22 يونيو 2022

العالم الأزهري د. عطية لاشين: ابتعدوا عن أدعياء "السوشيال ميديا" الذين يفتون الناس دون علم

محرر متعاون

محرر متعاون

العالم الأزهري د. عطية لاشين: ابتعدوا عن أدعياء "السوشيال ميديا" الذين يفتون الناس دون علم

في ساحة الإفتاء يختلط الحابل بالنابل، ويخلط الكثيرون بين أحكام الدين الصحيحة والاجتهادات الخطأ.. وبعض الناس يبحثون عن الأحكام الشرعية التي تبرر لهم تصرفاتهم، وهناك من يبحث عن الرخص الشرعية ليطبقها في حياته، ويتجنب ما لا يتوافق مع هواه ورغباته وطموحاته.. فما موقف الشرع من كل هذه السلوكيات؟

ذهبنا إلى عالم شريعة إسلامية متمكن له باع طويل في تعليم أصول وقواعد الشريعة لأبناء العالم الإسلامي بالأزهر وله مكانته في عالم الإفتاء وهو د. عطية لاشين، أستاذ الشريعة الإسلامية وعضو اللجنة العامة للإفتاء بالأزهر الشريف، الذي أكد لـ«كل الأسرة» أن الفتوى والكلام في الحلال والحرام والمباح والمحظور من الأمور الخطرة، وطالب الجماهير المسلمة في كل مكان أن تحرص على معرفة أحكام الدين الصحيحة من العلماء المؤهلين وليس من الأدعياء الذين يتحدثون في أمور الدين عن جهل وعدم وعي بالمقاصد الشرعية.

لذلك يحذر د. لاشين الجماهير المسلمة في كل مكان من اللجوء لأدعياء الفتوى الذين انتشروا في وسائل الإعلام العربية وعبر مواقع التواصل الاجتماعي، ولا يملكون مؤهلات الفتوى والحديث في أمور الدين.

وشدد على أن الشريعة الإسلامية تتميز بالمرونة والسعة، وتستوعب تعدد آراء العلماء والفقهاء في المسائل الاجتهادية، وهي تجسد مظاهر الرحمة والسعة بالأمة.. لكن للشريعة الإسلامية رجالها الذين درسوها واستوعبوا أحكامها ولديهم القدرة على استنباط الأحكام وتكييفها على الواقع، وهؤلاء العلماء هم الأعلم بما يتحدثون فيه، ويجب أن تترك أمور الفتوى لأهلها من العلماء المتخصصين حتى لا نشيع بين الناس أحكاماً شرعية غير منضبطة أو فتاوى عشوائية.

د. عطية لاشين، أستاذ الشريعة الإسلامية وعضو اللجنة العامة للإفتاء بالأزهر الشريف
د. عطية لاشين، أستاذ الشريعة الإسلامية وعضو اللجنة العامة للإفتاء بالأزهر الشريف

البعض يبحث عن رخصة شرعية لتصرفاته ورغباته.. ما موقف الشرع من هؤلاء؟

واجب المسلم في كل وقت وفي كل مكان أن يبحث عن حكم الشرع الصحيح ليعمل به، وليس الحكم الذي يرضي هواه ويلبي رغباته وأهوائه، والمسلم الحق لا يبحث عن الرخص الشرعية ويتصنعها لكي يهرب من التكاليف والواجبات، ولذلك دائماً ننصح الجميع أن يعودوا للعلماء الثقات المتخصصين في الشريعة الإسلامية، لكي يعرفوا من خلالهم أحكام دينهم، وهؤلاء العلماء موجودون في كل مكان، والوصول إليهم سهل وميسور سواء من خلال اللقاء بهم شخصياً في لجان الفتوى المنتشرة في كل البلاد الإسلامية، أو من خلال وسائل الاتصال والتواصل الحديثة والتي يسرت التواصل بين الجماهير والعلماء.

قد يختلف الحكم الشرعي في قضية أو قضايا من بلد لآخر في وقت واحد، فيفتى لأهل مصر برأي ولأهل العراق مثلاً برأي آخر، وقد يختلف الحكم الشرعي من عصر لعصر، ولا حرج في كل ذلك، بل هذا هو المطلوب، وهو مقصود شريعتنا الإسلامية للتيسير على المسلمين

هناك شكوى من خلافات العلماء وعدم اتفاقهم على رأي واحد في بعض الأمور، كيف تنظرون في الأزهر إلى هذا الأمر؟

الدارس للشريعة الإسلامية، والفاهم لمقاصدها وفلسفة التشريع فيها، يدرك أنها شريعة مرنة، وتتميز بالسعة واستيعاب كل أحداث الحياة وتطوراتها، وتعدد الآراء في الأمور الاجتهادية من مظاهر رحمة الله بعباده، وليس أبداً من أسباب حيرتنا وقلقنا واضطرابنا كما يفهم السطحيون من الناس.

