كثيرة هي الكتب التي تتحدث عن الطعام وعن أنظمة الحمية، لكن هذا الكتاب سيساعدك على فهم علاقتك بالطعام من خلال فهم شخصيتك.
يحدد كتاب «طعامك يعرّف عنك» للمؤلفة ليز بوربو الجروح العاطفية الخمسة التي تحول دون اتباعك نظام تغذية سليماً وتدفعك إلى السعي للسيطرة على نمط غذائك بطريقة مضرّة بك.
كتاب «طعامك يعرّف عنك» للمؤلفة ليز بوربو
حين نتحدث عن الطعام، لا بد أن نتحدث عن تأثير الأم وهو الأهم في السنوات السبع الأولى من الحياة.
منذ الولادة يحتاج الرضيع إلى حليب أمه لذا من المهم بالنسبة إلى الأم أن تقوم بإرضاع طفلها، حتى لو لم تكن تستطيع أن تفعل هذا لفترة طويلة فإن الأسابيع الأولى حاسمة من أجل أن يبدأ طفلها حياته بشكل سليم.
أما بالنسبة إلى الأمهات اللواتي لا يستطعن أو يرفضن إرضاع طفلتهن الأنثى، فإن هذا السلوك مرتبط بشدة بالجرح الناجم عن رفض الأم للطفلة، وإذا كان الطفل ذكرًا فجرح الهجران هو الذي يكون ناشطًا. وحين يعيش الطفل جرحًا معينًا مع أمه أو أبيه، يعيش هذا الأخير أو هذه الأخيرة الجرح ذاته حتى لو لم يكن يعي هذا الأمر.فالطفل يوقظ في داخلنا كل المشكلات التي لم نتمكن بعد من حلها مع أهلنا.
كيف تؤثر الجراح المختلفة في طريقة تعاملنا مع الطعام؟
1- جرح الرفض والطعام
حين يحركنا جرح الرفض، أي حين نخشى رفض الآخرين لنا أو نخشى أن نرفض الآخرين أو حين نرفض أنفسنا، ثمة إمكانية كبيرة لأن نعاني انقطاع الشهية. أنت لا تعود تشعر بشيء فلا تشعر بأن جسمك بحاجة إلى طعام. في المقابل، حين تأكل ستفضل تناول كميات قليلة من طرف الشوكة من دون أن تدرك حقًا ما هو الطعام الذي يملأ طبقك ومن دون أن تلتذ به.
وسترتدي قناع الهارب مع هذا النوع من الجراح والهرب يعني أنك لست حاضرًا لما يجري من حولك بل سينصب اهتمامك على عالمك الذهني.
الطعام الأكثر استخدامًا في سبيل الهرب هو السكر بجميع أشكاله. أما تناول كمية كبيرة من السكر فهو يتسبب بحلقة مفرغة في الجسم قد تؤذيه بشدة. فالجسم وبالأخص الغدد فوق الكلوية ستعمل جاهدة للتمكن من استيعاب السكر والتخلص منه وسيصاب الجسم بالوهن والتعب. وحين يشعر المرء بنقص الطاقة سيتناول السكر من جديد على أمل استعادتها، وهذا يعتبر وسيلة خاطئة لأنها ستعمل على المدى القصير وسيضطر المرء إلى اللجوء إليها تكرارًا
والنمط الهارب من الناس هو من يفضل كذلك الطعام الحار جدًا وهذه طريقة أخرى لتناول طعام يشعره ببعض الأحاسيس.
2- جرح الهجران والطعام
هو جرح يعبر عن الخوف من التعرض للهجر أو الخوف من أن نهجر شخصًا آخر أو حين يهجر الشخص نفسه. حين ينشط جرح الهجران تبحث عن الحب عند الآخرين على شكل الاهتمام أو الحنان أو الدعم، وإذ تجهل كيف تحصل عليه، تحاول التعويض بواسطة الطعام.
