في السابع والعشرين من يوليو من عام 2018، أغمضت «فتاة العرب»عينيها، لكن «الشاعرة التي ابتلعت القمر» لم تطوِ دفتر أشعارها وما تزال قصائدها تعانق بقوة مفرداتها وعمق معانيها جماليات الحب والوطن والانتماء العميق للأرض.
هي عوشة بنت خليفة السويدي، التي لُقبّت بـ«فتاة العرب»، وهي من رائدات الشعر النبطي الإماراتي.. ولدت في مدينة المويجعي بالعين عام 1920 وترعرعت في بيئة ثقافية غنية بالشعر والفن، ما ساهم في صقل موهبتها الشعرية منذ سن مبكرة..
وعاشت وعايشت فترة التغيرات والتحولات في مسار الدولة من مرحلة الغوص بحثاً عن اللؤلؤ، إلى التطورات الهائلة في مجالات مختلفة على صعيد البنية التحتية والاقتصاد والثقافة، كما واكبت الخطوات الأولى نحو نهضة حداثية على كل المستويات وفي شتى الميادين.
محمد بن راشد أهداها لقب «فتاة العرب»
أما لقب «فتاة العرب»، فقد أطلقه عليها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي «رعاه الله»، في عام 1989 وقلدّها سموه وسام إمارة الشعر في عالم الشعر الشعبي، وخاضت معه مساجلات شعرية عدة..
وكان سموه قد أهداها ديوانه ودونّ في الإهداء:
أرسلت لك ديوان يا عالي الشان
ديوان فيه من المثايل سددها
يحوي على الأمثال من كمل من زان
ومن كل در في عقوده نضدها
فتاة العرب وأنتو لها خير عنوان
ومن غيركم بقصد معاني نشدها
وتتمثل البصمة الأبرز في مسيرتها في نيل الاعتراف بقوة شعرها من الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، وخاضت معه مساجلتين شعريتين..
وكان قد وصفها بأنها «ركن من أركان الشعر»، قائلا:
يا ركن عود الهوى وفنه
شاقني جيلك بالوصافي
طيف رويا لي امشجنه
شط بك وألحفك لتلافي
وتميزت الشاعرة عوشة بنت خليفة السويدي بموهبة فريدة وحافظت على التراث الشعبي الأصيل، عبر قصائدها التي استقت من لهجتها المحلية مفردات تتماهى مع واقعها الاجتماعي.
فمفردات اللهجة الإماراتية المحلية كانت حيّة في قصائدها وكانت على تماس مع أصالتها وتراثها حيث تخطت شهرتها وتأثيرها الإمارات إلى دول الخليج والعالم العربي..
لتحمل اللهجة الإماراتية إلى خارج حدود الوطن وتحلّق بقصائدها المغناة من قبل العديد من الفنانين إلى آفاق من الإبداع غير المتناهي الذي يزاوج بين الكلمة والموسيقى في إيقاع يحافظ على التراث ويستقي من ملامحه نبض الحياة.
ففي الثانية عشرة من عمرها، بدأت أولى قصائدها في الشعر النبطي ليضيء القمر كلماتها، كما جاء في حلم راودها ترويه للدكتورة رفيعة غباش، ولعبت عائلتها دوراً كبيراً في تنمية موهبتها الشعرية، في ظل الدعم والتشجيع المستمرين.
وننقل القصة كما وردت «في لقاء جمع الدكتورة رفيعة غباش بعوشة السويدي، أفصحت الشاعرة لها عن حلم راودها في الطفولة، فحواه أن القمر نزل على وجهها وابتلعته حتى نزل من فمها وأنفها وشع نوره في داخلها..
فأخبرت والدها بالحلم، الذي سأل بدوره أحد الشيوخ من منطقة ليوا، فأجاب الشيخ: سيهب الله عوشة علماً يضيء كما أضاء القمر».
وكانت الأديبة الدكتورة رفيعة غباش قد قامت بتوثيق إبداعات وأشعار الشاعرة عوشة في ديوان أطلقت عليه ديوان «عوشة بنت خليفة السويدي-الأعمال الشعرية الكاملة والسيرة الذاتية» وذلك عام 2011 وضمّ 80 قصيدة للشاعرة لم تكن منشورة من قبل، من أبرزها قصيدة «ربي يا واسع الغفران».
كانت قصائدها تحاكي المجتمع والوطن والحب والغزل والنقد الاجتماعي والمدح والإسلاميات، تمكنت من إثبات نفسها في مجتمع كان يسيطر فيه الشعراء الذكور.
في قصيدة إلى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، وعنوانها «يا مرحبا يا زايد الشعب»، تقول:
سعودي بيوم في سرور تهيالي في الجمعة المبروك مع طيّب الفالي
في ساحةٍ م العز مِليَت مهابه ومن دونها تحمى الشرف هيبة ارجالي
فاتبَيّن الأوفاق بالعاهل الذي من صادفه فاله من الخير ما فالي
زايد عسى عمره في الأعمار زايد ويمدّ في حفظه وفي حكمه امهالي
يا مرحبا يا زايد الشعب كلّما تبدا وتختم في سجاياك الأمثالي
في عام 2018، طوت عوشة بنت خليفة السويدي أيامها، لكن بقيت على موعد مع إرث شعري غني يحاكي الكثير من قضايا المجتمع وإسهامات كبيرة في إثراء الأدب العربي، ولما عكسته من قيم الحب والوطنية والإنسانية في شعرها..
حيث لم يزل هذا الإرث مصدر إلهام للشعراء وثراء للأدب العربي، كانت لا تنفك تشجع النساء على التعبير عن أنفسهن بالكتابة.
حصلت عوشة بنت خليفة السويدي على العديد من الجوائز والتكريمات تقديراً لإسهاماتها الأدبية الكبيرة؛ وأبرزها الجائزة التي قدمها لها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي «رعاه الله»، تقديراً لدورها البارز في إثراء الأدب الإماراتي.