13 مارس 2022

«حق الليلة».. مظاهر الاحتفال بليلة النصف من شعبان في الإمارات

محررة في مجلة كل الأسرة

محررة في مجلة كل الأسرة

«حق الليلة».. مظاهر الاحتفال بليلة النصف من شعبان في الإمارات

بأهزوجة «عطونا الله يعطيكم.. بيت مكة يوديكم» والأزياء الشعبية، يستحضر أطفال الإمارات «حق الليلة» كجزء من التراث الشعبي الإماراتي في ليلة النصف من شعبان، يطوفون الفرجان ويطرقون الأبواب وهم يحملون «الخرايط» ويتسابقون لجمع ما يمكنهم جمعه من حلويات ومكسرات وهدايا ويتفاخرون بمن يعود بالغنيمة الأكبر لتكون مصدر فرح وسعادة وفرصة لتعزيز الترابط الاجتماعي وقيم التكافل وحب الخير.

«حق الليلة».. مظاهر الاحتفال بليلة النصف من شعبان في الإمارات

توضح عائشة البلوشي «حق الليلة هو تقليد إماراتي قديم يقام في ليلة النصف من شعبان، يستعد كل بيت للاحتفال به بشراء الحلويات والمكسرات ليتم توزيعها على الأطفال الذين يطوفون على البيوت ويطرقون الأبواب بعد صلاة المغرب وهم يحملون معهم "الخرايط" يجمعون فيها ما يتمكنون من جمعه مما يقدم لهم من حلويات وهدايا».

تكشف البلوشي أهمية هذه المناسبة «هي فرصة لتعريف الأبناء إلى التراث الإماراتي القديم الذي توارثناه عن الأجيال السابقة وفرصة لترسيخ العلاقات الاجتماعية بين العوائل».

عائشة البلوشي
عائشة البلوشي

تذكر البلوشي بعض التغييرات التي طرأت على هذه المناسبة في السنتين الماضيتين بسبب انتشار فيروس «كورونا»، «اقتصر الاحتفال داخل العوائل حيث تجتمع الأسر في بيت الجد أو الجدة بعد أن يتم الاستعداد للتحضير لهذه الأجواء وارتداء اللبس التراثي الخاص بهذه المناسبة ليتم تبادل الهدايا والتوزيعات حرصاً على سلامة الأهل والأطفال».

مراسم الاحتفال بليلة 15 من شعبان

«حق الليلة».. مظاهر الاحتفال بليلة النصف من شعبان في الإمارات

فيما يستذكر الحاج محمد علي إبراهيم مراسم الاحتفال بليلة 15 من شعبان التي تبدأ من بعد صلاة المغرب، فيبين «حرصت الأمهات في السابق على التحضير لهذه المناسبة بتجهيز ملابس خاصة لها يرتدي فيها الأولاد الكندورة والغترة بينما ترتدي البنات الزي الإماراتي التقليدي الملون بألوان وتطريزات زاهية تجذب الأنظار وخياطة «خرايط» قريبة لألوان وتطريزات الفساتين يطوفون بيوت الفريج «الحي» واحداً بعد الآخر بشكل جماعي ليخرج لهم أصحابها ويقدمون لهم الحلويات والمكسرات ويضعونها في «الخرايط» أو الأكياس التي يحملونها معهم ويعودون إلى منازلهم ليفرغوها ثم يعاودون الكرة في جولة ثانية على منازل أخرى».

الحاج محمد علي إبراهيم
الحاج محمد علي إبراهيم

يذكر إبراهيم «يسر الأطفال ويفرحون بالتوزيعات التي تتنوع ما بين المكسرات مثل التين وبيض الصعو بألوانه الأزرق والوردي والأبيض والملبس والزلابية أو المشبك، والشيبس، وجوز الهند، والبيذان، والنخي، والفول السوداني والشكولاتة، إضافة إلى الدراهم التي كانت تشكل مصدر فرح كبيراً لمن يحصل عليها حيث كانت تقدم من قبل بعض العوائل المتمكنين مادياً».

التحضيرات المسبقة

«حق الليلة».. مظاهر الاحتفال بليلة النصف من شعبان في الإمارات

تشرح حورية الشامسي الاهتمام الكبير بهذا التقليد بالتحضيرات المسبقة التي تستمر لأيام قبل الموعد المحدد، فتوضح «تبدأ ربات البيوت وقبل أيام من موعد المناسبة بزيارة الأسواق لشراء الملابس والحلويات والمكسرات و«الخرايط»، لتعريف الأطفال بموعد قدوم شهر الصوم وتعميق التراث في نفوسهم»، فيما تبين تأثير المبالغة بصور الاحتفال «أهم ما في هذه المناسبة هو قيمتها الاجتماعية بالاجتماع والتعارف بين الأقارب والجيران، الذي اختفى بفعل التغيير الذي طرأ على حصر الاحتفال على الأسرة الواحدة بعد أن كان يجوب الأطفال البيوت من أجل الحصول على الهدايا والحلويات، والتباهي والتكلف بمظاهر الاحتفال والمغالاة بشراء الملابس الخاصة وأنواع الحلويات المكلفة».