عندها قد تأكل من دون توقف ظنًا منك أنك تملأ الفراغ الداخلي الذي تعيشه. أنت تأكل كثيرًا لا لأن ما تأكله لذيذ الطعم أو لأن جسمك بحاجة إليه ولكن لتعطي نفسك الانطباع أنك تتلقى ما ينقصك. وعلى الرغم من هذا الحشو الدائم، يستمر الشعور بالفراغ على مستوى المعدة، كما لو أنها بئر لا قعر لها. ولكن ما لا تدركه هو أن هذا الفراغ موجود على مستوى القلب وبما أن الطعام لا يمكن أن يملأ هذا الفراغ العاطفي فمهما كثر لن تعرف متى تتوقف.
لقد لاحظت كذلك أن المرء الذي يعيش حالة التبعية والهجران ويكون بصحبة طيبة خلال تناول وجبة الطعام، يأخذ بالتمهل كثيرًا خلال تناول طعامه كما لو أنه يود أن يطيل المتعة. وقد تكون هذه طريقته في السيطرة على كمية الاهتمام الذي يحتاج إليه، وهو أكثر أنجذابًا نحو الأطعمة الطرية التي لا تحتاج إلى الكثير من المضغ.
3- جرح الإذلال والطعام
هو النمط المازوخي الذي يعاني جرحاً يعبر عن الخوف من التعرض للذل أو الخوف من إذلال شخص آخر أو إذلال النفس. حين يعاني المرء الشعور بالذل يظن أنه شخص غير جدير بالاحترام لأنه يجد متعة في ملذات الدنيا، يعمل على السيطرة على نفسه حتى لا يشعر بمتعة الحواس. فيجهد أمام الآخرين ليمنع نفسه من تناول الطعام الذي يحبه ويجبر نفسه على اختيار ما يظنه جديرًا بالشخص الجيد.
ولكن يحين وقت لا يعود بإمكانه أن يسيطر على نفسه فيأخذ بتناول الطعام بشكل مبالغ به لأن الطعام لذيذ جدًا. كما أن متعة «الطعام» تمر عبر عينيه، وإذا كنت من هذا النوع، ستجد صعوبة في تجاهل المقبلات ومقاومة ما تحبه.
أنت تعرف أنك لست جائعًا ولكنك الأمر يفوق قدرتك على المقاومة. لكن الشخص المازوخي، يجد متعة حسية كبيرة في الطعام لكنه لا يجد سوى متعة نفسية قليلة فيه وكلما كانت متعته الحسية كبيرة كان شعوره بالذنب أكبر لأنه انساق خلف حواسه.
ومتى بدأ المازوخي بالطعام يعطي لنفسه مجموعة من الأسباب حتى يستمر في سلوكه هذا على شاكلة:
«بما أني بالغت في تناول الطعام وازداد وزني كيلوغرامًا أو اثنين، لن يضرني إن استمررت».
كل هذا حتى يقنع نفسه أنه شخص غير جدير بالاحترام ومقرف وأكول، فيسعى إلى تعذيب نفسه ومعاقبتها. فهو يتعذب حين يشعر بالجوع ويتعذب بعد أن يفرط في الطعام.
والمازوخي من النوع الذي ينجذب كثيرًا نحو الأطعمة الدسمة كالسمن والزبدة والصلصات الدسمة إلخ. وقد يستمر في تناولها حتى يصيبه القرف مما يأكله بالدرجة ذاتها التي يصيبه القرف من نفسه.
4- جرح الخيانة والطعام
هو الجرح الذي يدفعنا إلى الرغبة الشديدة في السيطرة على الآخرين إذ يخشى المرء أن يخونه الشخص الآخر أو أن يخون هو الشخص الآخر، لذا يود السيطرة على ما يجري في الخارج ويصعب عليه الوثوق بالآخرين. حين يكون الشخص كذلك، يصر على زيادة الملح أو البهارات على الطعام حين يحضره شخص آخر حتى قبل أن يذوقه.
أذكر أني لاحظت زوجين في مطعم على المائدة المجاورة حيث تلقى الرجل طبقه وهو يواصل الحديث مع زوجته ثم تناول المملحة ورش منها على الطعام ولم أتمالك نفسي من إحصاء عدد المرات التي كرر فيها هذه الحركة وكانت ثماني عشرة مرة! راقبته عن كثب وقلت في نفسي أنه لم يدرك أنه يقوم بهذه الحركة ولن يتمكن على الأرجح من ابتلاع طعامه. ولكن عل العكس من هذا، رأيته يأكل كل شيء من دون أن يأخذ الوقت الكافي للمضغ أو الاستمتاع بالطعام.
