25 يوليو 2023

أليس جي.. سيرة عجيبة لأول مخرجة سينمائية في العالم

كاتبة صحافية

أليس جي.. سيرة عجيبة لأول مخرجة سينمائية في العالم

في الوقت الذي تحاول فيه مهرجانات السينما العالمية إنصاف النساء المخرجات واختيار أفلامهن في المسابقات الرسمية، تطلع علينا المؤرخة فيرجيني جيرو بحكاية لم تكن معروفة على نطاق واسع وهي أن أول مخرجة في التاريخ كانت فرنسية.. إنها أليس جي، المرأة التي عاشت 94 عاماً ومارست مهنة جديدة لم تسبقها إليها أي من بنات جنسها.

أليس جي.. سيرة عجيبة لأول مخرجة سينمائية في العالم

في كل مهرجان للسينما يقام في فرنسا، يطيب لأهل البلاد تذكير ضيوفهم الوافدين من الشرق والغرب بأن أول مخرجة في العالم كانت فرنسية. وبهذا فإنها أليس جي، المخرجة الأولى، سارت على خطى مواطنها لوي لوبرنس، الرائد الذي يجمع المؤرخون على أنه أول من صنع فيلماً سينمائياً متحركاً في التاريخ. كما أن فرنسا هي بلد الأخوين أوجست ولوي لوميير، المهندسين الذين لعبا دوراً كبيراً في تاريخ السينما والتصوير الفوتوجرافي.

أليس جي.. سيرة عجيبة لأول مخرجة سينمائية في العالم

اليوم، تصدر سيرة مصورة عن حياة أليس جي بلاشيه، وهذا هو اسمها مضافا إليه لقب زوجها. ومنها نعرف أنها كانت من نصيرات حقوق المرأة في فترة مبكرة من القرن التاسع عشر. وهي قد عملت مئات الأفلام القصيرة في بدايات القرن العشرين، تعرضت لنهب أعمالها قبل أن يعاد لها الاعتبار ويجري الاعتراف بريادتها وإعادة اكتشاف أفلامها.

إن صورتها المبكرة الواصلة إلينا من أيام شبابها تعكس وجهاً جميلاً مدوراً وعينين بلون زهر الليلك وشعر كثيف تجمعه في لفة وراء رأسها. والصورة ملتقطة في ستوديو لمصور محترف في أواخر القرن التاسع عشر.

أليس جي.. سيرة عجيبة لأول مخرجة سينمائية في العالم

أليس جي.. كاتبة طابعة أخرجت 500 فيلم

تؤكد المعلومات الأرشيفية التي كانت متوارية أن أليس أخرجت 500 فيلم، منذ بداية مسيرتها في شارع «سان روش» في باريس عام 1894. لقد وظفها ليون جومون في الشركة العامة للتصوير الفوتوجرافي ككاتبة طابعة. لكن اهتماماتها تغيرت في العام التالي بعد قيام الأخوين بعروضهما السينمائية الأولى. لقد سحرت الفكرة مسيو جومون الذي قرر خوض ميدان إنتاج الأفلام، وهو الذي أصبح فيما بعد صاحب أشهر صالات للعرض السينمائي وأكبر موزع أفلام في عموم فرنسا.

أليس جي.. سيرة عجيبة لأول مخرجة سينمائية في العالم

انتبه رب العمل إلى أن كاتبة الطابعة التي تشتغل عنده تتمتع بمخيلة واسعة تفيض بالقصص. وقد تمكنت من إقناعه بأن يدعها تتولى إخراج أفلام قصيرة، فوافق طالما أن هوايتها لا تأخذ من وقت عملها الأساس. قالت له إن الأفلام ستكون وسيلة للترويج لبيع بضاعته الجديدة من الكاميرات وأجهزة العرض السينمائي. وقد اقتنع بكلامها ووافق على فكرتها وكان يتسلى بالقصص والمغامرات النسائية التي تتفتق عنها مخيلتها. تلك كانت نظرته لعملها... مجرد تسالي بنات!

