8 مايو 2021

الإرث الرقمي.. من سيرث حساباتك على الإنترنت؟

مترجم عراقي للغتين الفرنسية والإنجليزية، أمضي أكثر من 25 عامًا في ترجمة وإعداد التحقيقات في كافة المجالات

مترجم عراقي للغتين الفرنسية والإنجليزية، أمضى أكثر من 25 عامًا في ترجمة وإعداد التحقيقات في كافة المجالات

الإرث الرقمي.. من سيرث حساباتك على الإنترنت؟

ذهب لمقابلة المحامي لمعرفة الإرث الذي تركه له عمه في وصيته ، بينما بقيت زوجته في المنزل لتشيد بيتاً وتشتري سيارة وتملأ غرفتها بالملابس الراقية وأطقم الذهب .. وكله بالطبع بالتمني ، من المال الذي تنتظره من هذه الوصية ، وعندما عاد الزوج كان عابس الوجه تتراقص على محياه خيبة الأمل ، "قل لي ، ماذا ورثت من عمك؟" ، أجابها "حساب انستغرام وواحداً على فيسبوك وصوراً وفيديوهات على غوغل"!!.

 الكثير منا لم يسمع مصطلح الإرث الرقمي ، فالإرث الذي نعرفه محصور بالممتلكات العينية والنقدية ، ولكن أليس لديك ممتلكات رقمية؟ ماذا عن حساباتك على الانستغرام وفيسبوك وتويتر وأخواتها التي تشحنها بالصور والفيديوهات الشخصية ، وكذلك الرسائل الإلكترونية ، وكلمات السر للمواقع التي اشتركت بها ، والتطبيقات وما فيها من دردشة وتعليقات شخصية، وحتى عملاتك الرقمية والدخول إلى المعاملات البنكية وخدمات الدفع الإلكتروني.

من له الحق بالمطالبة بانتقال كل هذه الحسابات والبيانات إليه بعد وفاتك؟

هل ينبغي وضعها في وصيتك؟

بل هل تعتبر أصلاً إرثا في حكم القانون؟

via GIPHY

قبل بضع سنوات أعلن عن وفاة مفاجئة لصاحب أكبر شركة تداول عملات رقمية في كندا ، قضى نحبه عندما كان في زيارة للهند ، ولكن بسبب هذه الوفاة لشخص واحد خسر العشرات أموالاً بالعملات النقدية تقدر بـ ١٤٥ مليون دولار لسبب واحد غير متوقع إطلاقاً: كلمة السر !.

إذ أن حاسوبه كان محمياً بكلمة سر لا يعرفها أحد غيره. ومع مأساة وفاة هذا الرجل برزت قضية عويصة تدور رحاها في عقول رجال القانون والمحاكم ، هل كلمات السر وما نخلفه وراءنا على برامج ومواقع وتطبيقات الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي هي إرث يمكن أن يطالب به الورثة الشرعيون؟

مأساة مولي روسيل تثير قضية الإرث الإلكتروني

الإرث الرقمي.. من سيرث حساباتك على الإنترنت؟ - مولي روسيل
مولي روسيل

في عام ٢٠١٧ أقدمت الشابة البريطانية ذات الـ ١٤ ربيعاً ، مولي روسيل ، على الانتحار بدون أن تترك وصية ، لذلك طالب والداها من تطبيق انستغرام أن يتمكنا من الاطلاع على تفاصيل حساب ابنتهما لعلهما يهتديان إلى سبب إنهاء ابنتهما لحياتها خاصة أن كل شيء كانت تملكه ذهب إلى والديها بحكم القانون ، فما المانع أن يشمل ذلك كل بياناتها على الإنترنت؟

طبعاً رفضت انستغرام هذا الطلب آنذاك وظلت القضية في المحاكم.

تفاعل وزير الصحة والرعاية الاجتماعية في أمريكا مع قضية مولي روسيل


و في يوليو من عام ٢٠١٨ صدر حكم مهم جداً من المحكمة الفيدرالية في مدينة كارلسروه ، جنوب غرب ألمانيا ، حيث سمحت لأم بالدخول إلى حساب ابنتها البالغة ١٥ عاماً على الفيسبوك .. فقد توفيت الفتاة بعد أن صدمها قطار مترو ، وكان لدى الأم كلمة السر لحسابها على الفيسبوك ولكنها لم تتمكن من الدخول إليه ، لماذا؟ لأن الموقع حدد حالتها آنذاك بـ(متوفاة).

