24 سبتمبر 2024

موزة الحمراني: معرض "الصفحة الرئيسية" يربط العالم الرقمي بواقعنا ويعكس علاقتنا المعقدة بالإنترنت

محررة في مجلة كل الأسرة

موزة الحمراني: معرض

رحلة إلهام وإبداع تخوضها موزة الحمراني، وهي رسّامة ومصمّمة وسائط متعدّدة، من خلال معرضها «الصفحة الرئيسية» الذي يقام في «تشكيل» (فن ديزاين)، بدبي، ويستمر حتى 15 أكتوبر الجاري. رؤى فنية، وعناصر حركية، وأدوات وتقنيات تستخدمها في تصميم الوسائط، حيث يظهر تأثير الإنترنت في مسارات عوالمها، مؤكدة، في حوارها مع «كل الأسرة»، أن«الإنترنت لم يكن بالنسبة لي مجرد وسيلة لتصفح المعلومات، بل كان فضاء مفتوحاً للاكتشاف، والإبداع».

من هذا المنطلق، تُبرز الحمراني آليات تحويل تجربتها الشخصية مع الإنترنت إلى رحلة فنية تنبض بالتجديد والتفاعل، وإلى «دعوة للتفكير مليّاً في علاقتنا مع العالم الرقمي».

موزة الحمراني: معرض

فكرة المعرض تطلّ على سيرتك الذاتية، وأثر الإنترنت في حياتك. كيف تشرحين لنا علاقتك مع الإنترنت، ومتى كان التماس مع عوالمه؟

كنت صغيرة جداً عندما تمكنت من الوصول إلى الإنترنت، لأول مرة، في بداية عام 2000. لم يكن الأمر علنياً، أو متاحاً بشكل واسع. كنت أتعرّف إلى مواقع محدودة، ولكنها كانت نافذتي على عالم واسع جداً بالنسبة لي. الإنترنت وسّع من رؤيتي، وأتاح لي التواصل مع أفراد من مختلف الخلفيات والثقافات، وهذا أثر فيّ، وأثرى تكويني الفني والتفاعلي، وشكلّ لي الحيّز الصغير خلال مراحل نشأتي. ففي تلك المرحلة، لم يكن الإنترنت مجرد وسيلة ترفيه، بل كان بوابة إلى معرفة لم أكن أتخيّلها.

كنت أشعر كأنني أتحرّك في عالم مختلف تماما ًعن واقعي، وهذه التجربة جعلتني أدرك أنّني أستطيع أن أتعلّم، وأكتشف الكثير، وكان لها تأثير عميق في شخصيتي كفنانة حيث أتاحت لي الفرصة لنشر أعمالي، ومشاركة محتوياتي مع جمهور أكبر بكثير مما كنت أتصور. فأنا أحب الإنترنت، و«أعيش عليه». إنه جزء من حياتنا اليومية والفن التفاعلي الذي أقدّمه يعكس العلاقة المعقدة التي أعيشها مع الإنترنت، لكونه ليس مجرد وسيلة، بل جزء من طريقتي في فهم العالم.

موزة الحمراني: معرض

كيف انعكس ذلك في معرضك الحالي؟

في معرضي الحالي، أحاول أن أسلط الضوء على ماضي الإنترنت في الخليج، حيث كنا محافظين جداً في بداية ظهوره، إلا أنه وسّع الكثير من المفاهيم المعرفية لدينا. وأحد أبرز الأعمال في المعرض يحمل اسم «كمبيوتر»، وهو عمل مستوحى من أول ملامح معرفتي بالكمبيوتر والإنترنت المستقاة من المجلات والكتب المدرسية، وكانت تجربة مختلفة عن اليوم.

