الإطلالة العربية على أوسكار 2024.. هل يتحقق الحلم؟
هناك تسع دول عربية تسعى هذا العام للمنافسة في مسابقة أوسكار «أفضل فيلم عالمي»، هي، حسب جدول ورودها بالأبجدية الإنكليزية: مصر والعراق والأردن والمغرب وفلسطين والسعودية والسودان وتونس واليمن.
المثير في ذلك هو أن المزيد من الأفلام العربية لم يعنِ قط ارتفاع مستواها بالمقارنة مع الأفلام الأجنبية. علينا في هذه الحالة إدراك حالة فنية محددة في هذا المجال قليل ما يضعها المخرجون العرب في الاعتبار، وهي أن عدم فوز الفيلم العربي (باستثناء «زد») بالجائزة في هذا المجال لا يعود إلى استبعاد سياسي، (بدليل دخول فيلمي هاني أبو أسعد الفلسطينيين في الترشيحات الرسمية وهما «الجنة الآن» و«عمر») بل إلى تميّز فني ومطابقة الشروط الفنية من عدمها حسب المستويات التي يعتمدها المصوّتون.
المفهوم السائد في هذا الصدد هو الكمال في شروط الإنتاج والصورة والمضمون.
فيلم «وداعاً طبريا»
أفلام خارج الإطار في قائمة ترشيحات الأوسكار
ذِكر فلسطين يقودنا إلى مسألة لم تكن مطروحة من قبل، وهي احتمال جذب الفيلم الفلسطيني المرشّح هذا العام، هو «وداعاً طبريا»، للينا سويلم، اهتماماً أكبر، بسبب ظروف الحرب الحالية في غزّة. «وداعاً طبريا» فيلم تسجيلي تم عرضه في مهرجان تورنتو، ويتناول لقاءات عائلية بين طرف آت في زيارة (من فرنسا)، وطرف يعيش على أطراف البحيرة في الجزء القريب من الحدود الأردنية.
وتبعاً لتاريخ إنجازه، فإن الفيلم لا علاقة له بالحرب الدائرة حالياً في غزّة، لكنه، بطبيعته الهادئة ومنواله للحديث عن الألفة العائلية وجذورها الفلسطينية، قد يجد ما يكفي من الأصوات لدخوله القائمة القصيرة لجانب 14 فيلماً آخر. وإذا ما كان ذلك سيشكل تمهيداً لدخوله الترشيحات الرسمية فإن ذلك محتمل، لكنه ليس بنسبة كبيرة.
كذلك الحال بالنسبة إلى الفيلم الأردني «إن شاء الله ولد»، لأمجد الرشيد. إنه من تلك الأفلام التي تطرح مضموناً اجتماعياً لافتاً يحتل الصدارة، بينما تبقى معالجته في المستوى الثاني من إثارة الاهتمام. وهناك إجادة في التمثيل، وجديّة في الإخراج، وطرح اجتماعي لتقاليد تثير اهتمام الغربيين (ولو انها لم تعد جديدة بحد ذاتها)، لكن المعالجة تبقى قريبة من صياغة تلفزيونية.
الاشتراك السعودي متمثل في «هامبور ج.ع» لعبد الإله القرشي. حضوره مهم، ونوعية تنفيذه جيّدة، لكن وصوله إلى الدائرة الأخيرة من التشريحات ليس فعلاً سهلاً. السبب هو أن معظم ما حققته الأفلام السعودية في نهضتها الرائعة، خلال السنوات الثلاث الماضية، كان من الفئة التي تنضوي تحت «النوع» (Genre). أفلام محددة بالنوع الذي تنتمي إليه القصة: كوميديا، رياضة، دراما مجتمعية، فانتازيا. لكن أغلبية الأفلام التي تدخل الترشيحات النهائية وتفوز هي من الفئة التي لا تنتمي إلى هذا التخصص النوعي، بل إلى تلك الفالتة من التصنيف السريع، والتي تنتمي بالتالي إلى سينما المؤلّف. تبعاً لذلك فإن حظوظ هذا الفيلم، وإلى أن تتقدّم السينما السعودية بفيلم ينتمي إلى الشروط الفنية أساساً، فإن حضور الفيلم السعودي يبقى مُهمّاً لذاته، مهما كانت تقنيات التنفيذ جيدة.
فيلم «فوي! فوي! فوي!»