كان فجر القرن العشرين على وشك الولادة. وكانت السينما أشبه بصنعة يدوية. وهكذا فإن أليس كانت تنكب على فيلمها وتخرجه في يوم واحد فحسب. وقد اختارت لأول أفلامها عنوان «الجنية في اللفت». وهناك من يعتبره أول فيلم في تاريخ السينما رغم أن السجلات تشير إلى لوي لوميير كصاحب أول فيلم. وشاء الحظ أن أفلامها نجحت، وكان الجمهور في التجمعات المدينية والاحتفالات الريفية يضحك ويصفق ويستمتع. وهو نجاح شجعها على المضي في عمل أفلام ترتكز على وقائع هزلية، حيث كانت تلك الموضة الشائعة وقتذاك. لكن زملاء أليس سرعان ما راحوا يسرقون أفكارها ويقلدون أفلامها. وهي نفسها لم تعد تقتنع بالكوميديا فقط بل أرادت أن تبث أفكاراً اجتماعية لصالح المرأة. لقد كانت امرأة وحيدة في مهنة رجالية بالكامل وفي وسط خشن.

أليس جي.. سيرة عجيبة لأول مخرجة سينمائية في العالم

تحدي وجرأة أليس جي في صنع الأفلام

افتتح مسيو جومون ستوديو جديداً للتصوير في حي «بلفيل» عام 1906. وفيه صورت أليس جي فيلماً بعنوان «نتائج النسوية». كانت السينما صامتة لكن أجواء التصوير وصخب الممثلين وألوان الثياب والديكور المرسوم على القماش... تشيع كلها الحرارة في الجو. وهو أمر كان يدفع المخرجة إلى مزيد من التحدي والجرأة. فكانت تطلب من الرجال أن يتصرفوا كالنساء والعكس بالعكس. وهكذا قامت بتصوير أفلام يبدو فيها الرجال بالغي النعومة في الحركة والمشي، يعتنون بالأطفال ويتسلون بالتطريز ويكوون الثياب بينما تدور النساء حولهم لمعاكستهم وقرص خدودهم!

في أحد أفلامها نرى مجموعة من النساء ترتاد مقهى كان محتكرا من الرجال. لكن صاحب المقهى شعر بالاستفزاز من وجودهن ومن انقلاب الأدوار بين النساء والرجال، فقام بطردهن من المكان قائلاً إن المقاهي للجنس الخشن فقط.

أليس جي.. سيرة عجيبة لأول مخرجة سينمائية في العالم

تأخرت أليس جي في الزواج لكنها انصاعت للتقاليد، وانتقلت، عام 1910، لتقيم مع زوجها في نيويورك. وهناك أسست شركتها الخاصة للإنتاج السينمائي وكان اسمها: «سولاكس». كان ذلك قبل ولادة هوليوود. لكن الزوج تسبب في إفلاس الشركة وهجر أليس لكي يلحق بممثلة شابة قادته إلى المدينة الجديدة التي ستصبح عاصمة للفن السابع في العالم. وكانت هوليوود هي الجنة الموعودة للسينما في تلك الأيام. ولم يكن أمام أليس سوى العودة للعيش في فرنسا. وبعد الحرب العالمية الثانية اكتشفت أنهم محوا اسمها من كل وثائق شركة جومون ومنشوراتها السنوية. لقد تم تسجيل أفلامها بأسماء زملائها. ولم يكن مديرها السابق مستعدا لإنصافها.

أنجزت أليس جي سلسلة من الأفلام عن حياة السيد المسيح. وقد ألهمت تلك الأفلام مخرجين كثيرين في فرنسا والولايات المتحدة ووجدوا فيها موضوعاً يجتذب الجمهور. عملت كثيراً وتعرضت جهودها للسرقة فعاشت حياتها مغبونة حتى وفاتها في الولايات المتحدة في عام 1968، وكانت قد تجاوزت التسعين بأربع سنوات. وهي لم تتوقف حتى أواخر حياتها عن المطالبة بحقوقها المعنوية. وهناك اليوم من يطالب بإعادة الاعتبار لأول مخرجة في التاريخ وعلى صعيد العالم كله. هذا رغم أن تحديد مسألة الريادة بدقة ما زال قيد جدال. وأول هؤلاء المتحمسين لأليس هي المخرجة سيلين شياما التي أصدرت عنها كتابا معززا بالرسوم تحكي فيه سيرتها عنوانه: «أليس جنية السينما».

في مقابلة نشرت معها قالت: «يسألونني كثيراً لماذا اخترت مهنة رجالية وغير مرغوبة من النساء. والحقيقة هي أنني لم أختر الإخراج لكنه كان قدري المكتوب».