20 يونيو 2023

سينما سعودية مصنوعة من مواهب محلية

ناقد ومؤرخ سينمائي، وُلد وترعرع في بيروت، لبنان ثم هاجر إلى الغرب حيث ما زال يعيش إلى الآن معتبراً السينما فضاء واسعاً للشغف

لقطة من فيلم «أغنية الغراب»
لقطة من فيلم «أغنية الغراب»

لثمانية أيام متتابعة أقيم مهرجان «أفلام السعودية» مؤخراً طارحاً نحو 300 فيلم طويل وقصير في أكثر من مسابقة. يكبر المهرجان عاماً بعد عام داعماً أساسياً لصناعة السينما السعودية.

سينما سعودية مصنوعة من مواهب محلية

شعر الجميع في الدورة التاسعة من مهرجان «أفلام السعودية» بأهمية المهرجان وضرورياته. في المقدمة صانعو الأفلام أنفسهم لما يمثله المهرجان من فرص عروض وفرص فوز وفرص تحقيق أحلام وطموحات. في كل عام تضاف إلى ما سبق أسماء جديدة ترغب في إثبات وجودها في هذا المضمار. البعض، بطبيعة الحال، يتمتع برؤية فنية أعلى من البعض الآخر، لكن الجميع هنا يريد أن يدخل هذا الفلك الواسع والنجاح فيه.

هو أيضاً مثير لاهتمام ذلك القطاع الرسمي الواسع المشرف على المهرجان، من وزارة الثقافة إلى مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي- إثراء، إلى جمعية السينما وهيئة الأفلام والصندوق الثقافي لمهرجان «البحر الأحمر». يدرك الجميع هنا الحاجة إلى هذا الحدث السنوي وما حققه وسيحققه من أهداف على صعيد جاد وبدراية فعالة.

الحقيقة أن المهرجان لا يعرض الأفلام فقط، بل يضيف إليها مسابقات السيناريو لكي يساعد كاتبيها على دعم حاجاتهم وتقديم أعمالهم إلى دوائر الإنتاج الفعلية، والقيام بورش عمل مختلفة وندوات.

سينما سعودية مصنوعة من مواهب محلية

مهرجان «أفلام السعودية».. ثقافة ومعلوماتية

أحد أهم إنجازاته عبر سنواته الماضية وحتى الآن هو اهتمامه بإصدار الكتب السينمائية لعدد كبير من النقاد. إنه المهرجان الوحيد عربياً (وعلى نحو شبه دولي) الذي لا يزال يسعى لتوفير الثقافة السينمائية والمعلوماتية عبر إصدارات كتبية. كان ذلك منتشراً إلى حد في مهرجانات عربية في السبعينات وبعض الثمانينات، والآن باتت الإصدارات نوعاً من الكتب المادحة لشخصيات تقوم بعض المهرجانات العربية بتكريمها.

عند «مهرجان البحر الأحمر» الكتب ليست للتكريم بل للإفادة، ولهذا كله وجه آخر يبدو- وبالضرورة- ملهماً وهو أن الكتب السينمائية لم تعد (وربما لم تكن يوماً) على رأس اهتمامات الناشرين. ما يمنحه المهرجان في هذا الشأن هو منح الكتاب السينمائية فرصة استعادة دور الكتاب في التوجيه والمعرفة.

وهو يختار لكل دورة محوراً ويوعز من يرغب من الناقد بوضع كتب حول هذا المحور. ومحور هذا العام السينما الكوميدية، لذا وبالتالي، وإلى جانب كتب أخرى لا علاقة لها بهذا المحور، فإن عدداً من الكتب الصادرة تدور حول الكوميديا في السينما.

جل اهتمام هذا التوجه هو الرغبة في شرح أصناف الكوميديا من ناحية، والتفريق ما بين الكوميديا الجماهيرية الساذجة التي تنبت كالطحالب على جدار الأفلام التجارية وبين تلك الكوميديات المستندة إلى سقف أعلى من المضامين والأشكال لتقديم الكوميديا الهادفة.

يقول مدير المهرجان أحمد الملا في شرح السبب الذي من أجله تم اختيار الكوميديا كثيمة الدورة التاسعة «لم يكن اختيار «سينما الكوميديا» كثيمة لهذه الدورة إلا إيماناً منا بأن الفرح والمتعة والابتسامة ضرورة فنية أصيلة لبناء الإنسان والمجتمع المعاصر. فالكوميديا في بعدها الجمالي والفلسفي تخلق أثراً عميقاً في الوجدان. ليس من السهولة سردها بصرياً أو تنالها للقضايا الإنسانية»، ويضيف «يعزز هذا الاختيار ما يشهده عصرنا الراهن من احتقان ولهاث يحتاج فيه الإنسان إلى ابتسامة ترفع من روحه».

سينما سعودية مصنوعة من مواهب محلية

استعراض بديع في الافتتاح

على صعيد الأفلام ذاتها فإن الرقم الكبير للأعمال المشتركة موقع إعجاب لا بد منه. 131 فيلماً في المسابقات من أصل نحو 231 عملاً في اتجاهات وبرامج مختلفة. وفي كلمتها قالت مديرة البرامج في مركز إثراء، نورة الزامل، أن الحرص على مواكبة جهود المملكة وتوجهاتها في إيجاد مكانة مرموقة للسينما في كافة المجالات يدفع إثراء لاستجمال دورها في تعزيز الصناعة السينمائية السعودية.

