كم تحفظ ذاكرتنا من الأحلام التي رأيناها في المنام؟ يبدو أن نسبة كبيرة من هذه الأحلام تتبدد، تماماً كما يتبخر الماء تحت تأثير الحرارة، فلا يكاد يبقى منه أثر. نصحو في الصباح ونحن نتذكّر أننا حلمنا، ربما أحلاماً عدة، لا حلماً واحداً فقط، ولكن لو حاولنا تذكّر تلك الأحلام، أو على الأقل بعضها، فلن ننجح. ولا نعلم إذا كان للعمر علاقة بهذا، فكما تضعف ذاكراتنا الواعية بمرور الوقت، ربما تضعف، أيضاً، ذاكرة أحلامنا الأشبه بالأوهام، أو التخيّلات.
مع ذلك هناك أحلام تبقى راسخة في الذاكرة، وبوسع أيّ منا أن يستعيد بعضها، خاصة تلك التي تحمل ما يشبه النبوءة بحدث قادم، سعيداً كان أو حزيناً. كأن العقل الباطن يُنبهنا مبكراً إلى ما هو قادم. ولأننا قلنا إن الأحلام تخيّلات، فما أكثر ما انطلق أدباء من أحلامهم ليبنوا منها نسيجاً قصصياً، أو روائياً، ما كان سيتم لو اعتمدوا على المخيلة وهي حال الصحو.
والمثل الذي يمكن أن نسوقه هنا هو أحلام نجيب محفوظ، الذي أصبح تجواله في المدينة محدوداً، أو نادراً بعد محاولة اغتياله، وكذلك تقدّم عمره، فحُرم من مصادر الإلهام التي اعتاد عليها، في منطقة الحسين، والدرب الأحمر، والجلوس على المقاهي، فلجأ إلى عالم الأحلام ليستلهم منه الأفكار والصور، وحسب ما ينقل عنه الكاتب حسين عبد الجواد، فإنه «فكّر في أن يأخذ جزءاً مناسباً من الحلم قد يكون مشهداً، أو شخصية، أو حتى جملة حوار».
حار العلماء والأطباء النفسيّون، ولا يزالون، في تقديم تأويل علمي للأحلام والكوابيس، وننقل عن تقرير عالج الموضوع قوله «تُعدّ الأحلام والكوابيس من بين سمات النوم الأقل فهماً.
وعلى الرغم من أنها تجربة فردية، إلا أن هناك بعض التخيلات التي تشيع رؤيتها في مختلف أنحاء العالم»، قبل أن يطالعنا التقرير برؤية أحد كبار خبراء النوم، هو البروفيسور مارك بلاغروف، مدير مختبر النوم بجامعة سوانسي، حول الموضوع، التي يرى فيها أن السبب وراء أن أحلامنا يمكن أن تكون «معقدة» للغاية، وململوءة بـ«الشخصيات والعواطف والمؤامرات»، يعود إلى أنها مصممة لنا لنتشاركها مع الآخرين، بوصفها «الطريقة التي نجني بها فوائد رؤانا المشابهة للحياة، لأن مشاركة الأحلام تعطي الشخص فكرة عن حياة الحالم، وتساعد على بناء الروابط».
وإذا كان بعض علماء النفس يرون أن الأحلام هي مجرد طريقة يستخدمها الدماغ لمعالجة الذكريات، وفهم العواطف ومعالجة الحجج، يقول آخرون إنه لا يوجد شيء على الإطلاق، وراء رؤيتنا لهذه التخيلات، بحجة أنها مجرد مجموعة من الأفكار التي لا معنى لها.
وحسب هذا الخبير، فإن «هناك العديد من المناقشات حول سبب حلمنا، لكن معظم الباحثين سيتفقون على أن الأحلام ذات معنى، وأنها تشير إلى حياة الفرد في اليقظة، حتى لو كان ذلك بطريقة مجازية»، موضحاً أنه «على الرغم من أن العديد من الأحلام تحتوي على مشاهد (خيالية)، إلا أن معظم الناس يمكنهم عادة الارتباط بالمشاعر التي يمرّون بها».
ويحدث أيضاً أن نحاكي في أحلامنا التهديدات التي تحدث لنا، في نوعٍ من التدريب على ممارسة التغلب عليها، وحسب هذا الخبير، فإن هذه التهديدات ليست جسديّة بالضرورة، فقد تكون عقليّة أيضاً، تستهدف احترامنا لذاتنا، ما يجعلنا نتعامل مع الحجج وطرق الرد مع الناس، وحتى لو كانت الكوابيس أحلاماً مزعجة تحمل مشاعر سلبية، فإنها طريقة الدماغ للتغلب على المخاوف والتهديدات.