داخل محكمة جنايات العاصمة، المتهم يقف خلف القضبان الحديدية في انتظار قرار المحكمة، وضمن الحضور والجلوس كانت عائلته، وطفله الوحيد، أما الجريمة تمثلت في قيامه بالتخلص من زوجته وحب عمره والسبب هو الخلافات مع أسرتها، كان الطفل الصغير يبكي بشدة، ولا نعلم في حقيقة الأمر هل يبكي حزناً على حبس والده وكل ما تبقى له في هذا الدنيا، أم يبكي على فقدان والدته التي قتلها والده، المشهد كان أصعب من أن تصفه الكلمات، الوجوم والحزن كان يسود جنبات قاعة المحكمة.
وقف المتهم داخل محبسه والدموع تملأ عينيه ينظر حوله، نظراته كانت معلقة بطفله الوحيد، وكأنه كان يريد أن يقول له «سامحني».. لكن بماذا يفيد الندم؟ كان يتجول بعينيه يميناً ويساراً كأنه يخشى نظرات الناس، ربما كان الحب هو الدافع الأكبر للوصول إلى محطة النهاية بهذه الطريقة المأساوية، لكن في حقيقة الأمر فإن الطمع والخداع كانا سبباً أساسياً في الوصول إلى المصير المجهول.
كل ما ساقه الزوج من مبررات واعترافات وحجج للتنصل من جريمته النكراء، كان بمثابة أسباب غير منطقية لم تأخذ بها المحكمة ولم تلقى لها بالاً، كان لديه الكثير من الحلول والبدائل التي تكفل له إنهاء حياته الزوجية بهدوء ومن ثم يسير في حال سبيله، لكنه رفض الخروج الآمن وفضل ارتكاب جريمة قتل كلفته الكثير.
أسرة الزوجة.. كراهية بلا سبب
نشأ المتهم في كنف أسرة صغيرة مكونة من الأب والأم وشقيقته الصغرى، استحوذ على اهتمام أسرته، خصوصاً أنه كان السند الوحيد لأسرته. التحق بالتعليم الجامعي، وخلال سنوات الدراسة أعجب بإحدى زميلاته، تبادلا نظرات الإعجاب، أصابت سهام الحب قلب كل منهما، إلى هنا والأمور تبدو طبيعية إلى حد بعيد. رغبته كانت كبيرة في تكوين أسرة تمثل نموذجاً مصغراً لما لمسه من حنان في بيت أسرته. انقضت أيام الدراسة، قرر التقدم لخطبة زميلته وحبيبته.
كان الأمل يراوده أن تسير الأمور في سياقها الطبيعي، هو شاب مثقف ومتعلم وأسرته مستقرة اجتماعياً، كان يظن أن هذه الأشياء كافية للارتباط بمن تعلق بها قلبه، لكن منذ اليوم الأول لزيارة بيت حبيبته، أخذت الحياة منحنى آخر بسبب أسرة عروسه. ربما كانت هذه الأسرة هي سبب مصيره الأسود، كما أوضح لاحقاً في اعترافاته، بسبب سوء طباعهم. رفضوا بشدة هذه الزيجة دون سبب واضح، كانوا يضعون العراقيل الواحدة تلو الأخرى، إلا أن تمسك حبيبته به كان له عنصر الحسم في إتمام الزواج.
محاولات الأسرة تخريب حياة ابنتهم
كان يظن أنه بمجرد الزواج سترضخ له أسرة عروسه، فرسم الأحلام الجميلة، وبنى القصور فوق السحاب، خصوصاً بعدما أثمر زواجهما عن وجود طفل جميل، لكن كل أحلامه ذهبت أدراج الرياح. بعد مرور ما يقرب من بضعة سنوات من الزواج، علم الزوج أن سبب كره عائلة زوجته له، رغبتهم في تزويجها لنجل عمها رجل الأعمال الشاب الوريث الوحيد لوالده والذي يتمتع بثراء فاحش، لكن ظهوره في حياة كريمتهم قلب الموازين ودمر مخططهم، ما دفعهم لاختلاق المشكلات دون سبب واضح، تارة أوهموا زوجته أنه على علاقة بفتاة أخرى، وتارة بسبب المقارنات بين ظروفهم وظروف غيرهم، كما أرهقوا ميزانية المنزل بكثرة تدخلاتهم، ما حول حياته إلى جحيم لا يطاق حتى أصبح الطلاق هو الحل الوحيد.