يعرف المرء أن هذا الجرح ناشط لديه حينما يفعل عددًا من الأمور الأخرى وهو يأكل، القراءة مثلاً أو مناقشة الأعمال أو إلقاء درس أخلاق على الأطفال أو الزوج خلال الطعام أو مشاهدة التلفزيون... لهذا السبب لا ينبته لما يأكل وقد يأكل أكثر من اللازم نظرًا إلى السرعة التي يبتلع فيها كل شيء فلا تعود المعدة تتلقى رسالة الدماغ التي تفيده بالشبع.
قد يبدو هذا النمط من الناس مستمتعًا بالطعام لأنه يأكل بشراهة ويحب أن يتذوق كل شيء لكن هذا الأمر بعيد عن الحقيقة لأنه في وضعية السيطرة ويدعي أن كل شيء لذيذ ولكنه حين يأكل بسرعة كبيرة فهو لا يستمتع بشيء مما يأكله.
5- جرح الظلم والطعام
هو الجرح الذي يعانيه من يسعون إلى الكمال في ما يقومون به ويتهمون أنفسهم بالنقص الدائم. إذا كان جرح الظلم هو الناشط عندك ستتصرف مع الطعام كما تتصرف في حياتك، ستحاول السيطرة عل نفسك قدر الإمكان. وحده الشخص الذي الذي يعاني من هذا الجرح يتمكن من اتباع نظام حمية صعب جدًا والسيطرة على نفسه حتى يحظى بالوزن المثالي، فهو قادر على السيطرة على كمية ونوعية الطعام الذي يأكله وقد يعتبر أن سلوك التراخي في الطعام غير مقبول إلى درجة أنه يؤكد باستمرار أموراً كالتالي:
أنا لا أكل أبدًا الحلوى ولا آكل سوى طعام صحي ولا أنقرش أبدًا بين الوجبات.
وهو فخور بقدرته على السيطرة على نفسه إلى درجة أنه لا يدرك أنه يقول أشياء لا تتطابق أبدًا مع الواقع. هو الإنسان «المتصلب» الذي يستخدم في كثير من الأحيان كلمات مثل «دائمًا» و«أبدًا».
لدي صديقة، كلما تأتي لتناول الطعام في منزلي تكرر ما يلي عندما يحين وقت تناول الحلوى: «أنا فخورة للغاية بنفسي، فقد توقفت عن تناول الحلوى منذ فترة طويلة. ولكن اليوم سأقوم باستثناء لأنك طباخة ماهرة وهذا الطبق من الحلوى يبدو لي شهيًا إلى درجة أنني لن أقاوم إغراءه».
لن أحدد كمية الحلوى التي تتناولها في كل مرة وأنا على قناعة أنها لا تدرك أنها تقوم بهذه «المناورة» منذ سنوات كما أنها لا تعي الكمية التي تأكلها.
كما المازوخي، من يعاني جرح الظلم يشعر بذنب كبير ولكنه يحسن السيطرة على نفسه وينجح بسهولة في إقناع نفسه بأن الأمر ليس بهذه الخطورة وبأنها ستكون المرة الوحيدة وكل هذا بهدف إخفاء شعوره بالذنب. ولهذا السبب يجتذب لنفسه مشكلات بدنية مفاجئة ومؤلمة جدًا من أجل جذب انتباهه نحو كل هذا الذنب الذي يخفيه. كما أنه يجد صعوبة في العثور على سبب مشكلاته لأنه لا يعي ما الذي يجعله يشعر بالذنب. والآلام التي يسببها لنفسه هي في الواقع طريقته اللاواعية حتى يعاقب نفسه.
وكلما كان هذا المتصلب متطلبًا مع نفسه ويمنع نفسه من الإحساس سيكون أكثر ميلاً إلى زيادة البهارات على طعامه. ولكن على عكس سابقه، سيذوق أولاً طعامه، لأن كل شيء يجب أن يكون كامل الأوصاف، ثم يضيف بعض البهارات التي يظن أنه بحاجة إليها في تلك اللحظة. كما أنه يحب الأطعمة المقرمشة كرقاقات البطاطس ويفضل الفاكهة والخضار النيئة والقاسية.