13 ديسمبر 2022

أفغانيات.. من المدرسة إلى المطبخ

كاتبة صحافية

كاتبة صحافية

أفغانيات.. من المدرسة إلى المطبخ

تشكل عودة حركة «طالبان» المتشددة إلى الحكم في أفغانستان نكسة حقيقية لأوضاع المرأة في هذا البلد الآسيوي ذي الطبيعة الخلابة والمصير المحكوم بالحروب. ومنذ صيف 2021 بات ممنوعاً على البنات الذهاب إلى المدارس المتوسطة والثانوية. وبهذا فإن أفغانستان هي البلد الوحيد في العالم الذي يحرم بناته من التعليم المتقدم رغم أن الدين يوصي به من المهد إلى اللحد.

ثوب العرس بدلا عن زي المدرسة

في سن الثالثة عشرة، كانت زينب تستعد لشراء صدرية للمدرسة، أي الزي الموحد التي ترتديه مثيلاتها الطالبات عند بدء الموسم الدراسي مع بشائر الخريف. وبدل ثوب المدرسة الأزرق وجدت زينب نفسها في ثوب أبيض للعرس. ومنذ صدر قرار منع الإناث من إكمال الدراسة المتوسطة والثانوية، راحت عائلات كثيرة تجبر بناتها على الزواج المبكر. وغالباً ما يكون الزوج الذي يختاره الأب أكبر من العروس بأكثر من عقد أو عقدين من السنين. وتقول زينب التي تسكن قندهار، جنوب البلاد، إنها بكت كثيراً وقالت لأبيها إن «طالبان» ستعيد فتح المدارس للبنات لكنه أكد لها أن هذا مستحيل وأن من الأفضل لها أن تتزوج بدل أن تجلس بلا عمل في البيت. وبالفعل حضر العريس إلى بيتهم ومعه بضعة خراف وماعز وأربعة شوالات من الأرز، مهراً للعروس، وتم الزواج بعد ساعات قلائل. ارتبطت الطفلة برجل لا تعرفه ولم تره من قبل ولا تدري أي شيء عن حياته السابقة.

يزوجون بناتهن بسبب الفقر

وبحسب التقاليد، انتقلت زينب للعيش مع أسرة زوجها الذي يكبرها بسبعة عشر عاماً. كل ذلك دون أن يكون لها رأي في الموضوع. لقد اعتادت أن تستيقظ متأخرة في بيت أبيها، أما في بيت زوجها فإن حماتها توقظها منذ الفجر وتقول لها إن ابنها أنفق الكثير من المال للاقتران بها وعليها بالمقابل أن تؤدي واجبات الخدمة المنزلية بدل النوم للضحى. وكثيراً ما عيرتها بأنها لا تجيد عمل شيء. وفي ظروف الحكم المتشدد مع النساء وكثرة الممنوعات فإن البنات لا يخرجن من البيت. والحقيقة أن وضع العائلات صعب في عموم البلاد منذ عودة «طالبان» للحكم. ومع نفض العالم يده من مصير هذا البلد تزايدت الأزمة الاقتصادية وتفشى غلاء المعيشة، الأمر الذي يدفع الآباء إلى الإسراع في تزويج بناتهم والتخلص من فم يطلب طعاماً وكساء.

أفغانيات.. من المدرسة إلى المطبخ

ليس من العدل القول إن الآباء لا يحبون بناتهم وهم يسعون لتزويجهن طمعاً في المهر. فكثير منهم باتوا على يقين بأن ليس للبنت مستقبل يعول عليه في البلد. هذا ما يقوله محمد مشعل، المسؤول عن جمعية للمعلمين في مدينة هرات. فالأب يرى أن من الأفضل لابنته أن تتزوج وتبدأ حياة جديدة. وفي الربيع الماضي، وتحت الضغط العالمي من منظمات حقوق الإنسان، أعلنت السلطات أن قرار منع البنات من الدراسة هو قرار مؤقت، ثم تتالت الأعذار وبقيت الطالبات في البيوت بل وفات وقت العودة إلى المدرسة لأن الزواج كان قد سبق التعليم.