وهنا علينا أن نفرق بين أمرين: أحكام العقائد، وقليل من مسائل الفقه، وهي المعروفة بالأصول، كفرضية الصلاة، والصيام، والزكاة، والحج، وعدد الصلوات وركعاتها، وأنصبة الزكاة ومقدار الواجب فيها، ووقت الصيام، وتحريم القتل والسرقة، وشرب الخمر.. فهذه الأمور يناسبها الثبات، وهي بالفعل في شريعتنا الإسلامية ثابتة، ولا يجوز لأحد أن يفتي بغير ما جاءت به الشريعة، كما لا يجوز له الاجتهاد فيها.

وهناك أمور لا يناسبها الثبات، ويشق على الناس الامتثال لحكم لا يتغير مع ارتباطها بحركة العصر، واختلاف القدرات، وتفاوت الطاقات. ولذلك كلفت شريعتنا الغراء أهل الاختصاص من العلماء المجتهدين ببذل الجهد، وإعمال عقولهم لفهم مرادها، والتفاني في تقدير أحكامها وفق ما يحقق مصلحة المسلمين، ولذلك قد يختلف الحكم الشرعي في قضية أو قضايا من بلد لآخر في وقت واحد، فيفتى لأهل مصر برأي ولأهل العراق مثلاً برأي آخر، وقد يختلف الحكم الشرعي من عصر لعصر، ولا حرج في كل ذلك، بل هذا هو المطلوب، وهو مقصود شريعتنا الإسلامية للتيسير على المسلمين، وربط حياتهم العامة والخاصة بأحكام شرعية تحقق لهم المصالح، وتحميهم من مفاسد وضلال كل عصر.

لذلك ننصح الجميع باللجوء إلى لجان الفتوى المنتشرة في كل البلاد العربية والتي تضم العلماء المتخصصين في أمور الشريعة الإسلامية لسؤالهم عما يعن لهم، والبعد عن الأدعياء الذين يفتون الناس دون علم، ودون فقه، ودون تأهيل لتحمل هذه المسؤولية الجسيمة.

كما ننصح الجميع باحترام علماء الفتوى والتعامل بما يصدر عنهم بوعي، وليس مطلوباً من العلماء أن يتفقوا في الأمور الاجتهادية فهذا تضييق على الناس، فالحكم الشرعي الذي يحقق مصلحة الناس في مصر في أمر اجتهادي قد يختلف مع الحكم الشرعي الذي يحقق مصلحة المسلمين في نيجيريا أو غيرها من بلاد العالم الإسلامي.

ومن هنا نؤكد أن اختلاف العلماء يكون في الأمور الاجتهادية التي لم يرد فيها نص شرعي قاطع الثبوت والدلالة، والأمور الاجتهادية التي تتغير فيها الأحكام قد جعلها الشارع الحكيم أضعاف الأمور الثابتة رحمة بالمسلمين ورفقاً بأحوالهم في كل العصور والأزمان، وهذه الأمور لو تصدى لها العلماء ممن لهم القدرة على الاجتهاد والبحث والتحري واختيار ما يحقق مقاصد الشرع ومصلحة المسلمين كان اختلافهم رحمة وسعة، وإن اشتغل بها الجهلاء حلت النقمة بهم، وشقي الناس بأحكامهم.

العالم الأزهري د. عطية لاشين: ابتعدوا عن أدعياء "السوشيال ميديا" الذين يفتون الناس دون علم

كل ما ننصح به الجماهير هو التفرقة بين العالم المؤهل الذي درس وتخصص، ويمتلك مؤهلات الفتوى، والحديث في أمور الدين، وهؤلاء الأدعياء الذين لم يدرسوا، ولم يتأهلوا لذلك، ويقتحمون عالم الإفتاء دون علم واستعداد

البعض يوجه اتهامات لعلماء الدين ورجال الفتوى في بعض البلاد العربية بأنهم سبب فيما نحن فيه من حيرة، هل تغضبكم هذه الاتهامات وما خطورة ذلك على الصورة العامة للدين في أذهان الأجيال الناشئة؟

علماء الدين أصحاب رسالة سامية، وهم يبذلون كل الجهود لهداية الناس إلى تعاليم الدين الصحيحة، ويتحملون في سبيل ذلك كثير من العنت، وليس من مصلحة أحد منهم أن يقول هذا حلال وهذا حرام بما يخالف شرع الله، وهناك تفاصيل كثيرة في الأحكام الشرعية تخفى على عامة الناس. لذلك ينبغي أن يتعامل الجميع بقدر كبير من الاحترام والتقدير لعلماء الدين، فهم دعاة هداية وينبغي أن تكون لهم مكانتهم في كل مجتمع يتواجدون فيه، ويجب على الجميع التعامل معهم باحترام وتقدير كبيرين، فهم حملة رسالة من الخالق سبحانه، وكل ما ننصح به الجماهير هو التفرقة بين العالم المؤهل الذي درس وتخصص، ويمتلك مؤهلات الفتوى، والحديث في أمور الدين، وهؤلاء الأدعياء الذين لم يدرسوا، ولم يتأهلوا لذلك، ويقتحمون عالم الإفتاء دون علم واستعداد، وهؤلاء للأسف تعتمد عليهم بعض الفضائيات، وتفرضهم على مشاهديها تحت مسميات براقة لتخدع بهم الجماهير وخاصة عامة الناس.

