أهازيج البحر، تلك الألحان التي ارتفعت من أعماق المحيط لتصل إلى شواطئ الإمارات، تحمل في طيّاتها تاريخاً عريقاً، وحضارة بحرية مزدهرة، فقد جرى توارث هذه الأهازيج من جيل لجيل، كسجّل حيّ لأيام مضت، حين كان البحر مصدر رزق للبحارة والتجار الإماراتيين، حيث حملت المحامل الشراعية أحلامهم وهمومهم، لشهور، طوال مدة رحلاتهم التي كانوا يقومون بها في الخليج العربي.
شباب الفرقة الشعبية المشاركة في الفعالية
وقد نظمت هيئة الشارقة للمتاحف، أخيراً، فعالية «السنيار» في متحف الشارقة البحري، للعام السادس على التوالي، تحت عنوان «حِرف ومهن»، بهدف إحياء تراث الأجداد والآباء، وتعزيز قيم الأصالة في نفوس الشباب، لتشجيعهم على الربط بين الحاضر والماضي، والتعرف إلى تاريخ بلادهم البحري، وكيف اعتمد الأجداد على البحر كمصدر للحياة، والتجارة، حيث التقينا عدداً من الشباب التابعين للفرق الاستعراضية التراثية، الذين احتفوا بأهازيج البحر، كما التقينا أصحاب الحرف والمهن البحرية التقليدية التي مارسها أهل المنطقة في الماضي.
نحفظ مجد الأجداد
يقول أحد أعضاء الفرقة الاستعراضية في الجمعية التراثية، فهد علي كاظم «أحببنا الأهازيج البحرية لذلك حافظنا عليها، وبدورنا، نقوم بنقلها للجيل الأصغر، وبالمناسبة، هذه الأهازيج ليست مجرّد أغانٍ، أو أناشيد، بل هي القصص التي عاشها أجدادنا، وتحكي عن شجاعتهم وصبرهم، والتحدّيات التي واجهوها، فنحن نفخر بهذا التاريخ، ونكمل المجد الذي صنعوه بأنفسهم، فقد تعلّمنا من كبار السّن في الجمعية التراثية هذه الأغاني، ونعلّمها لكل من يحب هذا التراث.
ففي زمن التطور التكنولوجي السريع، تتجدّد أهمية الحفاظ على تراثنا البحري، وأهازيجه جزء لا يتجزأ منه. هذه الأهازيج ليست مجرّد ذكرى لماضي، بل هي مصدر إلهام للأجيال الجديدة، وتذكير بهويتنا الإماراتية الأصيلة. ومن خلال استعادة هذه الأهازيج، وتقديمها بطرق عصرية، يمكننا تعزيز الانتماء الوطني، وتقدير قيمة تراثنا البحري».
جزء أصيل من هويتنا
أما خليفة محمد، فهو عازف المزمار في الفقرة، ولفت إلى أن أغلب هذه الأهازيج تكون باللغة السواحلية، التي أتت من أفريقيا، تناقلها الصيادون، وأتت للإمارات كأهازيج البحر، لتصبح جزءاً أصيلاً من هويتنا الثقافية، وتعكس في معانيها عمق ارتباطنا بالبحر، وتاريخنا البحري العريق، والتي تستحق أن تُحفظ، وتُدرس، وتُنشر، لكي تبقى حيّة في ذاكرتنا.
مرآة تعكس حياة الصيادين
من جهته، أوضح علي أحمد الكندي «كان أهل البحر يتحدثون بلغة سواحلية، وهي لغة عالمية اكتسبوها من الدول التي كانوا يسافرون إليها، هذه الأغاني ليست مجرّد وسيلة للتسلية، بل هي مرآة تعكس حياة الصيادين اليومية، صراعاتهم مع البحر، فرحتهم بالصيد الوفير، وحزنهم على من فقدوهم في البحر، فالصيادون يصوّرون حياة البحر كلوحة فنية، يتغزلون به، ويصفون جمال الشواطئ التي يرسون فيها، ويتذكرون أسَرهم الذين ودّعوهم بالأغاني الحماسية المشجعة».
مهنة الأجداد
وفي حوار مع صانع شبك الصيد «الطراقة»، علي عبدالله محمد، أشار إلى اختلاف الخامات التي تستخدم في صناعة شبكة الصيد «الطراقة»، وشرح «يشرّفني أن أكون محافظاً على مهنة أجدادنا الصيادين الذين كانوا ينسجون شباك الصيد بأنفسهم، وبخامات أشدّ قسوة على اليدين من الخامات الحديثة المتوفرة اليوم».
صناعة المالح
تعجبت أمينة سعيد عندما علمت من أحد الصيادين المشاركين في الفعالية، أن تمليح الأسماك، وهو تقليد عريق في الإمارات، كان يتم من أجل الحفاظ على الأسماك لفترات طويلة، بخاصة في الأوقات التي يصعب فيها الصيد، فقد شرح الصياد عيسى طريقة تمليح سمك الكنعد والقباب، التي يمتد جذورها إلى عمق التاريخ، حيث اعتاد أهل الساحل حفظ الأسماك بطريقة التمليح لتوفيرها طوال العام، ليتحوّل إلى جزء لا يتجزأ من التراث الثقافي الإماراتي.
بيئة تعليمية تراثية
وتعليقاً على الفعالية، أشاد محمد الشحي، رئيس مجلس إدارة جمعية المطاف للتراث والفنون البحرية، بإقبال الشباب الإماراتي على تعلّم حِرف الأجداد، وقال «يسهم مركز المطاف البحري بشكل فعال في الحفاظ على التراث البحري الإماراتي الأصيل من خلال برامجه التدريبية الموجهة للشباب، ويوفر المركز بيئة تعليمية عملية تتيح للمشاركين التعرف إلى مختلف جوانب الحياة البحرية التقليدية، بدءاً من صناعة السفن الخشبية، وحتى مهارات الملاحة والصيد، حيث نقوم بتزود الشباب بالمعرفة والمهارات اللازمة للحفاظ على تراث الآباء والأجداد، ونقله إلى الأجيال القادمة».