فالمعرض يجسّد بدايات الإنترنت، وتأثيرها في تطوّري الفني والمهني. بين عامَي 2000 و2009، كنت أتعرف إلى مواقع جديدة بشكل مستمر، وكانت تلك المواقع تعتبر عالماً جديداً وملهماً. حاولت أن أجمع المحتوى الرقمي بدءاً من بداية الألفية حتى عام 2009، وأحوّله من مجرد معلومات رقمية إلى وسائط فنية تلخّص تجربتي مع التكنولوجيا والإنترنت.

موزة الحمراني: معرض

الرسم.. لغة التواصل مع الآخر

رحلتك مع هذا العالم.. كيف ترصدين بداياتها؟

في الروضة، كنت أرسم لأعبّر عن مشاعري، وأفكاري. كان الرسم طريقتي الخاصة للتواصل مع من حولي، والتعبير عمّا في داخلي، ومشاركة مشاعري مع الآخرين، حيث كنت أقدّم الرسومات كهدايا لأصدقائي وأفراد العائلة، كأنني كنت أبحث عن طريقة للتواصل معهم بلغتي الخاصة. هذا الميل الفطري للفن كان الأساس الذي انطلقت منه إلى عالم الفن الرقمي.

ومن خلال تماسي مع عالم الإنترنت، شعرت بأنّه (أي الإنترنت) أضاف بعداً جديداً لهذا التواصل، ومكّنني من إرسال رسوماتي لشخص في السعودية، أو مصر، أو أي مكان في العالم، ما وسّع من دائرة تأثيري الفني، وأعطاني القدرة على عرض أعمالي للعالم.

كيف ترين نفسك اليوم مقارنة ببداياتك مع الإنترنت؟

نعيش اليوم في عصر الإنترنت، ويشكّل جزءاً كبيراً من حياتنا اليومية، ويشغل جانباً كبيراً من تفكيري، وإبداعي. أعمل على أعمال تفاعلية وغامضة، وأرى نفسي فرداً قادراً على تقديم محتوى فني يعكس كل تلك الرحلة، حيث الإنترنت جزء من تطوري الشخصي والفني. في المعرض، أركز على كيفية تأثير التكنولوجيا في الهوية، والذاكرة، وأحاول نقل هذه الأفكار من خلال أعمالي التي تجمع بين الماضي الرقمي، والحاضر الفني.فأنا أشعر بأنني أنتمي لهذا العصر الرقمي، وأعمالي تعكس هذه الرحلة.

موزة الحمراني: معرض

ما الرسائل التي ترغبين في إيصالها من خلال المعرض؟

أرى أن الفن التشكيلي لا يقتصر على الجماليات البصرية فقط، بل هو وسيلة لنقل رسائل تعكس تجربتي كإماراتية، وامرأة. أحاول تسليط الضوء على قضايا مجتمعي، وهناك العديد من «التابوهات» المجتمعية التي نعيش معها، وأرى أن الفن هو وسيلة لفتح الحوار حولها، ولكن بأسلوب فكاهي.

فالفكاهة جزء أساسي من فني، ومن طريقتي في التعبير، لكونها تساعدني على تناول المواضيع الصعبة بطريقة تجعلها أسهل للطرح، والفهم، وهي (أي الفكاهة)، وسيلة فعّالة للوصول إلى الناس، وفتح الحوار حول قضايا هامة بطريقة غير تقليدية. على سبيل المثال، يجب أن نتحدث عن الصحة النفسية، إذ في بعض الأحيان يُنظر إلى المشاكل النفسية على أنّها عار، ومن الضروري معرفة كيفية التعامل مع مواضيع أخرى، ومنها النظرة تجاه المرأة في بعض الأحيان.

أذكر أن أحد رسوماتي ويمثل امرأة تتناول مشروباً، ودوّنت على الكوب عبارة «ممنوع الرجال»، صادف نشره في الوقت نفسه الذي أعلنت فيه المملكة العربية السعودية عن السماح للمرأة بالقيادة. لم يكن الأمر مقصوداً، لكن تزامن ذلك مع هذا الحدث، ما عرّضني لهجوم إلكتروني.

