجه أكثر من 100 فيلم بينها فيلم كوثر بن هنية الفائز بالجائزة الأولى. مهرجان ميونيخ هو ثاني أكبر مهرجانات السينما الألمانية بعد برلين. لجانبه هناك مهرجانات عديدة بينها لايبزغ للفيلم التسجيلي وأبزهاوزن للأفلام القصيرة.
ديانا إلين
بين برلين وميونيخ أزمات
حظي المهرجان بنحو 58 ألف مشاهد أي بزيادة 8000 مشاهد عن العام الماضي، وهذا رغم ارتفاع سعر التذكرة إلى حوالي 5 دولارات للفيلم الواحد. والكثير من الحضور انتمى إلى مؤسسات ألمانية وأوروبية مختلفة مثل UFA وZDF وArte وهي من الشركات السينمائية والتلفزيونية ذات التاريخ العريق.
لكن الموضوع الذي تسلل إلى دائرة الاهتمام إعلامياً، خلال فترة المهرجان التي بدأت أعماله في السابع والعشرين من الشهر الماضي وانتهت في الأول من هذا الشهر، هو التغيير المرتقب لمديرة المهرجان ديانا إلين التي ستغادر منصبها في نهاية شهر سبتمبر المقبل.
أكثر من ذلك، أثيرت أيضاً مسألة من سيخلف مديرة مهرجان برلين مارييت ريزنبيك على ضوء الدورة الأخيرة من المهرجان الألماني الأول التي لم تكن موازية لتطلعات وطموحات مسؤولي المهرجان ومسؤولي الحكومة التي تنفق عليه. ريزنبيك ليست مديرة المهرجان الوحيدة بل يشاركها كارلو شاتريان، ما يجعل الفشل الأخير (وهو استمرار لوضع غير مريح عاناه المهرجان الألماني منذ أن استلم المديران منصبيهما سنة 2020) مزدوجاً.
أبرز عناوين ذلك الفشل هو أن الأفلام المنتقاة لم تكن، في غالبيتها، حسب النقاد من تلك التي تستطيع منح برلين ما يحتاجه لمنافسة مهرجاني «ڤنيسيا» و«كان»، كما كانت الحال حتى ذلك الحين، الغالب أن هذا التراجع سببه أن علاقات كل من المهرجانين الإيطالي والفرنسي مع السينمائيين حول العالم أقوى بكثير من علاقة مديري المهرجان الألماني.
وجدير بالذكر أن العقد المبرم مع شاتريان وريزنبيك ينتهي مع نهاية العام المقبل، رغم أن ريزنبيك كانت قدمت استقالتها مباشرة بعد الدورة الأخيرة من مهرجان برلين في فبراير الماضي.
كوثر بن هنية.. على جناحي الفوز
انتزعت المخرجة التونسية كوثر بن هنية جائزة مهرجان ميونيخ في دورته الـ 43 المنتهية في الأول من هذا الشهر وذلك عن فيلمها الجديد «بنات ألفة» (أو «أربع بنات»، يعتمد ذلك على أي عنوان يعتمد الموزعون عليه).
بهذا الفوز تستقبل المخرجة ثاني فوز دولي كبير لها من بعد «الرجل الذي باع ظهره» (2020) الذي كان نال جائزتين من مهرجان ڤنيسيا قبل أن يتوجه إلى ترشيحات الأوسكار الرسمية كأول فيلم تونسي يصل إلى النهائي.
كلا الفيلمان هو أكثر أفلام المخرجة شهرة منذ بداية عملها في السينما عندما حققت أول أفلامها الطويلة بعنوان «الإمام يذهب إلى المدرسة» سنة 2010 والذي شارك حينها مسابقة مهرجان دبي في قسم الأفلام التسجيلية.
بعد ذلك أنجزت «شلاط تونس» (2013) و«زينب تكره الثلج» (2016) وبعدها «الجمال والكلاب» (2017) وصولاً إلى «الرجل الذي باع جلده» و«بنات ألفة».
وكان «بنات ألفة» فاز بجائزة العين الذهبية في مهرجان «كان» مشاركة مع فيلم المخرجة المغربية أسماء المدير «أم كل الأكاذيب».
