السينما السعودية والعربية تنتعش في دورة مهرجان "البحر الأحمر" الثالثة
لقطة من فيلم «حوجن» السعودي الذي افتُتح به المهرجان
شهدت منطقة الخليج انطلاق الدورة الثالثة من مهرجان «البحر الأحمر»، في الثلاثين من نوفمبر، واستمرت حتى التاسع من ديسمبر، ويعتبر حالياً هو المهرجان الأكبر في العالم العربي.
ضمت الدورة الجديدة 134 فيلماً، موزعة على 10 أقسام، تتقدمها مسابقتان، واحدة للفيلم الطويل، والأخرى للفيلم القصير. وتشمل الأقسام الأخرى، أفلاماً عربية (11 فيلماً)، تحت عنوان «روائع عربية»، وأفلاماً عالمية (9 أفلام) في قسم «روائع عالمية». إلى جانب أقسام أخرى أهمها ذلك الاهتمام الكبير بالفيلم السعودي القصير (18 فيلماً)، وقسم «مختارات عالمية» (22 فيلماً).
باز لورمن.. رئيس لجنة التحكيم في مهرجان البحر الأحمر
ما يوحّد بين هذه الأفلام في أقسامها المختلفة الهدف الذي يعمل هذا المهرجان على تحقيقه كاملاً: التقدم فوق خارطة المهرجانات العالمية لكي يتبوأ مكانته في الصف الأول منها. هذا ليس صعباً في المبدأ، لكون المهرجان يعبّر عن رغبة المملكة في الدفع تجاه تنشيط الصناعة السينمائية المحلية منها، والواردة. وها هو رئيس لجنة التحكيم لهذه السنة، المخرج الأسترالي باز لورمن، يؤكد أنه يدرس إمكانية تحقيق فيلمه المقبل في المملكة العربية السعودية، قائلاً «سوف التزم بعمل جديد في مطلع العام المقبل، وأستطيع أن أفكر في القيام بأعمال يمكن تصويرها في المملكة».
ما أثار اهتمام لورمن (الذي له باع طويل في الأفلام الاستعراضية الكبيرة، كما حال «روميو وجولييت» و«مولان روج» و«ألڤيس»)، هو البذل السعودي حيال تأسيس صناعة سينمائية متكاملة.. يضيف «الحماس والالتزام، والجهد المبذول الذي يقوم به السعوديون في بيئة الصناعة السينمائية، إلى جانب هذا الجيل الجديد من صانعي الأفلام، يحفّزني على التفكير جدياً في تحقيق أفلامي هنا».
والسبب الذي حدا به لقبول الاشتراك في هذه الدورة كرئيس لجنة التحكيم، حسب وصفه، يعود إلى إنه كان زار المملكة للإطلاع عينيّاً على التقدم الذي تحقق خلال سنوات قليلة «جلوسي مع جيل جديد من المخرجين والمخرجات أوصلني إلى قبول العرض لرئاسة لجنة التحكيم، لأنني وجدت نفسي مذهولاً أمام هذا التقدّم الواسع في المملكة في شتى الميادين، وهذه الحماسة التي لدى الجيل الجديد من صانعي الأفلام الذين يريدون الانخراط في سينما سعودية تصل إلى العالم. هذه الطاقة في المملكة أثارتني».
والمنهج الذي يعِد باز لورمن، به كرئيس لجنة التحكيم هو البحث عن «سرد قصصي جيد وإخراج جيد».
وهو يُصيب الحقيقة حين يقول «ما تريد أن تأخذه في الاعتبار هو الأمل لأن تسمع صوتاً أصيلاً لواحد يريد إخبار قصّته كما لم يفعل أحد سواه».
أفلام سعودية في مهرجان البحر الأحمر
الأفلام السعودية المشاركة في مسابقة الفيلم الروائي استدعت اهتماماً خاصاً، لكون العديد من صانعي الأفلام السعوديين يرمون إلى تحقيق هذا التميّز بعينه.
