يقول المثل: ومِن الحبّ ما قتل. وأقول إنّ مِن التهاني ما قتل.
لا أنكر أن الصداقات جميلة، وأن التواصل مع الأقارب والمعارف والزملاء نعمة تشعرك بأنك لست وحيداً في هذا العالم الذي لا يخلو من جفاف. لكن ما حدث معي خلال الأيام الماضية، وأظنه يحدث معكم أيضاً، كان أشبه بتسونامي من التهاني التي لا أوّل لها، ولا آخر.
ليس أجمل من كلمة دافئة تأتيك لتتمنى لك عاماً سعيداً، وسنة عامرة بالصحة والسلام. لكنني لا أفهم أنْ يتبادل الناس تهاني رسمها وصمّمها مجهولون، تنهال عليك على مدار الدقائق عبر شاشة الهاتف، ومواقع التواصل، لا خصوصية لها، ولا ما يشير إلى أن المرسل يقصدك بالذات.
والغريب، أن الشخص نفسه لا يكتفي بأن يبعث لك تهنئة واحدة، بل يلقي عليك بنسخ من كل ما يتساقط على هاتفه من تهانٍ. فهو كلما تلقى بطاقة سارع إلى تحويلها إلى كل الأرقام والأسماء التي يحتفظ بها في ذاكرة هاتفه.
تخيّل أن لك خمسين صديقاً وقريباً. وتصلك من كل واحد منهم عشرات المرات رسائل تتمنى لك (سنة حلوة 2024). وبهذا الإلحاح فإنها ليست علامة محبة وتضامن، بل اضطهاد يفتقر إلى الذوق السليم. كأن كل واحد من أولئك يستعرض عليك عضلات بطاقاته الملوّنة، وهاتفه الذي يجيد الإرسال ليل نهار، ومن دون توقف.
تفرح بها في البداية، وتردّ عليها بمنتهى الصدق، مع تقديم الشكر لمرسلها باسمه الشخصي. ثم يتزايد ضغط التهاني العشوائية التي تشغل وقتك، وتشتّت انتباهك، وتعطّلك عن عملك، وتوتّر أعصابك. ما الذنب الذي اقترفته لكي تقع عليك هذه العقوبات، لا المعايدات؟
في العام قبل الماضي، وقبل يومين من نهاية السنة، كتبت على حسابي في فيسبوك أنّ «الصفحة مغلقة للتصليحات لمدة أسبوع». كان القصد الهروب من التسونامي، وتجنّب تلك المعايدات الإلكترونية الجاهزة التي تفتقد لِلمسة شخصية. وكانت النتيجة أنني تلقيت عشرات الرسائل التي تستفسر عن الصحة، وترجو أن أكون بخير. لقد تصور الأصدقاء أنني أغلق صفحتي بسبب وعكة طارئة.
مع هذا، لا نستغني عن الصداقات، ونعرف أن هناك، في مكان ما من هذا العالم، من لا يحظى بمعايدة من أحد. وسنبقى نلتمس الحب حتى لو قتل!