قبل أشهر قليلة انطلق للعروض التجارية عالمياً، وبنجاح، فيلم «حرب أهلية» (Civil War) الذي افترض أن حرباً بين فريقين أمريكيين اشتعلت بعنف وقسمت البلاد إلى معسكرين، كما حصل في عام 1861، عندما وقعت الحرب الأهلية الأمريكية الفعلية واستمرت لأربع سنوات ذهب ضحيتها مئات الألوف.
ومؤخراً انطلق فيلم آخر بعنوان «لعبة حرب» (War Game) ليتناول الموضوع ذاته، ماذا لو شهدت الولايات المتحدة حرباً أهلية جديدة؟ ما الذي سيحدث؟ كيف سيتصرف أهل الحكم في البيت الأبيض والحكومة؟
أفلام عن حروب افتراضية
في الحقيقة لم يسعَ فيلم أليكس غارلاند «حرب أهلية» (2024) للافتراض، بل عالج موضوعه كحقيقة محتملة الوقوع، لم يتطرّق مثلاً لكيف؟، ولماذا؟، ولم يجب على أسئلة وتوقعات، بل استبدل كل ذلك بالحديث عن جهود سيدتين ورجلين من الصحافة لنقل الحقيقة كما يجب لها أن تُنقل..
وهذا يعني دخول المعترك وتحمّل المخاطر، بل دفع الأرواح فدية لعمل ينقل إلى الجالسين أمام أجهزتهم التلفزيونية (أو شاشات الكمبيوتر)، ما يبذله الآخرون من مشاق ومخاطر لنقله.
«لعبة حرب» يفترض بذلك أن يعالج المسألة من زاوية مختلفة، الفارق أن الفيلم الأول ينحى جانباً بموضوعه، ولو أن هذا يعني توقعاً محدوداً لقيام حرب بين الأمريكيين لأسباب سياسية.
سياسيون ممثلون
الفيلم الجديد، للمخرجين توني غربر وجيسي موس، يضع تصوّراً افتراضياً لنشوب تلك الحرب إثر انتخابات الرئاسة، ما إن يجلس الرئيس المنتخب في البيت الأبيض ومن قبل أن يسترخي على مقعده الوثير تحته، يفتح منافسه جبهة ضدّه، لكل فريق أعوان ولكل منهما ذخيرته من السلاح والقوى العسكرية.
كلا الفيلمين استنتجا احتمالات هذا الوضع من بين حيثيات فعلية مطروحة، تحديداً صعود نجومية دونالد ترامب، واحتمالات عدم فوزه مجدداً في الانتخابات المقبلة، والإشاعات التي سادت من أن حرباً أهلية ستقع بين بعض الولايات ضد ولايات أخرى، نوع من المواجهة المسلحة بين الديمقراطيين والجمهوريين.
في «لعبة الحرب» يضعنا الفيلم في المعضلة السياسية مباشرة ومن خلال شخصيات سياسية وأمنية فعلية، بينهم ويسلي كلارك ودوغ جونز وستيف بولوك (الذي يؤدي دور رئيس الجمهورية المنتخب جون هوثام) ولويس كولديرا، هناك ممثلون غير مشهورين، بينهم روبرت ستريكلاند، تم مزجهم بين الشخصيات الفعلية.
ستريكلاند يلعب دور الرئيس الذي خسر الانتخابات بفارق دقيق، لكنه ليس من النوع الذي يقبل النتيجة.
فيلم تسجيلي أم درامي؟
اعتبرت بعض المراجع (بينها IMDb) الفيلم تسجيلياً، هو في حقيقته طبخة تجمع المنهج التسجيلي مع التفعيل الدرامي، من ناحية أخرى لا يمكن اعتبار فيلم يقع في أي لحظة مستقبلية فيلماً تسجيلياً، ناهيك عن أن يكون وثائقياً أيضاً.
لكن استخدامه شخصيات حقيقية (بعضها ظهر في برامج ومقابلات تلفزيونية متحدّثاً عن الأمن والسياستين المحلية والدولية ولعب دوره كمحافظ أو حاكم ولايات) يجعله نوعاً من الافتراض المبرمج ليبدو تسجيلاً.
بلا حكاية... بلا نتيجة
يتداول المجتمعون في غرفة العمليات التابعة للبيت الأبيض الوضع في ما لو قامت المعارضة المسلحة بمحاولة انتزاع الحكم بالقوّة، تستمر المداولات لست ساعات حاسمة كان من المطلوب خلالها وضع خطّة للقضاء على التمرد المحتمل.
وضع المخرجان الخطة الزمنية لأجل إحداث تشويق وتوتر وهما ينجحان في ذلك إلى حدٍ كافٍ، لكن كل شيء يتبخر في النهاية نظراً لأن القرار النهائي هو أن على الحكم أن يبقى كما هو وأن الحل هو للقيادة بصرف النظر عن أي مشكلة أمنية أو سياسية تقع.
مسرح الأحداث محدود بمكان واحد غالباً، هذا يجعل الفيلم يبدو أقرب إلى لعبة مسرحية وليس كلعبة حرب أهلية، هم «ذ غود غايز» (الرجال الصالحون) الآخرون يتم وصفهم بـ«المتطرفين»..
لكننا إذ نتابع فيلماً يبحث في هذه الاحتمالات نتابع لعبة فعلية كتلك التي يلعبها الأطفال على طريقة «أبطال وحرامية»، فالمسألة الواضحة للجميع أن لا شيء جاداً يقع وأن الجانبين يمنحان المشاهد افتراضاً مُمثّلاً لا حقيقة له ولا يأتي بجواب شافٍ.
هو فيلم خال من القصّة الفعلية، يقوم على مبدأ «ماذا لو» وهو مبدأ جيد طالما أن هناك جواباً عنه، أو على الأقل، عمقاً في الطرح، هذا على صعيد المادة التي يسردها الفيلم، أما على صعيد الحرفة ذاتها فالوضع أفضل، حتى التمثيل من غير المحترفين يشارك في جعل الفيلم ترفيهاً صغيراً.
لا يجب أن يغيب عن البال أن فكرة العودة إلى حرب كبيرة تقع في الولايات المتحدة في الزمن الحاضر وردت في أكثر من فيلم (وبعض الأعمال التلفزيونية) كما حال «كابتن أمريكا: حرب أهلية» الذي أخرجه الأخوان أنطوني وجو روسو في غمار سلسلة الكوميكس الشهيرة.
في هذا الفيلم الذي تم عرضه في عام 2016، فإن تلك الحرب نشبت بسبب الأمم المتحدة (هناك منصّات أمريكية حالياً تعتبر الأمم المتحدة وكالة ذات مكائد ومآرب ضد الولايات المتحدة) وقسّمت أبطال الكوميكس إلى فريقين، كلٍ في اتجاه مضاد للآخر.