يوم سارت كوكو شانيل بثياب النوم وهي تبكي.. سيرة مصممي الأزياء وفضائحهم تجتاح الشاشات
من مسلسل «The New Look»
ديور، كارل لاجرفيلد، بالنسياجا، أسماء لمعت في ميدان تصميم الأزياء في القرن الماضي، وما زالت لامعة حتى اليوم. والناس تحب قصص المصمّمين، والعين تعشق رؤية الثياب الأنيقة. وقد جاء زمن تفوقت فيه عارضات الأزياء الشهيرات على نجمات السينما في الشهرة، واجتذاب الأضواء. واليوم، ما زال الجمهور يتتبع سيرة سلاطين الموضة، وحكايات العارضات القديمات «التوب موديل»، اللواتي أنجبن، وصارت بناتهن عارضات من الجيل الجديد.
مصممو الأزياء.. يرحلون وتبقى قصصهم تجذب الشغف
نظرة على الإنتاج التلفزيوني والسينمائي حالياً، في فرنسا، تؤكد لنا أن ذلك الشغف ما زال قائماً. فهناك سيل من النتاجات المصورة حول كبار المصمّمين. وفي الطليعة ديور، ولاجرفيلد، وبالنسياجا. وهي ليست المرة الأولى التي تقتبس فيها الشاشة حياة هؤلاء، ورفاقهم الآخرين، في أفلام روائية أو وثائقية، فقد ألهَم كل واحد منهم عدداً من المخرجين وكتّاب السيناريو، وما زالت خفايا سيرة كل منهم تثير الفضول والترقب.
هناك أولاً فيلم «The New Look»، أي المظهر الجديد، الذي أنتجه «آبل تي في»، وبدأ عرضه في 14 من شهر فبراير، و«كريستوبال بالنسياجا» الذي تعرضه قناة «ديزني +»، و«القيصر كارل» الذي سيعرض على القناة نفسها. وهناك أفلام أخرى في الطريق عن شانيل وسان لوران، اللذين سبق وأن تناولت السينما سيرتيهما، وكذلك عن مدام كارفن، وباكو رابان، وجيفنشي، وبيير كاردان. لقد رحلوا جميعاً، وتبقى قصصهم حيّة، ومطلوبة وتثير الخيال.
أسرار العارضات تستهوي الجمهور
صراعات ونفوذ في «مصنع الأحلام»
مسلسل «الدار» (القادم على Apple TV+،) سيتتبع القصة الخيالية لعائلة معاصرة على رأس دار أزياء تقع فريسة لصراعات السلطة، وحروب النفوذ. ويقوم كل من لامبير ويلسون، وأميرة كازار، وكارول بوكيه، بأدوار الشخصيات الرئيسية. وتأتي هذه الأفلام بعد موجة من الأفلام الوثائقية المخصصة للمبدعين، من الرجال والنساء، الذين يقفون خلف كواليس صناعة الأزياء الراقية، أو ما يطلق عليها بالفرنسية «الهوت كوتور»، وقد حان وقت الانتقال من الوثائقي إلى الخيالي.
والهدف كشف الستار عن عالم الأناقة الفخمة، وما يسمى بـ«مصنع الأحلام». لقد قرر التلفزيون دخول الحلبة طالما أن المنصات الجديدة سحبت البساط من تحت أقدام صالات العرض. فهناك «هوم سينما» في البيوت. ولابد من القول إن الموضة هي «فيديو» بالكامل، سواء من حيث المؤامرات التي تجري خلف الكواليس، أو من حيث مظهرها الجمالي.
في سيرك الموضة، كل شيء أكثر دراماتيكية ومبالغة مما هو عليه في الحياة الواقعية. إن الشاشة هي مرآة جرى التلاعب بها، وتزويرها، كي تفضي إلى كل تقلبات الحبكة. ويقول لوكا ماركيتي، عالم السيميائيات والمتخصص في الموضة، إن في كواليسها كل المكونات التي تصلح لمسلسل جيد، وناجح. فهناك حبكة حقيقية بقدر ما هي فوق التوقعات.