ريتشارد ، مهندس من اونتاريو ، رحل والده وترك له قائمة بكلمات السر لحساباته على الإنترنت، ولكن ولا واحدة منها كانت صالحة للاستخدام عند وفاة الأب ، لذلك لم يستطع الابن دخول حساباته الحكومية ورسائله الإلكترونية وجهات اتصاله أو حتى فتح حاسوبه ، فقد رفضت مايكروسوفت طلب ريتشارد مساعدته لأسباب تتعلق بالخصوصية.

ولكن عكس ذلك حصل للصيدلاني جان اوليه لينك ، ٢٤ عاماً ، من هامبورغ الذي ترك له والده قائمة محدثة بكلمات السر فنجح في تحميل صور والده من حسابه على غوغل وأغلق بريده الإلكتروني كي يمنع قرصنته وحذف تفاصيل بطاقاته الائتمانية من حسابه على أمازون.

قوانين حماية البيانات

القانون الأوروبي لحماية البيانات يعطي الحق للأفراد المطالبة من شركات ومواقع الإنترنت بتزويدهم بنسخة من بياناتهم أو حذفها أو تعديلها ، ولكن هذا القانون لا يساعد على حل مشكلة توريث هذه البيانات لأنه ينطبق على الأحياء فقط ولأنه يعتبر هذه البيانات ملكاً للفرد نفسه فقط، بينما في المقابل يرى بعض الخبراء أن ليس كل ما يضعه الفرد على الإنترنت هو بيانات شخصية فهناك مثلاً الصور والفيديوهات التي يمكن اعتبارها ملكية فردية وبالتالي تذهب إلى الورثة بحسب قوانين النشر ، غير أن المعضلة هنا تكمن في كيفية الحصول عليها.

  • في فرنسا: يحق لأي شخص إخبار شركات الإنترنت بما يريد فعله ببياناته وحساباته عقب وفاته .
  • في كندا: يمكن أن يحصل منفذ وصية المتوفى على أصوله الرقمية تلقائياً.
  • في ألمانيا: فيحق للورثة الحصول على بيانات قريبهم المتوفى كاملة حيث وجدت إحدى المحاكم أنها تورث كما تورث الرسائل.
  • في أمريكا: هناك قانون مطبق في معظم الولايات يتيح لمنفذ الوصية الاطلاع على هوية الأشخاص الذين كان المتوفى يراسلهم ولكن لا يحق له قراءة الرسائل إلا بأمر من المحكمة أو مالك حساب المتوفى.

رسالة تثير الذعر

استير إيرل في منزلها عام 2010 .. قبل وفاتها -  صورة من  Getty Images تصوير: Boston Globe
استير إيرل في منزلها عام 2010 .. قبل وفاتها - صورة من Getty Images تصوير: Boston Globe

الغريب ما حصل مع الشابة الأمريكية ايستر ايرل ، فقد بعثت برسالة على تويتر بعد ستة أشهر من وفاتها!! كيف؟ توفيت ايستر ، ١٦ عاماً ، بعد إصابتها بسرطان الغدة الدرقية ، كان لديها الكثير من المعجبين والمتابعين على حسابها في موقع تويتر ، وبعد ستة أشهر من وفاتها غردت على حسابها هذا قائلة "نحن في يوم الجمعة ١٤ يناير ٢٠١٠ ، أردت فقط أن أقول : أتمنى حقاً أن أكون على قيد الحياة عند وضع هذه التغريدة" ومعها رسم تعبيري لوجه مبتسم يرتدي نظارات شمسية.

 شعر متابعوها بالذعر وأحست أمها أنه غير مقبول إطلاقاً.

تبين أن ايستر استعانت بواحدة من الشركات الكثيرة التي باتت اليوم منتشرة على الإنترنت والتي تتخصص بمساعدة أي شخص على وضع تعليق على مواقع التواصل الاجتماعي والتواصل مع الأصدقاء بعد الوفاة!!

بل هناك أيضاً تطبيقات توفر غرف دردشة ذكية تقلد خطابك وتعبيراتك لمن تحب كي تظل على تواصل معه بعد الوفاة ، مثل شركة "غون نوت غون" لإرسال رسائل إلكترونية "من القبر" .