انتقام الزوج من أهل زوجته
رفض الزوج الطلاق، تملكته حالة من الغضب الشديد تجاه عائلة زوجته، كان يعلم أنهم سبب كل الخلافات وهدم بيته، كان على قناعه تامه أنه بمجرد طلاق زوجته سيتم تنفيذ المخطط المرسوم من قبل عائلة زوجته لتتزوج بنجل عمها الذي كان يهيم بها حباً، ما دفعه لقلب الطاولة على الجميع. قرر أن زوجته لن تكون لأي شخص آخر من بعده، عاد إلى المنزل، لم يجد زوجته وعندما قام بالاتصال بها أكدت له أنها في منزل عائلتها ولن تعود مرة أخرى وعليه أن يستجيب لطلبها وتطليقها. استشاط غضباً وتوجه مباشرة إلى منزل عائلة زوجته، وقعت بينهما مشادة عنيفة بسبب رفضهم عودة زوجته له وإصرارهم على الطلاق، ما زاد الأمور تعقيداً بعد تمسك كل طرف بموقفه.
تطورت المشادة العنيفة بين الطرفين، حتى فوجئ الزوج بسيل من الاتهامات واللعنات والسباب يوجه إلى شخصه ورجولته، أما المفاجأة كانت في كلام أسرة زوجته الذين أكدوا له أن كريمتهم ستتزوج من نجل عمها الثري. جن جنونه وهو يسمع هذا الكلام المستفز والذي يمثل إهانة قاطعة لكبريائه وكرامته، وقعت بينهما مشاجرة عنيفة قام على أثرها بإخراج سكين من بين طيات ملابسه وطعن زوجته عدة طعنات قاتلة في أنحاء متفرقة من جسدها حتى خارت قواها وسقطت على الأرض وسط صراخ وعويل أسرتها.
حالة هستيرية انتابت الزوج المتهم، كانت كل طعنة موجهة لزوجته فيها انتقام شديد من أسرتها، كانت رغبته جامحة في إثارة غضبهم وحزنهم وحرمانهم من الثروة التي كانوا يطمحون في الوصول إليها. وبعد دقائق من الجريمة وجد الزوج نفسه أمام جريمة قتل مكتملة الأركان سببها الأساسي الاستفزاز والغضب والعناد.
الزوج: حرموني من ابني فحرمتهم من ابنتهم
كان الجيران قد تدخلوا على إثر سماعهم أصوات الصراخ والعويل والشجار، بادر بعضهم بالاتصال بالشرطة وتمكنوا من السيطرة على الزوج، أما أسرة المجني عليها فنقلوها على الفور إلى مستشفى العاصمة في محاولة يائسة لإنقاذ حياتها، لكن دون جدوى، حيث لفظت المجني عليها أنفاسها قبل وصولها المستشفى.
تم تحرير محضر بالواقعة تضمنت سطوره كافة التفاصيل المتعلقة بالقضية، وأمام النيابة العامة قدم المتهم اعترافات تفصيلية بالواقعة، مؤكداً أن كل ما حدث لم يكن ليحدث لولا تدخل أسرة المجني عليها الذين حولوا حياته إلى جحيم لا يطاق، وكانوا يتعمدون إهانته وإثارة المشاكل بينه وبين زوجته، لافتاً أنه لم يتعمد كل ما حدث، مؤكداً أنه قرر التخلص من زوجته حتى يحرق قلب أسرتها ويجعلهم يتذوقون مرارة الفقد والحرمان بعدما قرروا حرمانه من زوجته وطفله الوحيد.
أحالت النيابة العامة المتهم إلى محكمة جنايات العاصمة، التي قررت استمرار حبس المتهم 45 يوماً أخرى لحين استكمال التحقيقات والاستماع إلى مرافعة الدفاع.
* القاهرة: كريم سليمان
اقرأ أيضاً: صديق الأب يقتل الطفلين الشقيقين انتقاماً من والدهما