15 يوليو 2024

القضاء يستجوب سيّدة فرنسا الأولى السابقة كارلا بروني في قضيّة مشبوهة

كاتبة صحافية

القضاء يستجوب سيّدة فرنسا الأولى السابقة كارلا بروني في قضيّة مشبوهة

جاء الخبر غريباً مساء الثلاثاء الماضي، الفرنسيون يستعدون للجلوس إلى طاولات العشاء، فقد استدعت الشرطة الماليّة عارضة الأزياء السابقة كارلا بروني لسماع أقوالها كشاهدة في قضية شهيرة تحمل اسم «حقيبة ملايين القذافي».

تعمل الشاهدة حالياً وتعيش من الغناء، والحقيقة أن كارلا لا تحتاج للعمل لكي تعيش لأنها وريثة أسرة إيطالية ثريّة نقلت إقامتها إلى فرنسا واشترت فيها العقارات والقصور.

كما أنها ليست محتاجة لأن يعيلها زوجها نيكولا ساركوزي، رئيس الجمهورية الأسبق، لأنها أغنى منه وهو الذي يقيم في منزلها الباريسي ويقضي العطلات في قصرها الواقع في أجمل بقعة من شاطئ فرنسا الجنوبي.

ولكن، ما دخل الزوجة بالقضيّة؟

القضاء يستجوب سيّدة فرنسا الأولى السابقة كارلا بروني في قضيّة مشبوهة

قضية الـ 50 مليون يورو

ثارت قبل سنوات زوبعة في الأوساط السياسية والإعلامية؛ سببها تسريب أخبار عن مبلغ بالملايين تسلّمه ساركوزي من الرئيس الليبي السابق ليدعم حملته الانتخابيّة للرئاسة عام 2007، وانفجرت الفضيحة بعد إزاحة معمر القذافي في عملية عنيفة كان لفرنسا دور كبير في دعمها والتحريض عليها، ما الذي قلب الصداقة والود إلى عداء؟

هنا ظهر رجل الأعمال اللبناني زياد تقي الدين؛ ليعلن أنه كان الوسيط بين الرئيسين الليبي والفرنسي وأنه حمل بنفسه حقيبة لساركوزي تحوي 50 مليون يورو، دعماً لحملته، وكانت المفاجأة أن تقي الدين عاد وتراجع عن أقواله ونفى مزاعم توصيل الحقيبة.

كان ذلك في خريف 2020 من خلال مقابلة أدلى بها إلى مجلة «باري ماتش» الفرنسيّة واسعة الانتشار، لقد عاد إلى لبنان بعد أن «خربها» في باريس، وتردّد وقتها أنّه نال 300 ألف يورو من جهة ما؛ لينكر أقواله السابقة.

زياد تقي الدين
زياد تقي الدين

رغم تراجع الوسيط عن اتهامه لساركوزي بتلقّي أموال غير مصرّح عنها، فإن القضاء الفرنسي لم يلتفت للتكذيب ومضى في محاكمة ساركوزي أمام محكمة الجنايات بتهمة الفساد واستغلال مبالغ عامة والتمويل غير الشرعي لحملته الانتخابية بالتعاون مع بلطجيّة.

وصدر حكم ابتدائي ضد الرئيس السابق والقضية ما زالت في طور الاستئناف. خلال ذلك كانت كارلا تواصل ظهورها في حفلات عروض الأزياء وتطلق اسطواناتها الغنائية ذات الطابع الحميم والشفّاف، فلماذا ظهر اسمها في القضية؟

القضاء يستجوب سيّدة فرنسا الأولى السابقة كارلا بروني في قضيّة مشبوهة

«ابعد عن الشر وغنّي له»

هذا ما يقوله المثل المصري، لكن يبدو أن المرأة ذات المظهر الرقيق والشخصيّة القويّة لم تبتعد بما يكفي عن مصدر الشر، والتهمة الموجهة لها حالياً هي أنها هي التي تدخلت بفضل علاقاتها الواسعة في مختلف الأوساط لكي تدفع رجل الأعمال اللبناني إلى التراجع عن أقواله، أو مزاعمه.

هل دفعت كارلا من حرِّ مالها لإنقاذ زوجها من السجن ومن تلويث سمعته إلى الأبد؟ لهذا السبب استدعيت مدام ساركوزي للتحقيق طوال عدة ساعات بتهمة «التأثير على شاهد والاشتراك في عملية نصب على القضاء بالتعاون مع عصابة منظمة» في قضية الاشتباه بتمويل ليبي لحملة زوجها الانتخابية.

وهناك أيضاً اتهام لها برشوة أشخاص يعملون في أجهزة القضاء اللبناني، وبعد الاستجواب خرجت كارلا طليقة وعادت إلى بيتها على أن تبقى تحت الرقابة البوليسيّة والامتناع عن الاتصال بأي طرف من أطراف القضيّة، باستثناء زوجها، ليس هناك حتى الآن ما يدينها أو يستدعي توقيفها، وما زال الزوجان يطعنان في التهم ويصرّان على براءتهما.