لدينا في المسابقة فيلمان سعوديان على درجة كبيرة من الوعي والرغبة في التميّز، وهما «نورة» الفيلم الروائي الأول لتوفيق الزايدي، و«مندوب الليل» لعلي الكلثمي. كلاهما يوفر نظرة متعمّقة للمجتمع الحالي من زاويتين مختلفتين تماماً. لكن المنافسة بدورها مع أفلام من خارج المملكة يجب أن تؤخذ في الاعتبار، خصوصاً أن المسابقة ذاتها تشمل أفلاماً عربية تسعى للعب الدور ذاته، وتحقيق الذات الفنية عبر بصماتها على العمل المُنتج.
وفي تقرير نشرته مجلة «سكرين دايلي» البريطانية، ما يدل على أن الخطّة الموضوعة لهذا المهرجان تسير حسب المتوقع لها، بل بإيقاع أعلى من المتوقع.
تقول المجلة إن عدداً ملحوظاً من المنتجين والممولين والموزعين يَؤمّون الدورة الثالثة لمهرجان البحر الأحمر وفي البال البحث عن فرص تعاون، واستثمار، وتمويل. ويشير التقرير إلى قيام السعودية بالاستثمار في صناعة السينما، في الوقت الذي تمر به صناعة الأفلام في الغرب بمحاولات إعادة نوع من الاستقرار لأسواقها ومنتجاتها بعد نهاية الإضراب، وتبعاً لخفض سقف ميزانيات الإنتاج، والتوقعات التسويقية.
هذا الوضع لم يكن مطروقاً في الماضي القريب، بل اكتفت معظم المؤسسات الإنتاجية الغربية بمراقبة جديّة المشاريع التنموية في صناعة السينما، وإذا ما كان هناك التزام فعلي من قِبل المسؤولين في القطاعات الإنتاجية السعودية، فليس لاستقبال المشاريع الواردة من الخارج فقط، بل السعي لدعم الأفلام السعودية في المهرجانات الدولية.
ما وجدته المؤسسات الغربية بعد ثلاث سنوات، هو ما كانت تتمناه. وهذا ما يدفع بالعديد من المنتجين ورجال الأعمال السينمائيين، للتوجه إلى هذا المهرجان لكونه الجامع الفعلي لكل كيانات الصناعة السينمائية في المملكة التي ينظر المتابعون لتطوّراتها في شتّى الميادين باهتمام متزايد.
والمسألة ليست البحث عن التمويل فقط، بل البحث عن إنتاجات جاهزة للشراء، والتصدير، وهذا هو أمر آخر ينجزه المهرجان في ظل اهتماماته بأن يصبح الجهة التي يتوجه إليها موزّعو الأفلام للبحث عما قد يُثير السوق الدولية من أعمال جديدة.
في مهرجان فينيسيا الفائت كنت التقيت بوندي ليدل، المسؤولة عن قطاع التوزيع وشراء الحقوق في مؤسسة كينو لوربر، إحدى أكبر الشركات العالمية المتخصصة في استحواذ الأفلام في سوق الفيديو. ليدل ذكرت أثناء حديثنا الموجز أنها تفكّر في حضور المهرجان السعودي للمرّة الأولى، الأمر الذي أقدمت عليه فعلاً. بوسؤالها عن سبب اهتمامها، قالت «نبحث دوماً عن الأفلام المتميّزة التي تعرض في المهرجانات العالمية، وفي البال شراء ما يمكن إثراء مكتبتنا التي تحتوي الآن على ألوف الأفلام الكلاسيكية القديمة والإنتاجات الجديدة. سمعت عن مهرجان البحر الأحمر، وقرأت عنه، وأعتقد أنه فرصة للوقوف على آخر إنتاجات الأفلام المنتجة هناك، وفي الشرق الأوسط وشمال إفريقيا».
ثم أضافت «لا أعتقد بأن هناك جدالاً حول أهمية مهرجان البحر الأحمر اليوم، وما يؤديه من دور في المنطقة».
وكانت كينو لوربر، اشترت حقوق فيلم «أربع بنات» لكوثر بن هنية الذي فاز مؤخراً، بجائزة «غوثام» لأفضل فيلم تسجيلي في نيويورك، والذي من المتوقع له أن يندرج في قائمة الترشيحات الرسمية لأوسكار 2024.
اقرأ أيضاً: سينما سعودية مصنوعة من مواهب محلية