في ردهاته، وعلى وقع الأهازيج الشعبية، نظّم حصن الشارقة فعالية النصف من شعبان، «حق الليلة»، في هذا المعلَم الذي يجمع ما ببن التاريخ والتراث، ووسط أجواء من البهجة، وسلسلة متنوعة من الورش التعليمية للصغار، لتعزيز اطّلاعهم على تراثهم، وهويتهم، وأركان متنوعة، تواكب كلها روح التراث.
فرحة الأطفال غامرة، واستحضار تفاصيل الماضي حاضرة في زوايا ساحة الحصن التي ضمت الصغار، والكبار، والعائلات، من مواطنين ومقيمين، واسترجعت بعضاً من ملامح «حق الليلة»، وما يواكبها من إعادة إحياء ماضينا الجميل، والتحرر من وطأة التكنولوجيا التي حبست الأبناء في عزلة الجدران.
قدّم أطفال مؤسسة «بصمات الأجداد» عروضهم على المسرح، من رقصات وأهازيج شعبية، مع تجسيد صور حيّة لضفائر مجدولة للفتيات، وصبحيات الفرجان، وروح اللمّة العائلية، والجيران الذين باعدت بينهم اليوم ظروف الواقع.
كل ما في تلك الساحة يوحي أن التراث لم يزل حيّاً. تروي آمنة النقبي عن والدتها الشيخة الوالي، سعيها الدؤوب إلى الحفاظ على التراث الإماراتي، و«مؤسسة «بصمات الأجداد»، هي مشروع خاص باشرته والدتي الشيخة الوالي بمجهود شخصي، لتأسيس ما يشبه المدرسة التراثية، والتي تقدم ورشاً تراثية، وأشغالاً يدوية مع حرفيين، إلى مجموعة من الأطفال تقدم العروض الشعبية».
يتركز هدف المؤسسة على نشر التراث بطريقة عصرية تناسب الجيل الحالي.
توضح النقبي «والدتي هي ربة منزل، ولكنها تهوى التراث، وتواكب رسالة المغفور له الشيخ زايد، طيّب الله ثراه، في دعوته للحفاظ على التراث بقوله (إن التراث هو مصدر فخر لنا جميعاً ويجب علينا الحفاظ عليه ونقله للأجيال القادمة)».
ولذلك، فإن الشيخة الوالي تسعى إلى تحفيز روح التراث لدى الأجيال الحالية، عبر إبعادها عن تأثير التطور التكنولوجي، وتعريفها بالعادات والتقاليد الإماراتية، والأطباق التقليدية، وكيفية إعداد القهوة، وغيرها، وكل تلك الأنشطة يتم تعليمها في قرية تراثية في منطقة دفتا برأس الخيمة.
عدا عن العروض والرقصات الشعبية، توزعت الساحة بين مجموعة أنشطة تكاملت في بعدها التراثي في أجنحة شاركت في الفعالية، منها بقالة الحصن، نادي الشارقة للصقّارين، متحف النابودة، وورش تراثية في هيئة الشارقة للمتاحف، ركن الحنّاء، وركن المأكولات الشعبية، وركن الأطفال والألعاب الشعبية.
كما تخللتها المسابقات الاحتفالية، وكلها أسئلة تمحورت حول التراث حاولت «استفزاز» عقول الأطفال لتسمية لوحات تراثية، أو أطباق، ورقصات شعبية، والإبحار بهم إلى عوالم الماضي.
آمنة العسكر مع أطفالها
وفي هذا السياق، تؤكد آمنة العسكر، أمين حصن الشارقة، لـ«كل الأسرة» أن «الفعالية تشكل فرصة جميلة لإحياء التراث الإماراتي الأصيل، حيث كانت الأمهات والجدات في الماضي يخرجن من الكتاتيب، ويمررن بالمنازل في الفرجان للحصول على أكياس «الحلاوة»، لكونها عادة إماراتية أصيلة موروثة، لا تقتصر على دولة الإمارات، بل تشمل كل دول الخليج العربي، إحياء لشعائر شهر رمضان المبارك، وإيذاناً بقدومه، واستقباله».
تتلمّس العسكر صعوبة التماهي مع الزمن الماضي، ومرور الطلاب بالمنازل، الواحد تلو الآخر، لكون الصورة لم تعد كالسابق، ولم تعد الفرجان تتوافر بالشكل السابق، للحصول على الحلوى من المنازل «لذلك، فإن الاحتفالية في حصن الشارقة تشكّل فرصة عظيمة للاحتفاء بالنصف من شعبان، وهي عادة سنوية ندأب عليها في حصن الشارقة ليفرح الأطفال، ويشاركهم الكبار الفرحة نفسها، ويستعيدون ذكريات الماضي، ولحظات توزيع الحلويات، ونكهات الأطباق التراثية، ونقش الحنّاء والألبسة التراثية».
حضرت شخصيتا حمدان وعلياء، حيث هرع الأطفال لالتقاط الصور التذكارية معهما، كما لالتقاط صور فورية وملونة بأزيائهم ذات الألوان الزاهية تحت العريش المرمي على أطراف ساحة الحصن، وهم يحملون فوانيسهم، وأكياس الحلوى المملوءة بالسعادة.
قدمت أمنية حساني، مع زوجها، وأطفالها، لتعبّر عن فرحتها وفرحة أطفالها بهذه المناسبة «هذا الاحتفال ننتظره سنوياً، وهو يعني لنا الكثير، لكونه يعيد إحياء التراث الإماراتي، ويطّل بنا على الماضي بكل جماليّاته».
وحول اطّلاع أبنائها على تراثهم، وتأثير التكنولوجيا، تؤكد أمنية حساني «أنا حريصة على تعريف أبنائي بتراثهم الذي يمثل هويتهم، ولكن من باب العلم فإن التكنولوجيا لها تأثير إيجابي، فمن خلالها، نطّلع على الأحداث التراثية في الدولة، ونشارك فيها، وعبرها، كما يمكن نشر صور تلك الاحتفالية وإيصالها إلى أكبر عدد ممكن من الجمهور».
* تصوير: السيد رمضان