بين رؤيتك الفنية وشخصيتك، هل هناك رابط واضح؟

نعم، هناك رابط قوي. لديّ دافع وحافز قوي من هذه الناحية، وأحياناً قد لا يفهم أهلي طبيعة عملي بالكامل، وأحاول أن أشرح لهم ما أقوم به، لكن قد تكون هناك «ثغرة» في إيصال رسالتي إليهم، للاختلاف بين جيلي وجيلهم، لكنهم يحاولون فهمي، ودعمي على طريقتهم. اسمي «موزة» على اسم عمّة والدي، ويردّد والدي إنّ شخصيتي تشبهها.

فهل تعتبرين متمردة؟

(تضحك)، قد أكون كذلك بالنسبة إلى أهلي، وأعتبر نفسي كذلك في بعض الأمور. صحيح أنني ورثت بعض التمرّد، ولكنني أحاول أن أعبّر عن نفسي بأسلوبي الخاص.

موزة الحمراني: معرض

يحمل هذا المعرض رسائل عدّة بينها رسائل توعويّة حول استخدام الإنترنت، ما هي رسالتك للجيل الحالي الذي أنت منه؟

الإنترنت وسيلة قوية، وله تأثير كبير في مجتمعنا، سواء بشكل إيجابي، أو سلبي. الإنترنت يقدم الكثير من الفرص، لكنه محمّل بالمخاطر. كفنانة، أشعر بفضل كبير للإنترنت، وقدرتي على استخدامه كأداة للتعبير الفني. فقد نشأت في التسعينيات قبل الإنترنت، وقبل وسائل التواصل الاجتماعي، وكنت شاهدة على كل هذه التطورات، وأحاول من خلال فني أن أقدم التراث الثقافي لدولتي بأسلوب عصري، ورقمي.

ليس الهدف أن أغيّر تفكير الناس، بل أن أقدم لهم طريقتي في رؤية الأمور، وأترك لهم حرية التفكير والتفاعل مع الأعمال الفنية، وبالأخص أن الإنترنت كان مصدراً للإلهام والفرص، سابقاً، في حين بات اليوم مصدراً للقلق، وتشتت الأفكار، ومعرضي هو انعكاس لهذه الأفكار المتناقضة.

رسالتي موجهة للشباب، سواء كانوا رجالاً أو نساء: أحاول أن أنقل تجربتي الثقافية والشخصية من خلال الفن، وأجعلها مرئية للآخرين. فإذا وجدوا في تجربتي شيئاً يتواصلون معه، فهذا ما أهدف إليه. لا أحاول تغيير تفكيرهم، ولكن أترك لهم فرصة التواصل مع ما أقدمه.

موزة الحمراني: معرض

ما هو طموحك كفنانة؟

طموحي كفنانة هو أن أواصل تقديم الفن الذي يعبر عن تجربتي الشخصية والثقافية، وأستمر في استخدام التكنولوجيا والوسائط الرقمية لتوصيل رسائلي بشكل أعمق، وأكثر تأثيراً. الفن هو طريقتي للتواصل مع العالم، وأطمح إلى أن أستمر في تقديم أعمال تجعل الآخرين يفكرون، ويتفاعلون.

نحن كأفراد، نحب أن نسهم في هذا النوع من المحتوى الذي يعيدنا إلى جذورنا، ويجعلنا نفكر بعمق. فالمعرض يتحدث عني، ويحمل جزءاً من شخصيتي، واهتماماتي، ويعكس صدقي مع نفسي.

أسلوبك في اللباس والشعر مختلف، هل تحاولين التمايز؟

نعم، كل فنان يحاول أن يكون مختلفاً. على الصعيد الشخصي، أحاول أن أتمايز بأسلوبي الخاص في مظهري، وطريقة التعبير عن نفسي. لا أحب أن أتبع الموضة بشكل أعمى، لكني أدمج بين ما يناسبني من الموضة، وبين ما يعكس هويتي كفنانة.

* تصوير: السيد رمضان