4 يناير 2023

كيف يتعامل المسلم مع تنبؤات العام الجديد؟

محرر متعاون

محرر متعاون

كيف يتعامل المسلم مع تنبؤات العام الجديد؟

مع وداع عام واستقبال عام جديد تكثر عمليات التنبؤ بالمستقبل، ويتوقع بعض الذين يدعون قراءة ما يحدث في قادم الأيام وينشغل بما يردد كثير من الناس.. لذلك تسعى كثير من الفضائيات إلى استضافة شخصيات لتوقع ما يحدث في العام القادم. فهل هذه التنبؤات يحرمها الشرع؟ وما هو المقبول والمحظور منها؟ وهل يدخل ما يردده هؤلاء في عالم التنجيم المحظور شرعاً؟ وكيف يتعامل المسلم مع هذه التنبؤات؟.. تساؤلات عديدة تفرض نفسها على عقول الكثيرين ونحن مقبلون على بدء العام الجديد، وفيما يلي خلاصة ما قاله العلماء ونصحوا به:

مرحباً بالتنبؤات للمتخصصين في قضايا الحياة

في البداية يؤكد العالم الأزهري د. أحمد عمر هاشم، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر، ضرورة التفرقة هنا بين أمرين:

  • الأول: التنبؤ بوقوع أحداث سياسية أو اقتصادية أو عسكرية نتيجة قراءة الواقع وتحليله عن طريق خبراء متخصصين، وهذا لا حرج فيه من الناحية الشرعية، فهي اجتهادات تقوم على الربط بين الأحداث، وتوقع ما يمكن وقوعه نتيجة ذلك.
  • الثاني: الجزم بوقوع أحداث في المستقبل ونشوب حرب أو موت شخصيات سياسية أو غير سياسية، أو انتصار فريق معين والفوز ببطولة، فهذا ضرب من التنجيم المحظور شرعاً، لأنه ادعاء بعلم الغيب، والغيب لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى.

ويضيف «للأسف يقع كثير من البسطاء، بل وبعض المثقفين، فريسة لهذه الأوهام التي تهدر فيها أموال، وتنتشر بسببها خرافات، فما يحدث للإنسان في المستقبل أو معرفة ما حدث له في الماضي ولم يطلع عليه أحد، لا يعلمه إلا الله عز وجل».

كيف يتعامل المسلم مع تنبؤات العام الجديد؟

ويؤكد د.هاشم أن ادعاء علم الغيب، وخداع الإنسان بمعرفة بعض أسراره وخصوصياته، أو التنبؤ بما سيحدث له في المستقبل، سلوك يخرج بفاعله وكل من يؤمن به عن دائرة الإيمان. فالإسلام لا يعرف «الكهانة» ويدين سلوك كل من يدعي معرفة الغيب، ولذلك يحذرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من الاستعانة بالكهان، والتردد على من يدعون علم الغيب، فقال عليه الصلاة والسلام «لا تأتوا الكهان»، وروت لنا السيدة عائشة رضي الله عنها في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري ومسلم أن ناساً سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكهان فقال «ليس بشيء» فقالوا: يا رسول الله، إنهم يحدثوننا أحياناً بشيء فيكون حقاً، فقال رسول الله عليه الصلاة والسلام «تلك الكلمة من الحق، يخطفها الجني، فيقرها في أذن وليه، فيخلطون معها مئة كذبة»، ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم «ليسوا بشيء» أي ليس قولهم بشيء يعتمد عليه».

احذروا الدجالين

وهنا يحمل عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الجماهير التي تصدق هذه المزاعم قدراً من المسؤولية، ويبين «إذا كان الإسلام قد حَمّلَ الدجال مسؤولية نشر دجله ومزاعمه الكاذبة بين الناس، فهو يحمل أيضاً من يُقبل على هؤلاء ويصدقهم، حيث يقول الرسول صلى الله عليه وسلم «ليس منا من تطير، أو تطير له، أو تكهن، أو تكهن له، أو سحر، أو سحر له، ومن أتى كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم».، وقال في حديث آخر «لن ينال الدرجات العلى من تكهن، أو استسقم، أو رجع من سفره تطيراً»، ومعنى «استسقم» أي استسقم بالأزلام ونحوها. والتطير هو التشاؤم، وهو شيء لا يقوم على منطق ولا قاعدة كالذين يتشاءمون ببعض الأرقام مثل رقم «13» أو بعض الأيام، أو بغير ذلك».

كيف يتعامل المسلم مع تنبؤات العام الجديد؟

أوهام وخرافات المنجمين.. وعلم الفلك

يقدم د. محمد الضويني، عضو هيئة كبار العلماء ووكيل الأزهر، توضيحاً غاية في الأهمية عن الفرق بين التنجيم وعلم الفلك :

التنجيم: شغل الناس بخرافات المنجمين مع بداية كل عام ميلادي شكل من أشكال تغييب العقول، وصرف الناس عن مواجهة مشكلات حياتها بالعلم والتفكير الصحيح بعد الاهتداء بهدايات الشرع.. إذ أن خرافات ومزاعم المنجمين اقتحمت بعض البيوت عبر وسائل الإعلام المختلفة، وأصبح لها مواسم أبرزها بداية العام الميلادي الجديد، ولا تنشغل وسائل الإعلام التي تهتم بقضية التنجميم والزعم بقراءة المستقبل إلا بأعداد المشاهدين والمتابعين. وبعيداً عن تعاليم وتوجيهات الأديان، فإن العقل الرشيد لا يستسيغ التنجيم لأنه يقوم على التخمين وعدم اليقين، ومعظم ما يتردد على ألسنة المنجمين يدخل في الكذب والدجل. ومهما استخدم المنجمون من وسائل التكنولوجيا الحديثة ليوهموا الناس أن القضية علمية فلا يعدو ذلك أن يكون محاولة يائسة يكشف العلم الصحيح بطلانها وزيفها.

