30 يوليو 2023

مشكلة فرنسية اسمها حجاب لاعبات كرة القدم.. قضية أمن وسلامة أم "تمييز"؟

كاتبة صحافية

مشكلة فرنسية اسمها حجاب لاعبات كرة القدم.. قضية أمن وسلامة أم

الحجاب قضية ليست جديدة في فرنسا، بل هي تعود لثمانينات القرن الماضي. لكن الجديد فيها هو قرار صادر عن مجلس الدولة، وهو أعلى هيئة قضائية في البلد، يؤيد حظر الحجاب الذي ترتديه عدد من لاعبات فرق كرة القدم أثناء المباريات. وما بين لباس البحر المعروف بالبوركيني، وبين المنديل الذي تربط به الرياضية شعرها، يسيل حبر كثير في وسائل الإعلام وينقسم الرأي العام ما بين معترض ومؤيد. في أي شبكة ستستقر الكرة؟

مشكلة فرنسية اسمها حجاب لاعبات كرة القدم.. قضية أمن وسلامة أم

«إنه قرار تمييزي». هذا ما أعلنته منظمات فرنسية ودولية تهتم بحقوق الإنسان بعد قرار مجلس الدولة المؤيد لمنع حجاب لاعبات كرة القدم أثناء المباريات. وكانت منظمة العفو الدولية من بين منتقدي القرار. فما هي الحكاية؟ ومتى يحسم بلد النور قضية غطاء الشعر الذي تلتزم به فئة واسعة من مسلمات فرنسا؟

مشكلة فرنسية اسمها حجاب لاعبات كرة القدم.. قضية أمن وسلامة أم

حكم مخيب للآمال.. وسياسة تمييز

البداية كانت مع قرار الاتحاد الفرنسي لكرة القدم حيث منع حجاب لاعبات الفرق الرياضية الرسمية من ارتداء الحجاب أثناء المنافسات. والسبب هو أن الحجاب يمكن أن يتسبب في مخاطر على اللاعبة في حال الاشتباك مع لاعبة أخرى. أي أنها قد تختنق في حال سحبتها منافستها من ربطة حجابها. تلك كانت سياسة الاتحاد الذي سار على نهج منع اللاعبات المحجبات من المشاركة في المباريات التنافسية. وكان من المنتظر أن تلجأ المحجبات إلى القضاء للاحتجاج على تلك السياسة. ووصلت القضية إلى مجلس الدولة. لكن حكم المجلس جاء مخيباً لآمالهن. وبدل أن ينصفهن فإنه لم يجد غضاضة في استمرار سياسة اتحاد كرة القدم.

طبعاً، هلل أعضاء الاتحاد للقرار واعتبروه «فرصة لإعادة تأكيد القيم الجمهورية والمدنية التي تستند إليها لعبة كرة القدم في فرنسا، ويعكس الالتزام التام بمكافحة جميع أشكال التمييز، وتعزيز المساواة بين الجنسين». وفي المقابل، جاءت ردود أفعال حقوقية واسعة تجاه القرار، إذ أصدرت منظمة العفو الدولية (أمنستي) بياناً انتقدت فيه «سياسة التمييز» التي تنتهجها فرنسا ضد لاعبات مسلمات. واعتبر البيان أن القرار يعد «مثالاً إضافياً على إقدام فرنسا على فرض افتراضات ومجازات نمطية سلبية حول المجتمعات المسلمة والأدوار القائمة على النوع الاجتماعي». وقالت الباحثة المعنية بحقوق النساء بأوروبا في المنظمة، آنا بلوس، إن «القرار مخيب جداً للآمال، ويرسخ كلاً من العنصرية والتمييز القائم على النوع الاجتماعي في كرة القدم الفرنسية».

كان رأي آنا بلوس أن حظر الملابس ذات الطابع الديني «لا يمنع لاعبات كرة القدم المسلمات اللواتي يرتدين الحجاب من اللعب في المباريات التنافسية فحسب، بل إنه ينتهك أيضاً حقوقهن في حرية التعبير، وحرية تكوين الجمعيات أو الانضمام إليها، وحرية المعتقد».