لكن هذا لا ينفي تورط بعض العلماء في أمور لا يعرفون تفاصيلها، فبماذا تنصحون هؤلاء؟

من مؤهلات عالم الفتوى إلى جانب إلمامه بالعلوم الشرعية والعربية، والتفسير الصحيح لنصوص القرآن والسنة، أن يكون مدركاً للظروف التي يمر بها المجتمع، وملماً بتفاصيل ما يفتي فيه، ولذلك ننصح العلماء والمشتغلين بالدعوة ألا يخوضوا فيما لا يعلمون تفاصيل الحكم الشرعي فيه، وأن يلموا باجتهادات العلماء، وما يصدر عن المجامع الفقهية، ودور الفتوى فيما يتحدثون فيه مع الناس، وتأجيل الرد على سؤال لحين البحث والتحري سلوك يؤكد وعي العالم وإدراكه لمسؤولياته، ومثل هذا العالم أو الداعية يجب أن يحترم من الجميع، لأن ما فعله هو منهج العلماء الثقات الذين يجب أن يلتف الناس حولهم.

وهنا ننصح هؤلاء الذين يفتون الناس دون علم أن يتقوا الله فيما يقولون، وأن يدركوا أن الفتوى مسؤولية خطيرة، وكثير من المسائل الفقهية التي يتسرع هؤلاء الأدعياء في إصدار أحكام شرعية فيها تحتاج إلى نظر دقيق وفهم عميق، وهم للأسف غير مدركين لخطورة التجرؤ على الفتوى دون علم، واقتحام مجالها دون فهم، وغير واعين أن مسلكهم هذا يجر عليهم تحمل ذنب مَن يأخذ بفتاواهم، وربما الوقوع في المساءلة القانونية أو التأديبية، بالإضافة إلى سخط الله عز وجل لافترائهم عليه، وهذا التجرؤ على الفتوى ممن لا يحسنون سلوك دروبها له دوافع كثيرة لعل أبرزها حب الشهرة والظهور الإعلامي، والوجاهة الاجتماعية، وغير ذلك من الأغراض الدنيوية الزائلة التي لا قيمة لها إذا ما قيست بنصوص الوعيد الشديد في حق من يضل الناس أو يلبِّس عليهم أو يدلس ويكذب على الله ورسوله.

لا يجوز توظيف الدين لتحقيق أية أهداف سياسية أو اقتصادية أو إعلامية، والذين يستغلون الدين لتحقيق نسب مشاهدة عالية من خلال إثارة قضايا مخالفة لما استقر عليه آراء العلماء مخطئون ويمارسون عبثاً يجب أن يتوقف

بعض الفضائيات تستغل شغف الناس بالحلال والحرام ويوظفون الفتوى لجذب المشاهدين من خلال طرح موضوعات مثيرة وإقحام الدين فيها، كيف تنظرون إلى هذا الأمر وخطورته على علاقة الجماهير بدينهم؟

الله سبحانه وتعالى جعل الدين لهداية الناس وإصلاح أحوالهم، وجعل العلماء أداة لهداية الناس إلى دينه الصحيح، ولذلك لا يجوز توظيف الدين لتحقيق أية أهداف سياسية أو اقتصادية أو إعلامية، والذين يستغلون الدين لتحقيق نسب مشاهدة عالية من خلال إثارة قضايا مخالفة لما استقر عليه آراء العلماء مخطئون ويمارسون عبثاً يجب أن يتوقف، وما يفعلونه يدخل في نطاق الاستغلال السيئ للدين، وإذا كانت بعض الفضائيات تبحث عن مشاهدين فينبغي أن يكون ذلك بعيداً عن أمور الدين، أو من خلال طرح أمور برؤى شرعية صحيحة.

وواجبنا هنا أن ننصح المشاهدين بعدم التورط مع هذه الفضائيات. فالسؤال في أمور الدين ينبغي أن يكون فيما يفيد، ولا يجوز كشف أسرار البيوت والعلاقات الخاصة بين الزوجين على الهواء مباشرة. ينبغي أن نتعلم «أدب السؤال»، وإذا كان السؤال عن الأمر الخاص مقبولاً لو تم ذلك بين السائل والمجيب، لكن على الهواء ويسمعه الأطفال والشباب والنساء لا يجوز. والقرآن الكريم علمنا أدب السؤال وعلمنا العفة في التعبير عن مشكلاتنا وهمومنا وحثنا على عدم الإلحاح في السؤال فيما يفيد وما لا يفيد فقال الحق سبحانه وتعالى: «يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم».

 

مقالات ذات صلة