وهناك المال، والمنافسة، والعمل الدؤوب، والخيانات. ومع كل هذه العناصر يضمن المنتج نجاح العرض، خصوصاً إذا كانت هناك بضع تقلبات درامية في كل حلقة. ولابد من الاعتراف بأن عالم الأزياء الراقية قادر على أن يجمع كل عناصر الطبخة التي تأسر الجمهور: شخصيات النجوم، التنافس بين المصممين، أجواء البذخ والفخامة، وأخيراً سحر الحدوتة المكتوبة جيداً، أي الدراما.
في مسلسل بالنسياجا لكاتبة السيناريو الإسبانية لورديس إيجليسياس، تجتمع كل الموضوعات المذكورة سابقاً. ففي قصة موزعة على ست حلقات، نرى الممثل ألبيرتو سان خوان، في دور مصمم الأزياء الإسباني الشهير، الرجل الغامض الذي يهرب من الإعلام، ويرفض المقابلات الصحفية.
وتبدأ القصة عندما يقدم المصمم مجموعته الباريسية الأولى من الأزياء الراقية، في عام 1937. وهنا تظهر على الشاشة الممثلة أنوك جرينبرج، في دور المصممة الفرنسية، كوكو شانيل، ونين دورسو في دور العارضة المفضلة للمصمم. وتقول لورديس إجليسياس، التي رسمت ملامح رجل مدفوع بهوسه، وسعيه للسيطرة على كل دقائق المهنة «أكثر ما أذهلني في شخصيته هو نزاهته، وميله للتواري، وافتقاره إلى التظاهر في مثل هذا العالم التنافسي القاتل. وإضافة إلى كونه مبدعاً عظيماً، كان رجل أعمال بارزاً، عمل معه، وتحت إمرته ثلاثة آلاف شخص».
يعود المتخصص لوكا ماركيتي، ليؤكد أن الأموال المتدفقة بحرية في صناعة الأزياء، ترفع من سخونة الأحداث، خصوصاً أنها لابد أن ترتبط بعلاقات وثيقة مع أنظمة السلطة. وهو يقول «في عالم الموضة، كل شيء يجري في أعلى المستويات، الفنية والمالية والسياسية».
ثم إن الجمهور يحب الفضائح، وهي تنشأ من الضربات تحت الحزام التي يتبادلها المصممون فيما بينهم، من دون أن ننسى المشاهد المشوّقة للسنوات الحالكة التي عاشتها باريس تحت الاحتلال الألماني. وليس خافياً أن هناك من ساير الضباط، واستفاد من الوضع لكي لا تتوقف تجارته، مثل كوكو شانيل.
مدموازيل كوكو في شقتها الفخمة
على مدى عشر حلقات، يستكشف مسلسل «The New Look»، من إخراج الأمريكي تود كيسلر، ويتم بثه على «Apple TV+»، البدايات الواعدة لكريستيان ديور، في سياق الحرب العالمية الثانية. نرى على الشاشة فريق عمل من فئة الخمس نجوم. ويقوم الأسترالي بن مندلسون، بدور مصمم الأزياء، بينما تلعب ميسي ويليامز دور شقيقته كاترين ديور، وهي من بطلات المقاومة الفرنسية التي يتم ترحيلها إلى معسكر اعتقال ألماني. أما الممثلة جولييت بينوش، فتؤدي دور جابرييل شانيل، المرأة النارية ضئيلة القامة، وقوية الشكيمة، التي اشتهرت باسم «مدموازيل كوكو». وفي خضم الصراعات الشخصية تبقى صناعة الأزياء في خلفية الأحداث، «لكن الأبطال هم من يخوضون نضالاً للتوفيق بين الفن والحياة، في وقت شاع فيه وأصبح كل شيء موضع تساؤل»، هذا ما يكشفه لنا المخرج في حديث معه منشور في صحيفة باريسية، وهو قد أمضى سبع سنوات في مطالعة العشرات من السير الذاتية، والأرشيفات، وإجراء المقابلات الشخصية بمساعدة العديد من مؤرخي الموضة، قبل اكتمال المشروع وبدء التنفيذ.