بدل واجبات الدراسة الجامعية أقوم اليوم بغسل الصحون والملابس وأمسح أرضية المنزل

في ظروف صعبة يمكن لبعض العاملات في منظمات رعاية الطفولة، وحتى الصحفيات، من الالتقاء بالبنات وسماع آرائهن. ومن هؤلاء مريم التي قالت إنها لم تتصور يوماً أن تتخلى عن حقيبتها المدرسية وكتبها لكي تصبح ربة بيت. إن مريم ليس اسمها الحقيقي لأنها تخشى العقاب لو انكشف أنها التقت صحفيين، وهي تؤكد أن أباها وأمها كانا يشجعانها على الدراسة ويحثانها عليها، لكن في ظل الوضع الراهن تغيرت الأمور. وحتى والدتها لم تفلح في اعتراضها على زواج البنت. لقد توقفت مريم عن الدراسة في سن السادسة عشرة بعد أن كانت طالبة مجتهدة. وقد ترك والداها القرية وانتقلا إلى مدينة شاريكار، عاصمة ولاية بروان الشمالية، على أمل أن يتمكن أبناؤهما من الذهاب إلى الجامعة.

أفغانيات.. من المدرسة إلى المطبخ

أحلى المرّين

«بدل واجبات الدراسة الجامعية أقوم اليوم بغسل الصحون والملابس وأمسح أرضية المنزل».. هذا ما تقوله مريم بعينين دامعتين وهي تقدم صينية الفطور لوالدها عبد القادر البالغ من العمر 45 عاماً. أما الأب فيؤكد أنه كان يحلم بأن تكمل بناته دراستهن الجامعية وقد عمل جاهداً وأنفق الكثير من المصاريف لكي يوفر لهن هذه الأمنية، لكن تجربته السابقة مع «طالبان» تجعله متيقناً أن لا رجعة عن قرار إغلاق الدارس الثانوية. إنه موظف وجد مرتبه يتقلص إلى النصف في السنتين الأخيرتين، وقد باع بيته لتدبير لقمة عائلته التي تسكن حالياً في شقة مستأجرة. وهو يدرك أن حظوظ الفتيات في الزواج تتراجع بعد سن معينة. لذلك فإن الزواج المبكر هو الحل، أو أحلى المرّين، خصوصاً في القرى ومناطق الريف حيث يحصل والد العروس على مهر مجز. إن مهر البنت مصدر حيوي للعائلة. لكن الزواج المبكر لا يمر بدون عواقب وهو السبب في ارتفاع معدلات الوفيات بين الأطفال وبين الأمهات الصغيرات عند الولادة.

الزواج أفضل من أن أكون عبئاً على أسرتي الفقيرة

منذ مغادرة القوات الأجنبية البلد، توقفت بشكل كبير المساعدات الإنسانية التي كان الاقتصاد الأفغاني يعتمد عليها. وبحسب التقارير الدولية فإن البطالة تزايدت بحيث إن 38 مليون مواطن يجدون أنفسهم في مواجهة المجاعة. ولإبعاد شبح الجوع عن عائلاتهن تبادر بنات كثيرات إلى عرض أنفسهن للزواج. وتؤكد سمية، البالغة من العمر خمسة عشر عاماً، أن أباها لم يجبرها على الزواج لكن الحالة كانت من الصعوبة بحيث إنها وافقت على أول من تقدم للزواج منها. أما سارة، البالغة من العمر عشرين عاماً، وشقيقتها فاطمة الأصغر منها بسنة، فقد كانتا على وشك الدخول إلى الجامعة حين أغلقت المدرسة بابها في وجهيهما، وبذلك حرمتا من شهادة الثانوية العامة. وزادت الأمور تعقيداً بعد وفاة أبيهما بـ «كورونا» ولم يكن لهما من خيار سوى البحث عن زوج. وتقول فاطمة «الزواج أفضل من أن أكون عبئاً على أسرتي الفقيرة».

 

مقالات ذات صلة