فيديو يروج لخدمات شركة Gone not Gone


ماذا سيحل بأصولنا ومقتنياتنا على الإنترنت؟

في استطلاع أجرته شركة "يوغوف" في نوفمبر من عام ٢٠١٨ ، تبين أن ٧٪ فقط من الناس يرغبون ببقاء حساباتهم على الإنترنت عقب وفاتهم ، على الرغم من أنه بحلول عام ٢١٠٠ من المتوقع أن يكون ٤،٩ مليار مستخدم لموقع فيسبوك قد توفوا.

لذلك فإن التخطيط لما يسمى بـ"الموت الرقمي" هو سلسلة من القرارات المستحسنة التي تتعلق بإلغاء حساباتك على فيسبوك ، تويتر ، انستغرام ، نتفليكس ، أمازون ... وغيرها ، وكذلك حماية رسائلك الإلكترونية من القرصنة والسماح لعائلتك بتحميل الصور والفيديوهات من "السحابة الإلكترونية" ، التخزين في الإنترنت ، وأيضاً لضمان أن تظل أسرارك الإلكترونية مطمورة في خانة النسيان الرقمي.

رغم أن الموضوع ربما يبعث على عدم الراحة قليلاً لأسباب عدة ، خاصة مع ذكر الموت ، ولكن الموت علينا حق ، وكل ذي بصيرة يحاول ترتيب أوضاعه قبل الأجل المحتوم .. أفلا نفكر أيضاً بممتلكاتنا الرقمية؟ أليس من الحكمة أن نتأمل بما سيحل بأصولنا ومقتنياتنا على الإنترنت؟

لنلقي نظرة على ما توفره أشهر الشركات والمنصات الرقمية في الإنترنت للمسجلين فيها:

الإرث الرقمي.. من سيرث حساباتك على الإنترنت؟

غوغل: يقدم ميزة إضافة ما يصل إلى ١٠ جهات اتصال يتسلمون تنبيهاً بعد وقت محدد بتوقف نشاط الحساب (بعد وفاة صاحبه ) ، و يمكن أن يتمكنوا من تحميل بيانات بعض الحسابات في حال تفعيل هذه الخاصية. وهناك أيضاً خيار إلغاء الحساب.

فيسبوك: يوفر خيار تحويل حالة الحساب إلى "وفاة" عقب موت صاحبه ، حيث تظهر عبارة "في ذكرى.." أمام بروفايل الشخص ، ولكن فقط بعد تقديم عائلته نسخة رسمية من شهادة وفاته. ويمكن للعائلة اختيار إلغاء الحساب بعد الوفاة مباشرة دون تحويله إلى صفحة " إحياء ذكرى".

الانستغرام: لا يوجد حالياً خيار تنظيم الأصول الرقمية على الانستغرام ، ولكن بإمكان العائلة ، بعد تقديم شهادة رسمية ، طلب تحويل الحساب إلى وضعية "إحياء ذكرى" أو إلغائه نهائياً.

تويتر: من غير الممكن أيضاً تنظيم ما سيحدث للحساب على تويتر بعد وفاة صاحبه ، ولكن في هذه الحالة بإمكان الشخص المخول قانونياً أو أحد أفراد العائلة المقربين الاتصال بتويتر لتعطيل الحساب مع تقديم الوثائق اللازمة.

واتساب: كما هي الحال مع تويتر ، لا يوجد خيار تنظيم ما سيحدث للحساب عقب وفاة صاحبه. ولكن يشير واتساب إلى أن الحساب يتم إلغاؤه بعد مرور ١٢٠ يوماً من توقف النشاط فيه ، أي أن المستخدم غير متصل بالحساب.

تيك توك: وهنا أيضاً لا يوجد خيار يتحكم بما سيجري للحساب بعد وفاة صاحبه. ومع ذلك إذا ظل هذا الحساب غير نشط لفترة طويلة سيتم إلغاؤه. وإذا كان لدى العائلة تفاصيل الدخول للحساب فبإمكانهم إلغاؤه عن طريق الإعدادات.

ياهو: بموجب شروط الخدمة ، لا يمكن نقل الحساب على ياهو ولا محتوياته حتى بعد وفاة صاحبه. ولكن تمنح الشركة خيار تقديم طلب إقفال حساب المتوفى وكذلك حذف محتوياته لحماية الخصوصية.

 

مقالات ذات صلة