فهم علم الفلك أمر ضروري في الإسلام

الفلك: فهم علم الفلك أمر ضروري في الإسلام، لأن الشهور تعتمد على حركة القمر، وأوقات الصلوات تعتمد على حركة الشمس، كما أن كل مسلم مطالب بالتفكر في هذا الكون الهائل الذي نعيش فيه. إذ أن علماء المسلمين اهتموا بدراسة الفلك، وكانوا أول من فرق بين علم الفلك والتنجيم الزائف، وترجموا الكتب اليونانية الفلكية، وغيرها من العلوم، واستفادوا منها في دراسة السماء، ودمجوا التقاليد الفلكية للهنود، والفرس، والشرق الأدنى القديم، خاصة الإغريق منذ القرن الثامن وما بعده. وحلقات العلم قديماً في الجامع الأزهر لم تكن تدور حول العلوم الشرعية واللغوية فحسب، بل شملت علوم الهيئة والفلك والرياضيات، ومن هنا يتأكد وجود فرق كبير بين علم الفلك والتنجيم، فقد أباح الله تعالى لعباده تعلم العلوم التي تنفعهم ولا تضرهم، وأباح لهم الاستفادة من الفلك والنجوم، ومعرفة أشكالها وأسمائها وأماكنها بهدف الاستدلال على الطرق والجهات أثناء التنقل والسفر، وكذلك أجاز لهم حساب عدد الأيام والشهور والسنين وتحديد مواعيد الفصول من خلالها، ومعرفة الأوقات التي يحتمل نزول المطر بها، وغير ذلك من فوائد.

ما يفعله هؤلاء يسمى (كهانة)

د. صبري عبد الرؤوف، أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، يؤكد ضرورة محاربة كل أشكال تغييب العقل العربي وشغله بخرافات وأوهام، وصرفه عن واقعه «لا يجوز للمسلم الانشغال بما يردده أدعياء العلم بالمستقبل، ولا سؤال المنجمين والعرافين، ولا تصديقهم في ما يقولون، ومن فعل ذلك فيما مضى مطالب بالتوبة الصادقة عن كل ذلك.

فمعظم ما يردده المنجمون كذب وادعاءات حتى ولو تصادف صدق بعض توقعاتهم، وما يفعله هؤلاء يسمى (كهانة)، وقد كذبهم الشرع، ونهى عن تصديقهم وإتيانهم، يقول تعالى في كتابه العزيز: «قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله»، ويقول عز وجل: «وعنده مفاتيح الغيب لا يعلمها إلا هو» وقال لرسوله صلى الله عليه وسلم: «قل لا أملك لنفسي نفعاً ولا ضراً إلا ما شاء الله. ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون»، وجاء في الحديث الصحيح قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مفاتيح الغيب خمس لا يعلمها إلا الله تعالى: لا يعلم أحد ما يكون في غد إلا الله تعالى، ولا يعلم متى تقوم الساعة إلا الله تعالى، ولا تدري نفس بأي أرض تموت إلا الله تعالى، ولا يدري أحد متى يجيء المطر إلا الله تعالى»».

وماذا عن توقعات هيئات الأرصاد الجوية من احتمالات هبوب رياح، وسقوط أمطار، وارتفاع أو انخفاض درجات الحرارة وعلاقة ذلك بالتنجيم؟

يجيب أستاذ الشريعة الإسلامية بالأزهر «هذه التنبؤات الجوية تستند إلى العلم، ولا علاقة لها بالتنجيم، لأنها تقوم على أمور مشاهدة في الواقع، وتترتب عليها آثار وتداعيات جوية وفق سنن الله تبارك وتعالى. فما يذكره خبراء الفلك والمتخصصون في تحليل الظواهر الجوية ليس من الغيب الذي استأثر الله بعمله، بل من المشاهدات التي جعل الله علمها لخلقه من البشر».

ويضيف «من الغيب النسبي الذي يعرفه كثير من الناس ما يسمى بالتنبؤ أو الفراسة، وهذا ليس علماً بالغيب فقد نعرف من عادات فلان وشخصيته أنه يثور لأسباب معينة كأن يكون يكره شخصاً ما ولا يريده أن يدخل إلى بيته، فيأتي هذا الشخص إلى بيته في غيابه، حينئذ أقول إذا حضر فلان الآن فستحدث مشاجرة، ثم يحضر فلان فعلاً وتحدث المشاجرة، فهذه فراسة وليست علماً بالغيب».

 

مقالات ذات صلة