حورية الشامسي
حورية الشامسي

يعود ناصر البناي للماضي ويتذكر لحظات الطفولة عندما كان يطوف برفقة أصدقائه وأقرانه من أبناء الجيران وهم يطرقون الأبواب ليجمعوا المكسرات والحلويات ويرددون الأهازيج الشعبية الخاصة بهذه الليلة «كانت الاحتفالات جميلة ونحن ندور الفريج نحمل «الخرايط» ونتسابق لجمع أكبر عدد من الحلويات والفوز بالدراهم، كلما امتلأ الكيس نعود للمنزل نفرغه ونكمل في الانتفال إلى الفرجان القريبة في مجموعات»، يكمل البناي «تساهم هذه الاحتفالية في تعزيز الترابط الاجتماعي وقيم التكافل وحب الخير والحفاظ على الموروث الشعبي وعادات وتقاليد الآباء والأجداد التي ما زال يحافظ عليها الكثير من سكان إمارة الشارقة القدامى ودولة الإمارات بشكل عام، باجتماع الأهل والأصدقاء والجيران كأنها فرحة العيد توزع فيها الحلويات والمكسرات والهدايا وتقام فيها مسيرات يتبادلون فيها الحب وينشرون من خلالها السعادة».

اختلاف التوقيت والمسميات

أم عمر-زائرة من دولة الكويت
أم عمر- زائرة من دولة الكويت

تشير أم عمر، زائرة من دولة الكويت، إلى اختلاف توقيت الاحتفال بهذه المناسبة ومسمياتها من دولة لأخرى في دول الخليج، تقول «بينما تسبق الإمارات الدول الأخرى في الاحتفال بهذه الليلة في 15 من شهر شعبان إيذاناً بقدوم شهر رمضان، تحتفل به باقي دول الخليج في 15 من شهر رمضان فرحاً باقتراب عيد الفطر المبارك، وتعرف هذه الاحتفالية باسم «القرنقعوه» في قطر والبحرين، و«القرقيعان» في الكويت والسعودية، و«القرنقشوه» في سلطنة عُمان، و«حق الليلة» في الإمارات».

تكشف «تبقى هذه الاحتفالية، على الرغم من بعض الاختلافات البسيطة، جميلة بجميع تفاصيلها من أجواء ولبس، عادة جميلة الهدف منها غرس البهجة في نفوس الأطفال وتلاحم العائلة والجيران ليتبادلوا التهاني والهدايا، ويظل كل بيت في ترقب وصول الأطفال وقت العصر، حيث تجلس ربة البيت أمام الباب وبجوارها أكياس الحلوى لتغرف لهم الحلويات وتضعها في «خرايط» الأطفال».

تطور الأزياء التراثية

«حق الليلة».. مظاهر الاحتفال بليلة النصف من شعبان في الإمارات
ثريا البستكي - مصممة أزياء

فيما تبين ثريا البستكي، مصممة أزياء، إقبال المواطنين على شراء الملابس الشعبية المستوحاة من التراث الإماراتي «يحرص الأهالي منذ دخول شهر شعبان على التبضع وشراء الملابس المخصصة للاحتفال بهذه المناسبة مثل الثوب والجلابية والكندورة والتور للبنات والسديري للأولاد».

تكشف البستكي التي تختص بتصميم الملابس التراثية «انعكس التطور الذي شهدته الدولة على المواطن والمقيم وأدخلت على الأزياء التراثية الكثير من التعديلات لتناسب روح العصر وتواكب السوق».

تضيف البستكي «لا يزال الجيل الجديد ورغم تطور الحياة ملتزماً بإحياء التراث الذي نحاول أن نحافظ عليه بطباعة تصاميم مقتبسة من تصاميم البيوت والأبواب القديمة بطراز عصري حديث».

أجواء من الفرح والسعادة

«حق الليلة».. مظاهر الاحتفال بليلة النصف من شعبان في الإمارات

يوضح مدير الاتصال المؤسسي في معهد الشارقة للتراث أحمد سالم البيرق «حق الليلة هو مناسبة اجتماعية مرتبطة بليلة النصف من شعبان توارثتها الأجيال، يبدأ الاحتفال بها من بعد صلاة العصر ويستمتع الأطفال في الطواف في الفريج ويستقبلهم أصحاب المنازل بالشربات (العصير) والحلويات والمكسرات، مثل الفول السوداني المعروف محلياً «زق السبال»، والجوز، والزبيب الأسود، والنخي، والزلابية، والبيذام، وغزل البنات».

أحمد سالم البيرق -مدير الاتصال المؤسسي في معهد الشارقة للتراث
أحمد سالم البيرق -مدير الاتصال المؤسسي في معهد الشارقة للتراث

يضيف البيرق «أهم ما يميز هذا اليوم رؤية الأطفال وهم يرتدون الأزياء الشعبية حاملين معهم «الخرايط» (أكياس من القماش) بألوان زاهية وبراقة مستمتعين وهم يرددون بعض الأهازيج الشعبية مثل «عطونا الله يعطيكم.. بيت مكة يوديكم»، و«يالله نسير حق الليلة، الليلة أحلى ليلة»، و«عطونا من حق هالليلة وإلا بنذبح العجيله»، ثم يعودون إلى منازلهم وهم فرحين بما تمكنوا من جمعه في هذا اليوم».

«حق الليلة».. مظاهر الاحتفال بليلة النصف من شعبان في الإمارات

يكشف البيرق الاختلاف الذي طرأ على هذه الاحتفالية «مع تطور المجتمعات طال الاحتفال بهذه المناسبة الكثير من التغييرات بعد أن كانت الحلويات توضع في «الجفير» أو في كيس يغرفون منه بأي آنية موجودة في المنزل، تطور الاحتفال وتنوعت الحلويات وابتكرت أكياس وعلب وصناديق ملونة بشكل أكثر حداثة يتم توزيعها على الأطفال».

يبين البيرق «على الرغم من اختلاف تسميات هذه الليلة وموعدها بين دول الخليج إلا أنها تشترك في نشرها أجواء الفرحة والسعادة في المنازل والفرجان تعيد للكبار ذكريات الطفولة وتوثق اللحظات الجميلة في ذاكرة الأطفال».

*تصوير: السيد رمضان

 

مقالات ذات صلة