7 فبراير 2022

د. حسن مدن يكتب: التشافي من الماضي

كاتب بحريني، يكتب زاوية يومية في جريدة "الخليج" الإماراتية بعنوان "شيْ ما"

كاتب بحريني، يكتب زاوية يومية في جريدة "الخليج" الإماراتية بعنوان "شيْ ما"، صدرت له مجموعة من الكتب بينها: "ترميم الذاكرة"، "الكتابة بحبر أسود"، "للأشياء أوانها"، "يوميات التلصص".

د. حسن مدن يكتب: التشافي من الماضي

أغلبية الناس، وربما كلهم، نساء كانوا أو رجالاً، لا بد وأن يكونوا مرّوا بخيبات عاطفية، متفاوتة الشدة والألم، في حياتهم، ويجدون أنفسهم محمولين على القطع مع شراكة عاطفية، وربما زوجية أيضاً، إما باختيارهم وإرادتهم، وإما لأن الشريك اختار إنهاء الشراكة، وحتى في حال كانوا هم من اختاروا انهاء هذه الشراكة لأنهم لم يجدوا أنفسهم فيها كما يرغبون، فإن ما يلي ذلك مباشرة لا يكون سهلاً، حين يجد الواحد منهم نفسه في وضع جديد في الكثير من الأمور، وقد يشعر بفراغ عاطفي ونفسي، مؤلم في الكثير من الحالات.

سيتعين على الخارجين من تجارب فاشلة أو خيبات أن يستأنفوا حياتهم، ولكن ببداية جديدة، ولكي تكون كذلك فعلاً عليهم أن يقطعوا مع الماضي، ويتشافوا من آثاره، لأنهم إن ظلوا أسرى له، لن يفلحوا في التأسيس لما يليه، وسيظلون يدورون في الدائرة نفسها، مسكونين بما يسميه المختصون وعلماء النفس بعقدة «القلب المكسور»، خاصة إذا ظلوا مشدودين إلى الشريك السابق، وممنين النفس بالعودة إليه، عبر استعادة الجميل والسعيد والمبهج من الذكريات معه.

لو عدنا إلى رصيد الأغنيات العاطفية، بما فيها العربية، لوجدنا تعبيرات شتى لمثل هذه المشاعر، وسنكتفي هنا بالأغنية الشهيرة للسيدة أم كلثوم «فكروني»، التي كتب كلماتها عبدالوهاب محمد ولحنها الموسيقار محمد عبدالوهاب، التي تظهر كلماتها أن مجرد تذكر هذا الشريك كافٍ لأن «يصحي نار الشوق» في القلب، ويرجع «الماضي بنعيمه وغلاوته وبحلاوته وبعذابه وبقساوته»، وبوسعكم تخيّل «كوكب الشرق» وهي تصدح «كلمتين اتقالوا شالوا الصبر مني/ صحوا في عينيا حنينهم لابتسامك/ صحوا سمعي يود كلمة من كلامك/ صحوا حتى الغيرة صحولي ظنوني/ وابتدى قلبي يدوبني بآهاته/ وابتدى الليل يبقى اطول من ساعاته».

في تفسير ذلك يقول أحد علماء النفس، واسمه جاي وينش، في كتاب له عنوانه «كيف تعالج القلب المكسور» إن ما يواجهه المنفصلون عن علاقة يشبه ما يعانيه المدمنون حين يتوقفون عن تعاطي التدخين أو المسكرات، فالآليات التي تنشط في الدماغ حينها هي نفسها، لذلك يقدّم نصيحة تبدو قاسية وفحواها «لا تسترجع ذكرياتك الجيدة مع الحبيب السابق لأنك في الحقيقة بذلك تستلم لإدمانك»، وينصح أيضاً بالتالي «لا تبحث عن سبب الانفصال، وإلا فإن عقلك سيتشبث بالأمل ويشدك إلى الوراء».

يدعو عالم النفس هذا أيضاً إلى ملء الفجوات الناجمة في حياة الشخص الناجمة عن الفراغ الكبير بعد الانفصال، «ولكن ليس بشريك جديد، ولكن مع نفسك، حاول أن تجد مصادر جديدة للسعادة كالعمل على هواية وتطوير مهاراتك، السفر، وتحديد أهدافك في الحياة».

 

مقالات ذات صلة