درب ناجح لفيلم «بنات ألفة»
يتألف «بنات ألفة» من مزج ما بين التمثيل والأداء التسجيلي. الأول يمنح الفيلم صفة الروائي والثاني يضعه في خان التسجيلي. بذلك هو جمع بين تناقضات مقصودة أحسنت المخرجة التخطيط لها وتنفيذها. يدور حول أم لأربعة بنات اسمها ألفة (هندي صبري) تبحث عن ابنتين من بناتها قررتا الانضمام إلى جماعة متطرفة. ترغب الأم استعادتهما من مصير مظلم وإعادتهما إلى حظيرة العائلة.
في هذا السياق تمضي الحكاية بتعرجاتها المذكورة لكنها تزداد غرابة مع استعانة المخرجة بمزيد من الانتقال ما بين ممثليها المختلفين، كون بعضهم من الممثلات وبعضهن من الشخصيات الحقيقية، كما لو أنها تريد من فيلمها سرد الحكاية وتأكيدها أيضاً. أو- ربما وكما يتبدى الأمر من منظور مختلف- سرد الحكاية وتكذيبها معاً. ما يدور في خلفية المشاهد الذي يستقبل كل هذا الكم من القرارات وفورمات السرد هو حقيقة أن المشروع الماثل أمام المخرجة جديد من نوعه وينتمي إلى محاولة فعلية لتقديم شكل واحد فريد. هذا الشكل ينجح أكثر حين معاملة الفيلم على أساس مشاهد مفترقة، مفصولة عن بعضها البعض بنقله صوب التمثيلي وغير التمثيلي، لكن حين النظر إلى الفيلم ككل فإن قيمة العمل تختلف سلباً كون الفيلم لن ينجز إعجاباً كاملاً كعمل سينمائي لا يخلو من الافتعال، أو كشخصيات كونها تتأرجح بين كسب العاطفة وعدمها.
تنقسم أفلام بن هنية إلى أفلام روائية («الجمال والكلاب» و«الرجل الذي باع ظهره») وغير روائية («زينب تكره الثلج») ومحاولتها الإتيان بمزيج بين الجانبين تحد كبير تخرج منه رابحة في المبدأ وأقل من ذلك في التطبيق. على أن العمل بأسره يستحق ما يلتقطه من اهتمام وجوائز منذ عروضه في الدورة الأخيرة من مهرجان «كان» وحتى الآن. وهو تنافس في «ميونيخ» ضمن برنامج المسابقة الأولى أمام 11 فيلماً آخر.
مشهد من فيلم «أوراق شجر ساقطة»
أفلام مستعارة
«بنات ألفة» ليس الفيلم الوحيد الذي انتقل من «كان» إلى مهرجان «ميونيخ» الألماني. الحال أن المهرجان الألماني عليه أن يستند إلى عروض تأتيه من مهرجانات أكبر كونه ما زال من تلك التي تقع في الصف الثاني من بين المهرجانات. وبل ربما في الصف الثالث حين النظر إلى مهرجانين آخرين تم إطلاقهما في الفترة ذاتها: كارلوڤي ڤاري التشيكي (الذي يحتل مكانة فعلية ويستقبل أفلاماً لم تعرض في مهرجانات أخرى لمسابقته الرسمية) و«تريبيكا» في نيويورك الذي تبلور، منذ إطلاقه سنة 2002 كأحد أبرز مهرجانات الولايات المتحدة وهو أيضاً من بين تلك التي لا تعرض أفلاماً سبق عرضها في مهرجانات أخرى.
من بين الأفلام التي عرضها «ميونيخ»، من بعد أن شوهدت على شاشات مهرجان «كان»، فيلم آكي كوريسماكي، المخرج الفنلندي الذي قدم تحفته الجديدة «أوراق شجر ساقطة» (Falleen Leaves). حاز هذا الفيلم الرومانسي ذو الهم الاجتماعي على جائزة «لجنة التحكيم» في المهرجان الفرنسي بينما نال في «ميونيخ» جائزة الجمهور.
ليس أن كل الأفلام انتقلت من «كان» إلى ميونيخ، بل بعضها فقط. الباقي، مع نصيب لا بأس به من الأعمال الجديدة، حط في ميونيخ مباشرة مثل «فأل» (Omen) للمخرج البلجيكي بالوجي (وهو مغني راب أيضاً) حقق الجائزة الثانية ويدور حول موضوع السحرة في إفريقيا. الجائزة الثالثة كانت من نصيب «الغابة المظلمة» (The Dark Fores) للسويدية نيلي راب.