مع فيلم «فوي! فوي! فوي!»، الذي يمثل مصر، والذي قام بإخراجه عمر هلال، تتوضح الصورة أكثر بقليل. هو بدوره فيلم كوميدي، لكن لمساته كوميدية، وطريقة تنفيذه تخلو من التنميط السائد في السينما المصرية التي يمثلها في ترشيحات هذا العام. موضوعه كذلك له حساباته لكونه يعرض موضوعاً غير مطروق، فهو عن رجل يحلم بالسفر حول العالم، لكنه لا يملك الوسيلة لتنفيذ حلمه بسبب فقره.و حين يعلم بأن هناك رحلة مخصصة للعميان لجولة عالمية، يتظاهر بالعمى منضماً إلى الباقين. ليس لدى الفيلم أي عنصر حاسم يقودنا لتأكيد إمكانية دخوله في الترشيحات الأخيرة، وهذا عادة ما هو واقع العديد من الأفلام العربية المختلفة (موضوعاً)، والجيدة (تنفيذاً) في كل عام.
الفيلم المغربي «أم كل الأكاذيب» لأسماء المدير، مقاربة ليست بعيدة كثيراً عن الفيلم الفلسطيني «وداعاً طبريا»، من حيث إنه- بدوره- مبنيّ على النوع التسجيلي غير العفوي مع شخصيات حقيقية تقودها المخرجة نفسها. لا نرى أن هذا الفيلم سيجتاز المسافة بين تمثيل دولته، وتبوؤ القائمة القصيرة، أو الرسمية لاحقاً.
فيلم «وداعاً جوليا»
أفلام عربية فرصتها «بين بين» في ترشيحات أوسكار
بالمنهج ذاته من الجمع بين ما يشبه التسجيل، ويشبه الروائي، تتقدم المخرجة كوثر بن هنية، بفيلمها الجديد «أربع بنات». هذا عاشر فيلم تونسي يتقدّم للأوسكار، وثالث فيلم لمخرجته في هذا السعي، علماً بأنها وصلت إلى الترشيحات النهائية سنة 2021 عبر فيلمها السابق «الرجل الذي باع جلده». وللأسف، ذهبت الجائزة لأقل الأفلام المرشحة لهذه الجائزة في تلك السنة، وهو الفيلم السويدي Drunk.
بقي في القائمة ثلاثة أفلام لثلاث دول عربية.. هذه هي «وداعاً جوليا» لمحمد قردفاني (السودان)، و«المرهَقون» لأمير جمل (اليمن)، و«حدائق معلقة» لأحمد الدراجي (العراق).
هذا الأخير فيه جهد لتقديم دراما إنسانية مثيرة للاهتمام. حكاية شاب صغير يعمل في استخراج ما قد يستطيع بيعه من القمامة المرمية في بعض مجمعات النفايات في العراق. في يوم يجد دمية لامرأة عارية تستطيع أن تنطق بالآهات. يستغل الشاب الدمية فيتقاضى المال عن كل رجل يأتي ليشبع غريزته في غرفة مغلقة. الموضوع يستحق التحية، لكن كتابته وإخراجه أمر آخر. على ذلك، قد يضمن ما يكفي من الأصوات لدخول حلبة «الشورت ليست»، قبل أن يغادرها في الجولة الثانية، والأخيرة، ولو أن ذلك احتمال محدود بالنظر- طبعاً- لمستويات العديد من الأفلام غير العربية كذلك.
«وداعاً جوليا» هو ثاني تمثيل للسودان بعد فيلم «ستموت في العشرين»، لأمجد أبو العلا، قبل ثلاثة أعوام، وهو هنا أحد منتجَي هذا الفيلم. اللافت للاهتمام هو حديثه عن الفترة السابقة مباشرة لاستقلال جنوب السودان عن السودان، وكيف ساهمت الأحداث الطائفية بين المسلمين والمسيحيين (لا يقول إنها كانت مرتّبة) إلى ذلك الانفصال. هذا مروي من خلال قصّة مغنية يقتل زوجها رجلاً مسيحياً فتعمد إلى توفير العمل لزوجة القتيل. حظوظه هنا لن تختلف كثيراً عن حظوظ المرّة السابقة.
أما الفيلم اليمني الذي شهد عرضه العالمي الأول في برلين، فإنه دراما حول عائلة فقيرة ستنجب طفلاً رابعاً، في الوقت الذي بالكاد يستطيع الزوج تأمين الطعام لأولاده الثلاثة. ما شوهد منه يشي بموهبة مخرج قيد التأسيس، لكن هذا أبعد ما يمكن الذهاب إليه كفيلم مسابقة.