مشكلة فرنسية اسمها حجاب لاعبات كرة القدم.. قضية أمن وسلامة أم

الحجابيات

ما الذي رأيناه في الشوارع؟ لقد خرج النزاع من وراء أسوار الملاعب وانتقل إلى بوابة الجمعية العمومية، أي البرلمان. فقد خرجت اللاعبات المسلمات، عربيات وإفريقيات، في تظاهرة ارتدين فيها فانيلات اللعب مع رقم كل منهن في الفريق، وكلمة مطبوعة على الظهر تقول: (Les Hijabeuses) وترجمتها «الحجابيات» وليس المحجبات. أي أنهن استخدمن اللفظة العربية بدل مفردة «voile» الفرنسية الدالة على حجاب الرأس.

ومجموعة الحجابيات ليست جديدة، فهي ظهرت على الساحة قبل 3 سنوات. وكان الهدف من التجمع الدفاع عن حقوق الرياضيات المحجبات، لاسيما حقهن في خوض المباريات. وجاء هذا التحرك بعد تزايد عدد المحجبات في فرق كرة القدم، وتعارض زيهن مع بنود المادة الأولى من قواعد اتحاد كرة القدم الفرنسي التي أقرت عام 2016 وتنص على ما يلي: يحظر على اللاعبين واللاعبات ارتداء رموز أو ملابس تظهر بوضوح الآراء السياسية أو الفلسفية أو الدينية أو النقابية للمرء خلال المباريات.

أثار هذا البند غضب عدد من المنظمات واللاعبات اللواتي لم يجدن في ارتداء الحجاب ما يتعارض مع الحيادية وعلمانية الدولة. وبهذا فقد طعن تجمع الحجابيات في شرعية المادة الأولى لأنها، حسب رأيهن، «تناقض قوانين اللجنة الأولمبية الدولية المتعلقة بالسماح للاعبات بارتداء الحجاب خلال مشاركتهن في الألعاب الأولمبية، وقوانين الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) التي سمحت للاعبات المسلمات بارتداء الحجاب خلال المباريات منذ عام 2014».

فتيات يلعبن الكرة أمام البرلمان الفرنسي احتجاجاً على القرار
فتيات يلعبن الكرة أمام البرلمان الفرنسي احتجاجاً على القرار

الرأي العام الفرنسي يسترجع حوادث مماثلة. ففي الربيع الماضي جرت مباراة في بلدة «مورو» قرب باريس وتولى التحكيم فيها حكم متطوع، وهو قد سمح للاعبة بخوض المباراة وهي بالحجاب. لكن المسؤولين في اتحاد كرة القدم يؤكدون أن ذلك الحكم لم يكن معتمداً رسمياً. إنه متطوع ولو كان رسمياً لجرى منعه من التحكيم. وهناك مباراة ثانية جرت على المستوى المحلي وكانت فيها عدة لاعبات محجبات. لكن هذا لم يعد ممكناً على المستوى الإقليمي أو الوطني.

إن حجة اتحاد كرة القدم تستند إلى عدة حوادث وقعت بسبب الحجاب في مباريات جرت في ضواحي باريس، حيث ترتفع نسبة السكان المتحدرين من الهجرات المغاربية والإفريقية والتركية. وقد جرى الإبلاغ عن تلك الحوادث لدى مراكز الشرطة. ويعترض أحمد هادف، رئيس جمعية من جمعيات الضواحي، مشيراً إلى أن الاتحاد الفرنسي لكرة القدم يتخذ قراراته من وراء المكاتب ولا يعرف حقيقة ما يجري في الواقع. والحل هو عقد ندوات والتوصل إلى اتفاق حول الحجاب. فماذا يكون مصير أولئك اللاعبات المتفوقات اللواتي يجري منعهن من خوض المباريات بعد سنوات من التدريبات الشاقة والمكلفة؟

هل نطق أحد، حتى الآن، بمفردة «عنصرية»؟ إن المسؤولين في الاتحاد يشتكون من وصفهم بالعنصرية وبأنهم يعانون من «الإسلاموفوبيا»، أي من كارهي الإسلام. والسؤال هو: هل جاء قرار مجلس الدولة الفرنسي منحازاً لسياسة اتحاد كرة القدم؟ وهل هي سياسة تستند إلى رأي حزب اليمين المتطرف الذي تقوده مارين لوبان؟ إن مجلس الدولة ينأى بنفسه عن تهمة الانحياز. وقد برر منع الحجاب في بيان صحفي بأن «الاتحادات الرياضية، المسؤولة عن ضمان حسن سير الخدمات العامة المنوطة بإدارتها، يمكنها أن تفرض شرط الحياد على اللاعبات من ناحية الملابس أثناء المنافسات والأحداث الرياضية من أجل ضمان حسن سير المباريات ومنع أي صدام أو مواجهة».