لم يقتنع المحقّقون الفرنسيون ببراءة ساركوزي، فمن المعروف أن هناك ضغوطاً كثيرة سببها الخصومات السياسيّة، ولم يكن ساركوزي بمنأى عن تلك الخلافات ولديه أعداء كثيرون، وهكذا تم فتح تحقيق حول تراجع تقي الدين عن اتهاماته.

وجرى استجواب تسعة أشخاص في القضية وكارلا هي العاشرة في الملف الذي حمل اسم «إنقاذ ساركوزي»، ويراوح دورها ما بين تنظيم العمليّة وتمويلها، فمن هم أولئك الأصدقاء والصديقات الذين ساعدوها في مسعاها المفترض؟

ميشيل مارشان
ميشيل مارشان

كارلا بروني وميشيل مارشان!

أول الأسماء، صحافيّة تدعى ميشيل مارشان، لها مكانتها في أوساط المجلات الشعبيّة ويرى المحقّقون أنها ساعدت صديقها المقرّب ساركوزي من خلال كارلا، أي أن كارلا كانت الوسيط نظراً للرقابة المفروضة على الرئيس المتّهم وما يمكن أن يثيره اتصاله المباشر بميشيل مارشان.

ليست هي المرّة الأولى التي يستمع فيها المحقّقون إلى المغنية الخمسينيّة ذات القوام العشريني والصوت الهامس والعينين الرماديتين، ففي ربيع 2023 استدعيت للإجابة على بضعة أسئلة، بشكل حر، في المكتب المركزي لوحدة مكافحة الفساد والمخالفات الماليّة.

وبحسب ما نشرته الصحافة يومذاك، فإن المحقّقين وضعوا كارلا في زاوية حرجة عدّة مرّات بسبب أسئلة محدّدة، ومن تلك الأسئلة استخدامها لرقم هاتفيّ غامض وخفي للتحدّث عدّة مرّات مع ميمي مارشان الشهيرة بـ«ميمي».

وذلك خلال المحطّات الصعبة من سير القضيّة، وتم اكتشاف وجود هذا الخط الهاتفي من خلال تفتيش أجهزة كارلا، تبين أنه مسجّل باسم خبير الحواسيب الذي تتعامل معه، أما في هاتف «ميمي» فإن الصورة المرفقة بالرقم هي صورة السيدة الأولى السابقة.

جاء في جلسات الاستجواب أن ميشيل مارشان حال وصولها إلى بيروت نهار 22 أكتوبر 2020 لإجراء المقابلة الشهيرة مع تقي الدين، تلقت رسالة صوتية من الرقم المجهول، وجاء في الرسالة: «هل أنت بخير يا عزيزتي ميمي».

لكن كارلا ردت على المحققين بأنها لم تستخدم هذا الرقم مطلقاً، ولدى سؤالها عن وجود علاقة بين خبير الحواسيب وبين ميمي أجابت: «لا أظن ذلك». وبعد أيام من وصولها إلى بيروت بعثت ميمي رسالة من الرقم نفسه تقول فيها بأن «الكذّاب» جرى توقيفه.

وكانت السلطات اللبنانيّة قد احتجزت زياد تقي الدين، وحين سئلت كارلا عن هذه الرسالة نفت مرة أخرى أن الرقم لها وقالت إن هناك احتمالاً باستخدام ابنها للهاتف أو خبير الحاسوب، ولكن لماذا ترسل ميمي رسالة من هذا النوع للأول أو للثاني؟ تجيب كارلا: «لا أدري.. أحاول مثلكم أن أفهم الموضوع»!

القضاء يستجوب سيّدة فرنسا الأولى السابقة كارلا بروني في قضيّة مشبوهة

لا يبدو أن أقوال مدام ساركوزي أقنعت المحققين، فهم يسجّلون عليها عدة لقاءات مع «ميمي» قبل وبعد سفر هذه الأخيرة إلى لبنان، فقد كانت كارلا قد أصدرت اسطوانة جديدة واحتاجت لصديقتها الصحافيّة للترويج للاسطوانة.

هذا ما قالته، لكن المحقّقين يعتقدون بوجود أسباب أخرى للقاءات المرأتين، وأن الهدف كان ترتيب تفاصيل عمليّة حث تقي الدين على تغيّير أقواله، وأمام ضغط المستجوبين اضطرت كارلا للتخلي عن صديقتها قائلة: «أظن أن ميمي استغلت اسم زوجي واسمي في هذه القضية لكي تعطي لنفسها وزناً أمام زملائها»، لقد وصفتها بأنها بارعة في السيطرة على الغير.. بالحيلة.

وطوال الاستجواب واصلت كارلا الدفاع عن زوجها بكل الوسائل، أما محاميها فإنه يستغرب التحقيق معها ومع زوجها في الوقت نفسه دون أسانيد وحجج قانونيّة منطقيّة، ويقول: إن السيدة ساركوزي مصرّة على الدفاع عن نفسها ونيل حقوقها في هذه القضيّة.