06 مارس 2022

د. باسمة يونس تكتب: عشاق الطعام

كاتبة إماراتية، دكتوراه في القيادة التربوية. أصدرت (10) مجموعة قصصية، (4) روايات،(12) نص مسرحي وعدة أعمال درامية وإذاعية .حاصلة على أكثر من( 22 ) جائزة في مجالات الرواية والقصة والمسرحية

د. باسمة يونس تكتب: عشاق الطعام

يقدم الغذاء مجموعة متنوعة من المصادر التي تحتاج لها أجسادنا لتتمكن من أداء المهام التي يجب عليها القيام بها بانتظام مثل الكربوهيدرات والفيتامينات والبروتينات وكذلك الدهون.

وعندما نأكل بشكل صحي ونعتني بأنفسنا يصبح لدينا المزيد من الطاقة ونبدو أكثر حيوية وأشد ثقة لأن الغذاء الصحي يحسن قدراتنا ويمكن أن يغير حياتنا للأفضل.

ونحن نختار طعامنا بناء على طعمه، فنحن لا نأكل التوت مثلاً لأنه مصدر ممتاز لمضادات الأكسدة، بل نأكله لأن مذاقه لذيذ ولأننا نحب طعمه ولأن تفضيلات الطعم تتوافر لدى الأشخاص منذ الولادة، فالناس لا يأكلون الطعام إلا بسبب مذاقه ونكهاته وأشكاله، وهو ما يجعل تناول الغذاء والاستمتاع به فناً تدور حوله حياة عشاق الأكل وطهاته ومتذوقيه.

ورغم أهمية تناول الأطعمة الصحية يجب ألا يفسد اصطفاؤنا لها علاقتنا بالطعام ولذته ونكهاته المختلفة التي تجعله مصدراً من مصادر السعادة والإلهام، كما يجب ألا يصور لنا رهاب زيادة الوزن المطبخ مستودعاً لأمراض تغزو أجسادنا على شكل وجبات شهية يسيل لها اللعاب وتنفتح معها الشهية.

ومن الضروري ألا يستبدل قلقنا من المرض أو السمنة خياراتنا من مواد ملهمة لصنع أطباق تزهو بالألوان وتعبق بالروائح وترفل بأوعيتها الأنيقة وتستدعي الذكريات لتناول أطباق مسلوبة الروح ومثيرة للكآبة لأنها ستحمينا من قنابل موقوتة مهيأة للانفجار في عقولنا قبل أمعائنا.

ويعتبر الأشخاص الذي يحبون الأكل مبدعين، لأنهم ينظرون إلى الطعام كفن ويستمتعون بتناوله كثقافة وباعتباره ليس مجرد أشياء يأكلها الناس عندما يجوعون بل هو مكون رائع ولذيذ ومبتكر وملون وملهم يمكن أن يجمع أشخاصًا مختلفين من أماكن عدة على حبه ويمكن أن يجعل الشخص الأكثر حزنًا يشعر بتحسن.

ولا يوجد شيء أفضل من اجتماع العائلة في المنزل حول المائدة لتناول طعام الغداء أو العشاء سواء أكان اجتماعاً يومياً أو أسبوعياً أو حتى في المناسبات، فالطعام هو الطريقة المثلى للتواصل مع الآخرين وإدامة اللقاءات محفورة في الذاكرة، كما يتمحور نجاح الكثير من الأحداث الاجتماعية حول وجود الطعام ويرغب الناس في حضور حفلات يمكن فيها تناول طعام سيجعل كل شيء أكثر متعة ويزيد من حيوية تلك الاجتماعات.

ويلجأ الأشخاص لتناول الطعام للشعور بتحسن، أو لمكافأة النفس أو حتى لاستعادة النشاط بعد شيء ما قد تسبب بإحزانهم في بعض الأحيان، ومجرد التفكير في طهي طعام أو صنع أطباق شهية يجلب للناس الكثير من الخيالات والأفكار الرائعة ويمنحهم متعاً مباشرة، ويجعلهم جزءاً من ثقافة المكان الذي اختاروا منه طعامهم.

ويضيف السفر إلى بلدان جديدة وتجربة طعام شعوبها الأصلية متعة للمسافرين أكثر بكثير مما يتصوره الناس، فالطعام يحدث اختلافاً في حياة الناس اليومية، وطقوس تناوله ونكهاته وطرق تقديمه وأماكن التقديم وأطعمة المناسبات الخاصة تجعل من تناوله تجربة ثقافية مميزة ذات تأثير قوي على النفس والذاكرة.

إن دعوة لتناول العشاء في مكان جديد أو مفضل وتقديم هدايا من الأطعمة أو الحلويات تحدث فرقًا كبيرًا وتظهر مدى اهتمام الداعين بإرضاء مشاعر الآخرين وإلهامهم، فبإمكان الطعام إلهام الجميع ويمكن لجمالياته البارزة على صفحات المواقع والمدونات أن تستثير الإبداع وتبرز المواهب الكامنة في أي شخص.