22 نوفمبر 2021

رجال يفضحون زوجاتهم على مواقع التواصل.. ما موقف الشرع؟

محرر متعاون

رجال يفضحون زوجاتهم على مواقع التواصل.. ما موقف الشرع؟

ظهرت على مواقع التواصل الاجتماعي في عدد من البلدان العربية مؤخراً جرائم أخلاقية ضد النساء حيث يخرج بعض الرجال في «بث مباشر» أو «فيديوهات» مسجلة لنشر تفاصيل خيانة زوجاتهم لهم دون خوف من فضيحة، أو خجل من تفاصيل ما يروونه على المشاهدين، وما يلحقه بهم من عار، ويجره عليهم من إثم.

فما موقف الشرع من هذه الظاهرة الغريبة على مجتمعاتنا العربية والإسلامية؟

وهل يجوز شرعاً فضح امرأة مخطئة بين الناس بهذا الشكل؟

وما العقاب الشرعي لكل من يدنس سمعة امرأة استناداً لشبهات أو ظنون؟ وما الذي ينبغي أن يفعله الإنسان في حالة ارتكاب زوجته جريمة أخلاقية؟

ذهبنا لعدد من كبار علماء الإسلام ووضعنا هذه التساؤلات وغيرها أمامهم.. وهنا خلاصة ما قالوه وحذروا منه ونصحوا به:

رجال يفضحون زوجاتهم على مواقع التواصل.. ما موقف الشرع؟

المطلوب شرعاً إذا رأى الإنسان من أهل بيته خطيئة أو معصية، فواجبه أن يستر عليهم ولا يفضحهم

في البداية يؤكد العالم الأزهري د. نصر فريد واصل، عضو هيئة كبار العلماء ومفتي مصر الأسبق، أن الإسلام أمرنا بالستر على العاصي والمخطئ وتوفير البيئة المناسبة له للتوبة، ومراجعة النفس، والسير في طريق الهداية والصلاح، والبعد عن المعاصي والذنوب، والله سبحانه وتعالى يغفر خطيئة كل إنسان إلا الشرك به، حيث يقول سبحانه:«إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء».

وقد جاءت أحاديث نبوية كثيرة تتحدث عن فضيلة الستر على العاصي منها قول النبي صلى الله عليه وسلم:«من نفّس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلمًا ستره الله في الدنيا والآخرة»، ومنها أيضاً قوله ﷺ: «المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلمًا ستره الله يوم القيامة».

لذلك، فإن المطلوب شرعاً إذا رأى الإنسان من أهل بيته خطيئة أو معصية، فواجبه أن يستر عليهم ولا يفضحهم، كما إذا رأى من شخص آخر، رجلاً كان أو امرأة، ما يغضب الله ورسوله أن يستر عليه ولا يفضحه، ولا ينشر ما فعله بين الناس، وينصحه ويوجهه ويدعوه إلى التوبة، ومن يفعل هذا ويستر على أخيه، يستره الله في الدنيا والآخرة، لأن الجزاء من جنس العمل.
لكن.. لو فعل إنسان معصية ولم يستح منها، وأصر على تكرارها ولم يستمع للنصيحة ويسير في طريق التوبة فقد فضح نفسه، ويجب إبلاغ الأجهزة المسؤولة عن حماية المجتمع بما يفعل هذا العاصي أو المخطئ، حتى يلقى الجزاء الرادع، ويكون عبرة لمن يعتبر، ويتطهر المجتمع من أمثاله.

ويشدد عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر على أن الإسلام كفل للمرأة الأمان النفسي، وجرم كل سلوك يستهدف اغتيالها معنوياً، وتشويه سمعتها والإضرار بها، وأحاطها بسياج من الحماية والتكريم وسط مجتمع أخلاقي هو المسؤول الأول عن التعامل برقي وعفة وشهامة مع نسائه، ويقول «لا يجوز التورط في نشر ما يشوه سمعة امرأة وأهلها وسط الناس، ومن يفعل ذلك ينبغي أن يلقى العقاب الرادع. لذلك احتاط الإسلام في إثبات إلحاق جريمة الزنا بامرأة وسن عقوبة رادعة هي «عقوبة القذف» لكل من يتهم امرأة بالزنا دون وجود أدلة وبراهين قوية تثبت هذه الجريمة، حيث لابد في إثبات هذه الجريمة من أربعة شهود عدل من الرجال، فلا تقبل فيها شهادة النساء، ولا شهادة الفسقة، وأن يكون الشهود جميعاً رأوا عملية الزنا نفسها، وهذا مما يصعب ثبوته».