ورد ذلك في حفل افتتاح بدأ بعرض استعراض من الرقص التعبيري مستلهم من رمز يجمع بين الطبيعة والمهرجان ذاته. فهو يشبه التفاف المجتمع السينمائي السعودي حول المهرجان بقطرة الماء التي تنتظرها الصحراء. الراقصون الذين قاموا بأداء هذا المشهد التعبيري في نحو سبع دقائق أبدوا ليونة جسدية والتزاماً هندسياً وتصميماً بديعاً ومتواكباً بلا هفوات. لكن هذا التقديم لم يأت من دون مواكبة أخرى: على الشاشة خلف المشهد المسرحي الدائر وهج وبريق الصورة المختلقة من فعل فن الدجيتال على نحو مذهل. هذا يتضمن أنيميشن وأضواء وصور والمؤثرات التي تواكب الفكرة الرمزية المؤداة حيا ما يثري الاستعراض ويمتزج به.

بعد ذلك تم تقديم شخصيتين محتفى بهما هما المنتج السعودي صالح فوزان والكاتب السينمائي والسيناريست البحريني أمين صالح.

الجيد في هذا التقديم هو أنه لم يكن تقليدياً. قام المهرجان بتحقيق فيلمين قصيرين عن كل منهما يتضمن مقابلتين مخصصتين لنقل بعد مراحل حياة وأعمال الشخصيتين. جاء الفيلم الخاص بالزميل أمين صالح مائلاً إلى الصياغة الأدبية كونه يستمد ذلك من شخصية وحرفة الكاتب. أما الفيلم المخصص للمنتج صالح فوزان فطرح أسلوباً مسترسلاً ببراعة ناتجاً عن شخصية المنتج المعروف وشرحه الموجز لمراحل حياته وكيف اهتم بالسينما ولماذا.

تبع ذلك تقديم المسابقات ولجان التحكيم ولوحظ أن تصميم الافتتاح استبعد صعود أي من الأشخاص المعنيين (كأفراد لجان التحكيم أو حتى الفائزين بمسابقة السيناريوهات غير المنجزة) على المنصة. هذا وحد المنهج واستبعد الخطب التي عادة ما تأخذ وقتاً ينتقص من متعة الانتقال سريعاً بين الفقرات.

في اليوم التالي باشر المهرجان عروض أفلامه ببضعة أعمال تواقة إلى إثراء التجربة الجوهرية لهذا الحدث، من بينها ثلاثة أفلام طويلة هي الفيلم التسجيلي «البطل الخارق سعدي» لبدر البلوي، والفيلم الروائي المستوحى من وقائع حقيقية «شارع 105» لعبد الرحمن الجندل، والفيلم الروائي «أغنية الغراب» لمحمد السلمان الذي كان شارك بفيلمه هذا في مهرجان البحر الأحمر.

مشهد من فيلم «سطار»
مشهد من فيلم «سطار»

الكوميديا طاغية في السينما السعودية

الكثير من الأفلام السعودية الجديدة هي كوميديات، مثل «أغنية الغراب» و«سطار» من بين أخرى. هذه تصبو لنيل الفوز في صالات السينما وتتنافس لتنال رضى الجمهور. ليس هذا الاهتمام معيباً بحد ذاته، لكن عندما تكون النتائج الفنية مهزوزة، فإن الكوميديا إما تصبح ثقيلة أو تنحدر صوب التهريج.

«سطار» لعبدالله العراكي دليل على هذا الوضع، فهو من بعد عروضه الأولى في مهرجان «البحر الأحمر»، توجه إلى دور وصالات السينما في السعودية وتبوأ الرقم الأول في شباك التذاكر لأكثر من ثلاثة أسابيع ضمنت له المرتبة الأولى في مبيعات التذاكر بين كل الأفلام السعودية التي سبقته.

التسويق والتجارة والجماهيرية ليست شأناً معيباً أيضاً، لكن في الفترة التي يتم فيها تأسيس سينما سعودية كبيرة وناجحة يجب ألا يغيب عن البال حقيقة أن السينما تعيش بجناحين وليس بجناح واحد. أحدهما هو الجناح التجاري- الجماهيري وهذا ما هدفت إليه العديد من الأفلام السعودية خلال السنوات الخمس الأخيرة، والآخر هو جناح السينما التي تتوج الفن وتضعه في المقدمة ولتأتي التوابل التجارية في خانة هامشية أو لا تأتي مطلقاً.

هذا الجانب الآخر هو الغائب فما يوفره الفيلم المبني على الرغبة في معالجة فنية للشكل والمضمون هو الإتاحة الحقيقية لدخول الفيلم السعودي مدارات المهرجانات العالمية. الأفلام الأخرى لها فائدتها في قبول الجمهور السعودي عليها ما يمنح الفرصة تلو الفرصة أمام العاملين خلف وأمام الكاميرا، لكنها هي أكثر إفادة وصلاحية داخل الحدود منها خارجه.

في أفلام هيفاء المنصور، مثل «وجدة»، 2012 و«المرشحة المثالية» (2019) وفيلمي محمد صباغ «بركة يقابل بركة» (2016) «عمرة والزواج الثاني» (2018)، جمع بين الجماهيرية والمستوى الفني الحافظ من انهيار العمل إلى ما دون خط الوسط تلبية للرغبات العامة.

هذا بدوره وضع يمكن الاستفادة منه في هذه المرحلة بالذات من دون أن يغني عن ضرورة تشجيع التوجه نحو سينما فنية القصد والنتيجة.