كارل لاجرفيلد
رموز وأحداث من صنع الخيال
هناك شيء مذهل عند الدخول في حميمية تلك الشخصيات التي أسّست دور الأزياء الكبيرة، فهي انتهت في نهاية المطاف إلى أن تصبح رموزاً، كما لو كانت مجمدة في التاريخ. كانت شانيل تتعذب، وهي تبكي وتسير بملابس النوم في جناحها في فندق «ريتز» الذي حلّت فيه خلال فترة الاحتلال، ضيفة يدفع أحد أصدقائها الأجانب فاتورتها.
أما أزمة كريستوبال بالنسياجا فكانت رفضه الخضوع لتصلّب المساهمين في شركته، وهو يجد ملجأه لدى رفيقه كريستيان ديور، الذي كان ذا بصيرة وحكمة، رغم قلقه على مصير شقيقته المعتقلة لدى الألمان. وهناك المصمم بيير بالمان الذي عاش أزمة مختلفة، ونراه على الشاشة يصرخ في وجه رئيسه لوسيان ليلونج، الذي يسميه مصاص الدماء.. كل هذه التفاصيل الخفية هي في الأغلب من صنع الخيال. إن مخيلة كاتب السيناريو تتدخل لإعادة تركيب مشاهد لم يتم سردها في كتب التاريخ، ولا في المقابلات التي أجريت في ذلك الوقت.
يوضح المخرج أوليفييه نيكلاوس، مؤلف العديد من الأفلام الوثائقية الشهيرة حول الموضة، مثل واحد عن عز الدين علايا، مصمم الأزياء الفرنسي التونسي الأصل، أن مخرج الفيلم الوثائقي يستمد مادته من أرشيفات مصورة، ويعتمد على مصادر تاريخية. ويضيف «مع الخيال، يمكننا إطلاق العنان للكلاب، واختلاق كل شيء، وحتى التشكيك في الأشياء التي ما قيلت في الزمن الماضي، أي في وقتها».
تصميم الأزياء مهنة شاقة
صناعة الأزياء.. القوة الناعمة للدول
يهدف مسلسل «القيصر كارل»، والمقتبس من كتاب الصحفي رافائيل باكيه، إلى رفع الحجاب عن مصمم الأزياء الأكثر غموضاً بين أبناء جيله، من خلال تسليط الضوء على المنافسة التي قامت بينه، وبين رجل الأعمال الفرنسي بيير بيرجيه، الذي تبنّى خصمه إيف سان لوران، وأغدق على تنفيذ مجموعاته من الثياب الراقية، واشترى له أروع الشقق والمنازل والقطع الفنية. وإلى جانب هذه التفاصيل هناك العلاقة التي قامت بين لاجرفيلد، وجاك دو باشر، وهي علاقة مأساوية، لكن الموضة كانت العمل الذي ينقذ المصمم من الانهيار. إن التصميم مهنة شاقة، وتتطلب السهر والعرق. لهذا نراهم جميعاً يرتدون الصدرية البيضاء، مثل الأطباء، وهم يقفون على طاولات التشريح، أي التفصيل، وقصّ القماش.
يرى المتفرج تفاصيل العملية الإبداعية، حين يتحسس المصمم أنواع القماش، ويختار ما يروق له، وهو يوازن ويضاهي بين الخامات المختلفة، وعشرات الألوان من النسيج السادة، والمطبوع، والمنقوش، والمزخرف. لهذا فإن الفساتين والبدلات التي أبدعوها لم تذهب بعد ارتدائها إلى النسيان، وحاويات المهملات، مثل باقي الثياب المستعملة، بل تم الحفاظ عليها من جيل إلى جيل ودخلت المتاحف. وقد دعي مسيو ديور، عام 1955، ليقدم محاضرة في جامعة «السوربون» العريقة، وانتهز الفرصة لتقديم عدد من أروع تصاميمه. لهذا تأتي هذه السلسلة من الأفلام لكي تثبت أن الأزياء، وما يلحق بها من حقائب، وأحذية، ومجوهرات، وساعات، وأوشحة، وعطور، هي القوة الناعمة لدولة مثل فرنسا.
اقرأ أيضاً: كيف حررت "الآنسة كوكو" خصور النساء