24 يناير 2021

ديمقراطية في حضانة الأطفال!

مترجم عراقي للغتين الفرنسية والإنجليزية، أمضى أكثر من 25 عامًا في ترجمة وإعداد التحقيقات في كافة المجالات

ديمقراطية في حضانة الأطفال!

من الشائع أن نرى في حضانة الأطفال الصغار وهم يلهون ويلعبون أو يبنون أشياء من المكعبات، ولكن أن ترى أطفالاً يصطفون وبيد كل واحد منهم ورقة اقتراع ليضعها في الصندوق أمامه، فهذا أمر غريب.. مع ذلك هذا ما حدث بالفعل في لوزان بسويسرا التي قررت ثلاث حضانات هناك تعليم الصغار معنى الديمقراطية، ولكن بطريقة عملية. 

ديمقراطية في حضانة الأطفال!

المشروع الذي طرحته هذه الحضانات الثلاث في مدينة لوزان غرب سويسرا، أطلق عليه اسم "مشروع المواطنة"، ويهدف إلى تهيئة الصغار وهم بعمر صغير جداً للمشاركة في مفهوم الديمقراطية الشهير في سويسرا القائم على الاستفتاء على شريحة واسعة من القضايا كل بضعة أشهر. 

ويقول "اوليفيه ديلاماديلين"، رئيس مجموعة "ادوكاليس" التي تتولى إدارة هذه الحضانات، "تكمن الفكرة في تعليم الأطفال الديمقراطية. نشعر أنه من المهم تعلم الحق في تقديم الرأي الخاص منذ مرحلة الحضانة". 

هناك مساعٍٍِ مشابهة في سويسرا لتعليم هذا المبدأ، بيد أن إيصاله إلى الصغار بهذا العمر اليافع للغاية أمر غير مسبوق حتى في هذا البلد، ناهيك عن سواه. 

ديمقراطية في حضانة الأطفال!

لمرة واحدة في الأسبوع، يخرج حوالي 35 طفلاً أعمارهم بين 3 و 4 سنوات من الحضانة ليجتمعوا في "قرية" المجموعة في منطقة غابات بضواحي المدينة.

يلعب بعض الصغار أدواراً معينة مثل عمدة القرية، ممرضة أو ضابط شرطة، وهم يرتدون أزياء معدة منزلياً. ويضيف أوليفيه "يقومون بأدوارهم بجدية كبيرة "، مشيراً إلى الصغيرة التي تلعب دور الممرضة وهي ترتدي قميصاً أبيض ومعطفاً ثلجياً عليه علامة الصليب الأحمر تهرع لمساعدة طفل يبكي سقط على وجهه في الثلج. 

يقضي الصغار أياماً في القرية بالهواء الطلق، بغض النظر عن حالة الجو. يتجمعون بمعاطفهم الثلجية الملونة، يجلسون ويتهامسون بينهم بانتظار الحدث الكبير.. الاستفتاء. تجلس "ايف ليبلاتنير"، التي ترأس حضانتين، خلف طاولة فوقها صندوق معدني للاستفتاء، وتشير إلى علم أبيض مزين بحرف "E" كبير يرفرف خلفها. تخاطب الصغار قائلة "هذا هو علمكم الجديد "، حيث تذكر الأطفال بالاستفتاء الأول الذي عقد بالقرية في شهر نوفمبر الماضي وطلب منهم فيه الاختيار بين تصميمين للعلم. 

ديمقراطية في حضانة الأطفال!

ومثلما جرى سابقاً، تسلم الأطفال بالبريد مظروفاً فيه ورقة تصويت مشابهة لتلك التي يتسلمها البالغون قبل كل تصويت شعبي في سويسرا. وهذه المرة، طلب من الأطفال أن يقرروا الطريقة التي يفضلونها للتصويت: من خلال وضع شارة X بالقرب من رسم يوضح نظام التصويت السري الحالي، أو برفع الأيادي. 

ومن أجل تقديم المساعدة، استدعت ايف طفلتين، اوليفيا و ليلى، اللتين ترتديان قميصاً مرسوماً باليد فوق بدلتي الثلج المتشابهتين باعتبارهما قائدتي القرية. قامتا بتوزيع أظرف على الأطفال ليضعوا فيها أوراق الاستفتاء التي ملأها الصغار في منازلهم، ثم يضع كل طفل ورقته بيديه في الصندوق. وبعد ذلك، يتوجه خمسة أطفال مع ثلاثة بالغين إلى ملجأ صغير يستخدم عادة لتناول وجبات الطعام ولكنه اليوم يرفع لافتة مكتوب عليها "مكتب عد الأصوات". تجلس ايف على طاولة كبيرة وتشرح للأطفال كيفية فتح كل مظروف وتقسيم أوراق الاستفتاء على مجموعتين، ثم يعدون سوية كل مجموعة بدقة كبيرة.. ١٩ صوتاً لرفع الأيادي و 17 صوتاً لمصلحة الاستمرار في الاقتراع السري. وهنا تعلن ايف "فازت مجموعة رفع الأيادي". 

ديمقراطية في حضانة الأطفال!

يبدو التجهم قليلاً على محيا البعض ممن لم يفز خيارهم هذا اليوم، لذلك تساعدهم ايف على الفهم أن الإحباط هو جزء من الاختبار. 

من المقرر أن يجري التصويت القادم في غضون أشهر قليلة، ويتوقع أن يكون حول نظام إعادة التدوير في القرية. وبعدها، يمكن استدعاء الأطفال للتصويت على قضايا أخرى مثل "موعد القيلولة، طول مدة القيلولة، وهل يجب أن تكون القيلولة إجبارية".