رجال يفضحون زوجاتهم على مواقع التواصل.. ما موقف الشرع؟

يجرم الإسلام كل صور العدوان على الأعراض بنشر أكاذيب تمس شرف النساء وسمعتهن، ويعتبر ذلك جريمة لو ثبتت في شريعتنا الإسلامية لها عقوبة واضحة ورادعة وهي عقوبة «قذف المحصنات»

د. شوقي علام، مفتي مصر، يتفق مع المفتي الأسبق د. واصل في أن الإسلام كفل للمرأة ما يحميها ويحمي سمعتها، ويبين «لا شك في أن شريعتنا العادلة وفرت للنساء «حماية أخلاقية» من الشائعات الكاذبة وتداعياتها المدمرة، وذلك حرصاً على سمعتهن وصورتهن وأسرهن في المجتمع، فشريعة الإسلام تدين كل محاولة للمساس بالأعراض، سواء أكانت بفعل أم بقول، وتعتبر كل فعل أو قول فيه استهانة بأعراض، أو سلوك فيه تحرش بامرأة، من الجرائم المنكرة، وسلوك المنحرفين الذين لا يتحلون بوازع من دين أو خلق يستحقون للعقوبات الرادعة حماية للمجتمع من شرورهم».

ويضيف «كما يجرم الإسلام كل صور العدوان على الأعراض بنشر أكاذيب تمس شرف النساء وسمعتهن، ويعتبر ذلك جريمة لو ثبتت في شريعتنا الإسلامية لها عقوبة واضحة ورادعة وهي عقوبة «قذف المحصنات» التي ورد فيها قول الحق سبحانه: «والذين يرمون المحصنات فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبداً وأولئك هم الفاسقون»، أي أن الذين يرمون النساء الطاهرات المؤمنات بفاحشة الزنا، ثم لم يأتوا بأربعة شهداء على صدق دعواهم فاجلدوهم، أيها الحكام، ثمانين جلدة عقاباً لهم على ما تفوهوا به من سوء قول في حق هؤلاء المحصنات، ولا تقبلوا لهؤلاء القاذفين شهادة أبداً بسبب إلصاقهم التهم الكاذبة بمن هو بريء منها من النساء الشريفات العفيفات».

ويوضح د. علام أن القرآن الكريم نفر تنفيراً شديداً من جريمة المساس بالأعراض وقرر عقوبة عادلة لها جانب حسي قاس وهو: جلدهم ثمانين جلدة، وهي عقوبة قريبة من عقوبة الزنا، وهناك عقوبة معنوية تتمثل في عدم قبول شهادة هؤلاء باعتبارهم ليسوا أهلاً للثقة والشهادة، ثم العقوبة الثالثة وهي مؤلمة جداً لمن لديه أدنى إحساس وهي وصفهم بـ«الفسق» أي الخروج عن طاعة الله عز وجل، وعن آداب دينه وشريعته. والهدف من تشديد القرآن في عقوبة هؤلاء الخارجين عن آدابه وقيمه وأخلاقياته حماية أعراض المسلمين والمسلمات من ألسنة السوء، وحماية الأعراض من هؤلاء المستهترين.

رجال يفضحون زوجاتهم على مواقع التواصل.. ما موقف الشرع؟

ستر المخطئ وإعانته على التوبة من خلال تقديم النصيحة الصادقة له «فضيلة» حث عليها الإسلام

يعبر د. عبد الفتاح العواري، العميد السابق لكلية أصول الدين بجامعة الأزهر، عن استيائه من نشر وإشاعة صور وكليبات عبر مواقع التواصل الاجتماعي تحمل اتهامات لنساء بارتكاب الفواحش، ويوضح «تداول ونشر مثل هذه الاتهامات الخطيرة أخلاقياً تؤدى إلى إشاعة الفساد ونشر الفاحشة، والقرآن الكريم يحذرنا من هذا السلوك حيث يقول الحق سبحانه: «إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون». والفاحشة المقصودة في هذه الآية الكريمة هي «جريمة الزنا» وتداول أخبارها وتفاصيلها وصورها وتسجيلاتها سلوك لا يليق بمسلم، ويجلب له غضب الله وعقابه، ومعنى أن تشيع الفاحشة: أي يشيع خبرها عن طريق التحدث بها، وتناقل صورها وتسجيلاتها إن وجدت، وهذا سلوك لا يفعله مسلم يعرف تعاليم دينه جيدا ويحرص عليها، فستر المخطئ وإعانته على التوبة من خلال تقديم النصيحة الصادقة له «فضيلة» حث عليها الإسلام، والمؤمن الحق لا يحب لإخوانه المؤمنين إلا ما يحب لنفسه، فكما أنه لا يحب أن يشيع عن نفسه خبر سوء، كذلك لا يحب إشاعة السوء عن أحد من إخوانه حتى ولو كان متجاوزا لأحكام الدين ومنحرفا».

ويؤكد د. العواري أن الإسلام يرتقي، من خلال توجيهاته، بسلوك الإنسان، ويعلمّه أن أخلاق دينه لا تسمح له بترديد اتهامات عشوائية يسيء بها إلى خلق الله دون أدلة وبراهين، كما أن أخلاقيات الإسلام لا تسمح لعالم دين أو داعية بفضح المتجاوزين على الفضائيات أو فوق المنابر، وإضفاء صفات منفرة، كما يفعل بعض الدعاة الآن، فمواجهة مظاهر المنكر الظاهرة تتم بالنصيحة الصادقة، والكلمة الطيبة، والموعظة الحسنة حتى تحقق النتائج المرجوة.