جرفت أمطار منخفض الهدير الجوي الذي طال الإمارات، العديد من الأماكن، ليعيد اكتشاف ما في باطنها من «طوى»، آبار مياه، لتضاف إلى شواهد تاريخية تروي قصة حضارة الدولة، وترسم صورة عن حياة سكانها فيما مضى من الزمن.
ففي بطحاء الذيد في إمارة الشارقة، تم اكتشاف العديد من آبار المياه التي يعود تاريخها إلى فترة زمنية ليست بالقريبة، وأنه تمت صيانة وإعادة ترميم البعض منها في مراحل تأريخية لاحقة. «كل الأسرة» التقت عدداً من أهالي المنطقة الذين اكتشفوا هذه الطوى بعد انحسار مياه الأمطار عنها، لتعود الذاكرة بكبار السن فيسردوا ما احتفظوا به من معلومات متوارثة عن أصحابها والفترة الزمنية التي تم حفرها فيها.
راشد المحيان الكتبي يتفقد طوي سالم بن رجب
يوضح الوالد راشد المحيان الكتبي «أدى جريان مياه الأمطار التي انهالت على منطقة بطحاء الذيد إلى اكتشاف طويّين يعود تاريخهما إلى ما يتجاوز المئة عام، أحدهما عرف بطوي سالم بن رجب، والآخر بطوي المطيرات، اللذين تكشف معالمهما الخارجية عن خضوعهما لعمليات ترميم وإدامة تمت في فترات زمنية مختلفة، سواء لاستخدامهما، أو للحفاظ عليهما من الاندثار».
يكشف الكتبي سبب اندثار هذه الطوى، وهي معلومات توارثوها عن الآباء والأجداد بحسب ما يقول «أثرت العوامل الجوية في منطقة البطحاء والتي عرفت في السابق باسم «الجزيرة»، فحوّلتها من أرض محاطة بالمياه من الجانبين إلى أرض منبسطة اختفت جميع معالم منافذ المياه فيها، حيث كان يقطن السكان المحليون هذه المنطقة لسهولة الوصول للماء واستقرار الحياة فيها، خصوصاً خلال فترات القيظ».
ويبين الكتبي أسباباً أخرى «لم تتوقف أسباب اختفاء معالم هذه الطوى عند ذلك، فقد ساهم التحول الذي طال طبيعة الحياة ودخول الماء للمنازل في انحسار استخدامها تدريجياً، وبالتالي قل الاهتمام بها بعد أن كان السكان يعتمدون على مياهها كمصدر أساسي للحياة لاستخدامه في الشرب والطهي، بشكل كامل، وهم في الأغلب من سكان بيوت الطين وبيوت الشعر، كما كانت هذه الأماكن محطة استراحة للقبائل العابرة من مكان لآخر، بخاصة من أصحاب «الحلال»- المواشي».
سعيد الطنيجي يكشف معلومات تاريخية عن طوى بطحاء الذيد
ما كشف عنه المنخفض في الوادي أثار تساؤلات عدة عن طبيعة حقيقة المعلم التاريخي: هل هي «طوى» أم «يفار» آبار صغيرة؟ يوضح سعيد بن خليف الطنيجي، من السكان المحليين، الفرق بين المسميّين وكيفية تحديد مكان كلٍّ منهما «صعوبة الحصول على الماء دفع السكان للبحث عن أفضل الأماكن للحفر والوصول للمياه الجوفية، وهي في الأغلب أرض غير رملية «صلبة»، وهذا ما امتازت به طبيعة الأرض التي كانت عليها المنطقة فيما مضى من الزمن، ورغم أدائها نفس الغرض إلا أنها تختلف في المسمى لنقاط عدة، منها تباين عمق وجود الماء.
فبينما يحتاج «الطوي» للوصول للمياه إلى وقت أطول وجهد أكبر بسبب بعده عن سطح الأرض، وغالباً ما كان يحاط بحوض من الطين يعرف بـ«اليازيه»، لا يحتاج «اليفر» إلى الجهد والوقت الذي يستغرقه الطوي بسبب قرب الماء من سطح الأرض، والذي في الأغلب لا يصل عمقه لأكثر من 150 سم»، ويكشف الطنيجي عن مواد بناء الطوى المكتشفة «المظهر العام لكل طوي منهما يشير إلى خضوعها للترميم عدة مرات، لكن بطبيعة الحال فإن الحصى والجص المستخدم في بنائها يدل على عمرها الزمني الذي تجاوز المئة عام، وهي مأخوذة من المنطقة المعروفة بتل الزعفران».
الكتبي والطنيجي يستذكران بعض المعلومات عند طوي المطيرات
ارتباط «الطوي» أو «اليفر» كأقدم وسيلة لاستخراج الماء بالسكان المحليين وأهميتها في حياتهم أثر في تسميتها، يقول الطنيجي «رغم مشاركة مصادر المياه من مجموعة من السكان، ورغم اندثار بعضها نتيجة مرور الزمن، إلا إنها لا تزال تذكر باسم الشخص الذي حفرها، وهي في العموم أسماء لأشخاص توفوا مثل طوي سالم بن رجب، الذي لم تكن له سوى بنت، أو عوائل تعاقبت عليها الأجيال فانتقلت للسكن في أماكن أخرى».
معلومات عامة عن الطوي
عرف الطوي كأهم مصادر الماء لسكان دولة الإمارات قديماً، سواء كانوا في المناطق الجبلية أو الصحراوية، كما وجدت كذلك الكثير من أحواض المياه الصغيرة المعروفة بـ «اليفر» التي لا تزال تشكل جزءاً مهماً في حياة السكان المحليين، وسبباً لتجمعاتهم في تلك الفترة من الزمن، وفي الإمارات يوجد العديد من الطوى التي يعود تاريخها إلى نحو أربعمئة سنة، كالتي ذكرها ابن ظاهر في قصيدتيه «بئر فلاح»، و«العشوش وعثمر»، كما سميت الطوي في أماكن أخرى من الإمارات بالبدع، مثل بدع زايد، بدع خليفة، بدع حمدان، ومن أشهر الطوي التي عرفت بأسماء من حفرها «طوي سلمى».
* تصوير: السيد رمضان