حين ننظر إلى عالم الأزياء من الخارج، نجده عالماً مغرياً متجدداً، لا يخطف أنظارنا فحسب، بل يحفّزنا على مواكبة آخر صيحات الموضة، واقتناء كل ما هو جديد. ولا يسعنا سوى أن نؤكد لكم أن تأثير صيحات الموضة يختلف من شخص لآخر، ولكل منا طريقته الخاصة في الاستجابة لها.
أما بالنسبة إلى أولئك الذين يخضعون للضغوطات الاجتماعية التي يمارسها عليهم عالم الموضة والجمال، فنقدم لهم عدداً من النصائح مع الدكتورة جورفين رينجر، طبيبة نفسية متخصصة في علم النفس السريري، أخصائية علاج البالغين لدى «عيادات سيج»، لتجنب الآثار السلبية لمتابعة تلك الصيحات:
د. جورفين رينجر
لماذا نتابع آخر صيحات الأزياء؟
يمكننا أن نستعين هنا بنظرية الهوية الاجتماعية لمعرفة ذلك، والتي تشير إلى أننا نميل، نحن البشر، بشكل فطري، إلى العيش ضمن مجموعات اجتماعية، ونفضّل الانتماء إليها، نظراً لما تمنحه لنا من شعور بالانتماء واحترام الذات، وهي في الوقت نفسه، تساعدنا على اتّباع مواقف اجتماعية، تُميّزنا عن أفراد المجموعات الأخرى. فالهويات العرقية والثقافية والمهنية والدينية، وغيرها، كلها شكل من أشكال الهويات الاجتماعية، وليست الأزياء بمنأى عن الهوية الاجتماعية للأفراد، فهي وسيلة قوية للتعبير عن الذات، والانتماء الاجتماعي. وكلما حظينا بالمديح والإطراء على ملابسنا من أفراد مجتمعاتنا، شعرنا بمزيد من الثقة، وازدادت رغبتنا في مواكبة آخر الصيحات. وبالطبع، يمكننا العيش على هذا النحو لفترة قصيرة، لكن ماذا لو استمرت هذه الرغبة لفترة طويلة ووصلت إلى حالة الإدمان؟
ماذا يحدث حين تقارن نفسك بغيرك من المؤثرين والمشاهير؟
تقديم صورة واقعية ومتنوعة للناس في مختلف الوسائط، يترك أثراً عميقاً على ما نشعر به تجاه أنفسنا، فلا شك في أن المقارنة الاجتماعية بحد ذاتها قد تؤثر سلباً في صحتنا النفسية. فعندما نتصفح الملفات الشخصية للمشاهير، والمؤثرين، وعارضات الأزياء، ونشاهد أمام أعيننا يومياً، مجموعة الإعلانات المختارة بشكل استراتيجي لتظهر لنا وتناسب كل منا على حدة، نشعر بالنقص، وبأننا أقل شأناً من تلك الشخصيات، ونغرق في دوامة المقارنات، ونحاول عبثاً، إيجاد ما يعزز من قيمتنا. وبغض النظر عمّا نبذله من محاولات بائسة، لن نتمكن من بلوغ مستوى الكمال الزائف الذي تصوّره الإعلانات، وتُشيد به مختلف الصفحات، فهذه الصيحات السائدة في عالم الجمال والموضة دائمة التغيّر والتطور، وتلك الملابس لا تبدو رائعة حين نضعها على أجسادنا البشرية الطبيعية غير المزيفة، الأمر الذي يجعلنا نكوّن نظرة سلبية تجاه أجسادنا.
هل حياة الـ«سوشيال ميديا» حقيقية أصلاً؟
هل فكرت يوماً في مدى واقعية المحتوى الذي تشاهده يومياً؟ للأسف، غالباً ما يسلط عالم الأزياء الضوء على صورة نمطية مفضّلة في شكل الأجسام، ويهمّش الأشكال الأخرى المتنوعة للجسد البشري، ما يجعل الكثير من الناس يشعرون بأنهم غير لائقين، أو أن أجسادهم غير مقبولة، ولهذا فإن اتّباعنا الأعمى لآخر صيحات الموضة والجمال سيجعل في نهاية المطاف الإحساس بعدم الثقة بالنفس وتقدير الذات يجتاحنا.
ما هو أثر الضغوطات المادية من وراء الصيحات والتريندات؟
من الأهمية بمكان تسليط الضوء على الضغوطات المالية التي تنشأ جرّاء السعي للتماشي مع المعايير الاجتماعية في عالم الموضة. ففي مجتمع يولي أهمية كبيرة للمظاهر الخارجية، وأحدث الاتجاهات، يجد الأفراد أنفسهم أمام تحدي التوفيق بين رغباتهم في الانتماء والتعبير عن هويتهم من خلال الموضة، وبين قدرتهم المالية الشرائية، ما قد يتسبب بتأثيرات سلبية معقدة في الصحة العاطفية والنفسية، وشعور متنامٍ بالقلق والتوتر إزاء ذلك.
كيف نتجنب الآثار النفسية السلبية المترتبة على الجري وراء عالم الموضة؟
- احرصوا، أولاً وأخيراً، على مشاهدة محتوى متنوع. راجعوا مجموعة الملفات الشخصية التي تتابعونها، هل تتضمن مجموعة متنوعة من أشكال الأجسام والأعمار؟
- تأكدوا من متابعة بعض الحسابات التي تعرض حقائق الصور المزيفة، فمن شأن إضافة مثل هذا المحتوى إلى الصفحات التي تتابعونها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أن تساعدكم على تكوين نظرة متوازنة.
- تذكّروا دوماً القيم التي تؤمنون بها، واحرصوا على تكوين علاقة إيجابية مع الموضة التي تتماشى مع تفضيلاتكم الشخصية، وليس المفروضة عليكم من الوسط الخارجي.
- سيطروا على رغبتكم في الشراء، وتجنبوا الوقوع في فخ الاندفاع والتهوّر، وامنحوا أنفسكم فترة تهدئة قد تستمر لمدة 24 ساعة، أو حتى أسبوع، قبل أن تشتروا ما ترغبون فيه. وهكذا سيكون لديكم الوقت الكافي للتفكير مليّاً، في السبب الحقيقي لعملية الشراء والجوانب التي أثرت فيكم، وفيما لو كنتم بحاجة فعلاً، إلى اقتناء هذا الشيء.
- فكّروا في ما تمتلكون، واشكروا الله على النِّعم التي في أياديكم. فمن شأن إبداء الامتنان والتقدير لممتلكاتكم الحالية أن يقلل من رغبتكم في الحصول على المزيد.