الإضراب الشامل للممثلين وكتاب السيناريو ليس مادة ترفيهية كما يعالجها التلفزيون الأميركي في أخباره المسائية وفي برامج «التوك شو»، هي صميم مسألة ذات امتدادات مختلفة وتأثيرات مهمة ستغير مجرى مستقبل الصناعة وترسي قوانين جديدة.
في الظاهر هي مسألة مادية: يطالب المتظاهرون بنسب من الأرباح التي تجنيها الاستوديوهات من وراء بث الأعمال المصورة (سينمائية أو تلفزيونية) عبر الـ «سوشيال ميديا» والمنصات المختلفة. من ناحية أخرى، لدى الجميع قلق من أن توجه هوليوود لضبط وتقليل التكاليف سيجعلها تعتمد على برامج الذكاء الصناعي وكافة المنجزات الإلكترونية اللاحقة ما سيتسبب في بطالة واسعة.
هناك نسبة تصل إلى قرابة النصف من الممثلين (نحو 170 ألف شخص) يتقاضون أقل من 30 ألف دولار في السنة. أما الباقون فيتدرجون بنسب مختلفة أعلاها النجوم (نحو 10 بالمئة) الذين يتقاضون أكثر من 10 ملايين دولار عن الفيلم الواحد.
خسائر الاستوديوهات بسبب الإضراب تبلغ حالياً مئات ملايين الدولارات نتيجة توقف التصوير لأكثر من 100 فيلم وتأجيل استكمال المشاريع المبرمجة لدخول التصوير خلال هذا العام. في باطن هذه الأزمة هناك حقيقة أخرى وهي أن شركات الإنتاج تعامل المبدعين في هوليوود على أساس أنهم منفذون بالأجر فقط. موظفون ترسم لهم الأدوار فيلبونها كما هي. بعض المنادين في نقابات الإخراج والتمثيل وكتاب السيناريو يعترضون على هذه المعاملة، ولو أنه من غير الواضح كيف ستلعب دوراً مهماً في المباحثات بين الجانبين.
إلى متى يستمر التجاذب بين رؤساء الاستوديوهات (لقبتهم الممثلة فران دريشر التي تترأس تنظيم الإضراب الحالي بـ «إقطاعيي الأراضي في القرون الوسطى») وبين الممثلين؟ لا أحد يعلم. لكن هناك تعنت من قبل الجميع وبانتظار أن ينزف الطرف الآخر أولاً.
الغالب أن الاستوديوهات هي التي ستصرخ من الألم أولاً لأنها لا تستطيع رؤية نفسها وهي تنزف خسائر مهولة ما يؤثر في وضعها الاقتصادي في وول ستريت ما قد يؤدي إلى خسائر باهظة فوق تلك المسجلة حتى الآن.
لكن حتى الآن فإن الاستوديوهات اعتمدت موقفاً متصلباً ورفضت الإذعان للمضربين. تقول إنها عرضت عليهم تسوية كبيرة لكن المضربين رفضوها.
في الواقع العرض المقدم لم يلب موافقة المضربين من النقابتين. ما يطالب به الممثلون والكتاب يتجاوز، من وجهة نظرهم، ما هو تخصيص نسبة من الأرباح المجناة عبر التوزيع الإلكتروني. لكن الرابطة رفضت الطلب وبادرت لوضع شرط ينص على إزالة هذا البند من قبل الشروع في محادثات بناءة.
في صميم الرفض التذكير بأن استخدام المنصات لتوزيع الأفلام يحرم الأعضاء من حقوقهم كفنانين ويكرس حضورهم كمنفذين فقط. هذا إلى جانب المخاوف من اعتماد شركات هوليوود على المبتكرات الصناعية- الإلكترونية للتخلص من الممثلين غير النجوم واستحضار آخرين بملامحهم ذاتها، أو بملامح جديدة. كلاهما سيحد من فرص العمل لدرجة تهدد بالبطالة.
ما تستند إليه النقابتان في رفضهما حقيقة أنه عاجلاً أو آجلاً ستتوقف الكاميرات عن التصوير (وهو ما حدث فعلاً) وسوف لن تجد الاستوديوهات أفلاماً تعرضها في العام المقبل.