11 يونيو 2024

"عبر البحر" و"الجميع يحب توده".. فيلمان مغربيان جديدان عن الهجرة والمرأة

ناقد ومؤرخ سينمائي، وُلد وترعرع في بيروت، لبنان ثم هاجر إلى الغرب حيث ما زال يعيش إلى الآن معتبراً السينما فضاء واسعاً للشغف

لا تتخلّف السينما العربية عن العمل لكسب مشاهدين، ونجاحٍ نقدي وجماهيري واسع. للأسف، معظم ما يعرض ليس من إنتاج عربي إلا من خلال صناديق دعم توفر جزءاً من التمويل، لكن هذا موضوع آخر لنا عودة إليه قريباً.

من بين الأفلام العربية الجديدة التي شوهدت مؤخراً، فيلمان مغربيان تجدر الإشارة إليهما. هما «عبر البحر» لسعيد بن العربي، والثاني هو «الجميع يحب توده»، لنبيل عيوش. المخرج بن العربي جديد (هذا ثاني فيلم له)، أما المخرج عيوش فلديه عدد لا بأس به من الأفلام منذ التسعينيات، وإلى اليوم.

«عبر البحر» لبِن العربي دراما تمرّ عبر عقود تنطلق من حياة شاب اسمه بابلو، يعيش حياته في المغرب كما تحلو له. قليل من الأفكار الثورية، كثير من الترفيه، والغناء، والرقص، قبل أن يصطدم بمحقق عندما ألقي القبض عليه، وعلى رفاقه، في إحدى الليالي.

يحرق المحقق جواز سفر بابلو بعدما سرد هذا أنه يودّ الهجرة. هي أيام عصيبة التي يمر بها بابلو بعد ذلك. إفلاس، وضياع، وإخفاقات خطى.. إلى أن يلتقي، بعد فترة طويلة، بالمحقق ذاته. يبدو المحقق أكثر لطفاً وكياسة مما كان عليه في اللقاء الأول..

مشاهد كثيرة تمرّ قبل، وبعد وفاة المحقق مصاباً (وقد وصلنا إلى مطلع التسعينيات) بما انتشر آنذاك من مرض جنسي (أيدز). بعد مشاهد أخرى تؤول زوجة المحقق لبابلو، ويتزوّجان. هنا تقع حفلة رقص وغناء مغربية، بدورها هي واحدة من أغان فولكلورية يوظّفها المخرج بدراية في عمله هذا.

لا يشعر المُشاهد إلا بدرجة محدودة من الاهتمام بما يقع. هناك أهمية بما تعرضه الحكاية من مشاغل ومواقف، لكن سعي المخرج لتوفير معالجة أكثر من مجرد سردية شبه غائب.

هناك غناء أيضاً في فيلم نبيل عيوش «الجميع يحبّون توده».

حتى الآن كوّن عيوش لنفسه سمعة طيبة بين أترابه المغاربة. لديه اسم معروف في أوروبا، وعدد كبير من الأفلام المتنوّعة على مدار عشرين سنة، أو نحوها. جلّها حكايات اجتماعية، وبعضها محض عاطفي، لكنها تختلف في مستوياتها على نحو يثير العجب أحياناً.

يبدأ الفيلم ببطلته توده (نسرين إرادي)، وينتهي بها وقد أصبحت على مفترق طريق بين البقاء في الموقع ذاته، أو مواصلة طموحها الكبير الذي تسعى إليه، لكي تخرج من البيئة الصعبة التي تعيشها، وتتحوّل من مغنية في القرية التي تعيش فيها، إلى مغنية مشهورة على طول وعرض البلاد.

الطموح يبدو قابلاً للتحقيق، لكن السيناريو، الذي شاركت المخرجة مريام توزاني في كتابته، يضع الكثير من العثرات أمامها. لا تملك المال. تعمل في إحدى الحانات الليلية. تتحمل اعتداءات السّكارى. لديها ابن صغير وُلد أطرش.. وكل هذه معيقات قد تمنع أي شخص يحلم بالخروج منها، فما البال إذا ما كان الشخص امرأة بمواصفاتها؟

المعالجة، كأغلب أفلام عيوش، واقعية، ما يمنح الفيلم مصداقيته. عيوش يعرف متاعب مجتمعه، ومتاعب بطلته، ويوجه فيلمه للكشف عنهما. ما يعارض منهجه هو انتقالات مفاجئة بين الأحداث بسبب توليف لا يخلو من التوتر.


فريق عمل فيلم «الجميع يحبّون توده» في مهرجان «كان»

لكن الفيلم لا يتحوّل إلى استعراض للبؤس واليأس، بل يواكب بطلته وقد ازدادت إلماماً ومعرفة، وسمَت فوق المعيقات على نحو يبدو موجهاً لإيصال رسالة تضامن مع المرأة المغربية.

هذا الفيلم أفضل من «أي شيء تطلبه لولا» الذي حققه عيوش قبل سبع عشرة سنة، حول راقصة في أمريكا تنتقل إلى مصر حباً بالرقص الشرقي. لكن ذلك الفيلم كان استعراضاً أكثر منه دراما تلتف جيداً حول قضية المرأة كما يفعل هذا الفيلم.