9 يوليو 2024

د. هدى محيو تكتب: كيف نكتب؟

أستاذة وباحثة جامعية

أستاذة وباحثة جامعية

د. هدى محيو تكتب: كيف نكتب؟

ما الفرق بين الكتابة باليد، والطباعة على لوحة المفاتيح؟ هل نمط الكتابة، المطبوعة أو المكتوبة، يؤثر في النشاط الذهني، والطريقة التي يتعامل بها الدماغ مع المسألة؟ والأهم.. هل تؤثر طريقة الكتابة في عملية تعلُّم اللغة، والكلمات، والتعبير؟

لا يزال الباحثون منكبِّين على هذه التساؤلات، ولا تزال لوحة المفاتيح تحلُّ أكثر فأكثر محل الكتابة باليد، سواء أكان في المدارس، أم في أي مكان آخر.

وقد دلّت الأبحاث الجارية على أثر سلبي للطباعة في ما يخص نوعية الكتابة، والحفظ، والفهم، كما لو أن الدماغ يتصرّف بشكل مختلف حين نضع أصابعنا على لوحة المفاتيح، أو حين نمسك بالقلم. فما هو السبب؟

حين نكتب باليد، تبدو مناطق في الدماغ معنية بالانتباه والبصر، واللغة، والإدراك الحسّي، أكثر ارتباطاً الواحدة بالأخرى، مقارنة بما يحصل لدى الأشخاص الذين يطبعون على لوحة المفاتيح، كما لو أن هذه المناطق تتحاور أكثر خلال الكتابة، وهذا من شأنه أن يرسخ في الذاكرة الكلمات المكتوبة بشكل أفضل.

وقد كشفت الأبحاث أن هذا الأمر يعود إلى البطء النسبي في الكتابة اليدوية، فحين نكتب كلمة باليد نحتاج، عموماً، إلى وقت أطول ممّا لو كنا نكتبها آلياً. وهكذا تبقى الكلمة في رأسنا لمدة أطول لأننا نكررها ونحن نكتبها، ما يؤدي إلى حفظها في الذاكرة الطويلة المدى.

كما يترافق هذا التكرار الصوتي الداخلي للكلمة مع تحفيز بصري طيلة وقت الكتابة. فنحن ننظر إلى الكلمة التي نكتبها في حين أننا نادراً ما ننظر إلى الكلمة المطبوعة، إلا عند إعادة القراءة، إن حصلت.

وهذا يعني أن الانتباه الذي نوليه للكتابة باليد، من أجل أن نكتب بشكل صحيح ومفهوم، من دون أن ننزل عن السطر، ولا أن نحيد عن الهامش، يستلزم كمّاً من اليقظة، والحذر، ويستدعي كفاءات متعددة تسهم جميعها في الفهم وفي الحفظ.

في النهاية، من المفترض أن تظل أقلام الرصاص والحبر مزدهرة في مدارسنا، حتى يُحسن تلامذتنا تعلّم اللغات واستعمالها، لكن هل من المجدي أن نتحدث باستفاضة عن «صراع اليد ولوحة المفاتيح».

في حين أن العمل جارٍ على قدم وساق لتحسين ما يسمى بـ«التعرُّف إلى الكلام»، أو «الإملاء الصوتي» حيث يكفي أن تتكلم حتى تكتب الآلة عنك؟ وستكون المصيبة أكبر بكثير إذا ما تم إدخال هذه التقنية إلى المدارس، لأن المشكلات التي تحدثنا عنها سوف تتفاقم.

فالقلم ولوحة المفاتيح لا يزالان، على الأقل، شريكين في استعمال اليد، بينما الإملاء الصوتي المباشر، للآلة من دون المرور باليد، سيطرح مشكلات لم تخطر بعد على بال.

ويجب ألا يغيب عن بالنا أن تعلُّم اللغة وتعلُّم الكتابة الصحيحة ليسا مجرد واجب مدرسي علينا إتقانه، بل هما معنيّان، بعمق، بنمو الملَكات الإدراكية والذهنية لدى التلميذ، تشهد على هذا القفزة النوعية التي حققتها البشرية بمجرد أن بدأت تقرأ، وتكتب.

 

مقالات ذات صلة