مشكلة فرنسية اسمها حجاب لاعبات كرة القدم.. قضية أمن وسلامة أم

تهليل اليمين المتطرف.. وعدم مساواة

هللت مارين لوبان للقرار وغردت في «تويتر» قائلة: «لا للحجاب في الرياضة، وسنضع قانوناً لفرض ذلك». هذا مع العلم أن قرار مجلس الدولة الذي يصادق على منع لاعبات كرة القدم المسلمات ارتداء الحجاب خلال المباريات، يخالف بوضوح النصوص الدستورية في فرنسا، وفق خبراء القانون. وقال المستشار القانوني خالد شبيب، في حديث لموقع «تي إر تي العربي» إن المادة الأولى من الدستور الفرنسي تنص على أن «تكفل المساواة بين جميع المواطنين أمام القانون دون تمييز في الأصل أو العرق أو الدين، وتحترم جميع المعتقدات». وبناء على تلك المادة فإن مجلس الدولة لم يساو بين اللاعبات المسلمات وغيرهن من اللاعبات. فالمساواة يجب أن تكون في توفير البيئة التي تمكن فيها ممارسة الشعائر الدينية دون اعتراض من الآخرين.

وهو ليس القرار الأول للاتحاد الفرنسي الذي يثير الجدل. فقد سبق له وأن قرر استمرار المباريات وعدم إيقاف اللعب مؤقتا ليتاح للاعبين المسلمين بالإفطار خلال شهر رمضان. وكان التبرير أن قطع اللعب لا يتوافق مع مبدأ العلمانية في كرة القدم. وفي ناد يقع في «فال دو واز» قرب باريس، هناك 9 لاعبات محجبات من مجموع 11 لاعبة في فريق كرة القدم. فما العمل في هذه الحالة؟ هل يتم إلغاء الفريق كله رغم أنه يمثل منطقة وتجمعاً سكانياً موجوداً على الأرض؟

حاجز بينها وبين الملعب
حاجز بينها وبين الملعب

في مناطق أخرى، يتعاطف رؤساء النوادي مع مرتديات الحجاب طالما أن اللاعبة تشعر بالراحة وهي محجبة. ويقول سامبو تاتي، رئيس نادي بلدة «رواسي أون بري» إن الحجاب مثل القبع الذي يرتديه الشباب والمنتشر في السترات الرياضية، أو مثل لفاف الرقبة. فلماذا يتم التركيز عليه؟ ولا يقتصر الأمر على كرة القدم. وفي إحدى منافسات كرة السلة، منع حكم المباراة اللاعبة سليماتا سيلا من اللعب في منافسة رسمية بحجة ارتدائها الحجاب. أي أن الأمر يمكن أن ينسحب على بطلات الجودو وألعاب الساحة والميدان وغيرها من الرياضات.

لكن المسؤولين المعترضين على حجاب اللاعبات، ومنهم باتريك كرم، نائب رئيس المجلس المحلي لمنطقة باريس وضواحيها، يرون أن وجود اللاعبة في فرنسا يفرض عليها الالتزام بالقواعد التي تقررها الدولة الفرنسية، وهو يقول «بما أن فرق كرة القدم تتلقى دعماً مالياً من الدولة فإنها ليست جمعيات أهلية، وعليها احترام القرارات الرسمية، نقطة على السطر».

لا يبدو أن النقطة على السطر ستوقف الجدال المستمر منذ 40 عاماً حول حجاب المسلمات في فرنسا. لماذا تتعايش دولة كبرى مثل بريطانيا مع الحجاب بدون معارك من النوع الذي يندلع على ضفاف «السين» في كل موسم؟