الطفل الموهوب هو الطفل المتقدم على سنّه من حيث مستوى ذكائه في مختلف المجالات، ولا تطلق هذه الصفة فقط على الطفل الموهوب في المجالات الفنية وحسب. وسواء أكانت التسمية هي الطفل الموهوب أو صاحب الإمكانات العالية فهو بحاجة إلى مرافقة مناسبة في نموه الذهني والعاطفي والاجتماعي، وفي علاقاته وحياته المدرسية اليومية.
في كتابه "طفلي موهوب، كيف أرافقه؟" يوضح لنا المؤلف كلوتيلد بيلوني كيفية التعامل مع الطفل الموهوب:
في كل عام، تواجه أسرٌ عديدة خيارًا شائكًا في مجال الاستجابة التربوية المناسبة إزاء طفلهم الذي يمكن وصفه بالموهوب أو فائق الذكاء. وقليلة هي المعلومات الموثوقة حول المبادرات التي تعتمدها المؤسسات المدرسية التي تقرر إيجاد الحلول المناسبة لهذه الحالات.
وبحسب ما هو متوافر في التصنيفات العالمية، يمكن تقسيم هذه المبادرات إلى 4 أنواع:
- التسريع: وهو إجراء يعمل على تقصير فترة بقاء الطفل في الحلقة الدراسية التي هو فيها فيتم ترفيعه من صفه إلى الصف الأعلى في خلال العام الدراسي أو يسمح له بالقفز فوق عام دراسي بأكمله.
- الإثراء: وهو نهج تربوي يعتمده الأساتذة الذين يتم إعدادهم بهدف التعاطي مع الأطفال الموهوبين.
- التجميع أو الفصول الخاصة: تجمع إما الأطفال ذوي الإمكانات العالية وإما نسبة كبيرة منهم مع أطفال عاديين.
- النشاطات اللاصفية: وهي تكمل المنهاج المدرسي بواسطة نشاطات خاصة كلعبة الشطرنج والاستكشافات العلمية وتعلُّم لغة أجنبية نادرة.
يمكن لهذه الإجراءات الأربعة أن تتقاطع، وهكذا فإن إجراءات الإثراء تقدم لتلامذة جرى تجميعهم في فصول خاصة، كما يمكن أن تنفذ من خلال زيارات ثقافية خارجية أي نشاطات لاصفية. سنعالج في ما يلي مسألتي التسريع والتجميع حصرًا.
يقصد بكلمة «تسريع» كل الإجراءات التي تمكن تلميذًا أو مجموعة تلامذة من استكمال حياتهم المدرسية في وقت أقصر مما هو منصوص عليه. يعتمد التسريع في الكثير من البلدان وهو قرار تتخذه المؤسسة التعليمية على عاتقها بالتشاور مع الأهل.
حين يختلف العمر الذهني لدى الطفل عن عمره الحقيقي، بشهادة عالم نفسي، يستلزم الموقف في عملية التسريع اعتماد العمر الذهني، لأن مهمة المدرسة الأولى تقضي بنقل العلم وإيقاظ الذكاء.
ومن ثم يجب الأخذ بالاعتبار الأبعاد الأخرى لدى الطفل وحياته. وكما يُطلب من الأستاذ المعاملة الخاصة والودودة مع التلميذ الذي التحق في منتصف العام الدراسي بالمدرسة، بسبب انتقاله من منطقة إلى أخرى، ومع التلميذ الذي يعاني وضعاً خاصاً في حياته يجعله أقل قدرة على التركيز في الفصل وأيضًا مع التلميذ الذي يعاني حالة صحية خاصة، فمن الطبيعي أن يطلب منه معاملة الطفل الموهوب بطريقة خاصة.
ويجب أن يتم التركيز على هذا النوع من المعاملة بقدر ما تكون عملية التسريع قريبة العهد.
عملية التسريع
مما لا شك فيه أن عملية التسريع هي الحل الأقل كلفة بالنسبة إلى المؤسسة المدرسية لأن جهد التأقلم يرتكز على الطفل قبل أي شخص آخر. وفي أغلب الأحيان يتم الأمر بمبادرة من الأهل حين يكرر طفلهم شكواه من أنه يشعر بالملل في المدرسة أو حين ينبههم المدرّس إلى أن طفلهم يمتلك طاقات ومواهب أكبر من سنه. فيتوجهون إلى عالم نفسي يعمل على تقييم معدل ذكاء الطفل الذي يتم الاستناد إليه في التشاور مع إدارة المدرسة.
وقد يتردد الأهل في الموافقة على قرار التسريع انطلاقًا من خوفهم على أن يتأقلم الطفل عاطفيًا بشكل سيئ مع هذا التسريع، فقد يصاب بإحباط نتيجة العمل الإضافي المطلوب منه لتعويض تأخيره في المنهاج، أو نتيجة إخضاعه لوتيرة عمل لا تناسب طفلاً في سن أصغر من باقي أطفال الفصل أو نتيجة ابتعاده عن رفاقه وفرق السن بينه وبين زملائه الجدد أو أيضًا نتيجة الاهتمام الخاص الذي يحظى به ولا يكون جاهزًا لتلقيه سواء أكان من أهله أو من أساتذته. وقد تختلف آراء بعض المدرّسين عن سواهم أو بعض أفراد الأسرة فيوكل إلى الطفل مهمة تأكيد وجهة نظر هذا الطرف أو ذاك عبر نجاحه أو فشله، وهذا من شأنه أن يشكل ضغطًا إضافيًا عليه ولو بطريقة غير مرئية.
فوائد التسريع للطفل الموهوب
لهذه الأسباب يتراجع تطبيق إجراء التسريع في الولايات المتحدة نظرًا إلى وجود رأي عام يساند فكرة تمتع التلميذ بطفولة طبيعية. بيد أن نتائج الأعمال النفسية والتربوية تقف إلى جانب التسريع شرط أن يكون التلميذ موهوبًا حقًا بحسب نتيجة اختبارات موثوقة.
فالدراسات تدل بشكل عام على أن التسريع مناسب للأطفال ذوي الإمكانات العالية لأسباب متعددة وهي:
- إن التسريع ينشط الحافز، إذ لا تتعرض الفضولية الطبيعية لدى الطفل إلى النضوب نظرًا إلى أنها تواجه على الدوام ما ينشطها، فلا يعود الطفل يشعر بالملل في المدرسة.
- يمارس وجود رفاق جدد ضغطًا إيجابيًا يساعد على امتصاص مصاعب التأقلم لدى الطفل.
- بفضل سهولة الفهم التي يتمتع بها الطفل، تجده قادرًا على مواجهة المصاعب التي يلاقيها في فترة التأقلم من عدم تأخر عاطفي بالنسبة إلى رفاقه وقدرة على التركيز على أمور جديدة وصعبة وفقدان رفاقه السابقين.
- يجنّب التسريع بعض مشكلات التأقلم إذا ما بقي طفل موهوب في فصله المناسب لسنه ومنها صعوبات التركيز وبالأخص إذا كان أغلب تلاميذ الفصل من مستوى متوسط أو أقل.
- حين تستند إجراءات التسريع إلى اختبارات تقييمية موثوقة في ما يتصل بالطفل الموهوب، فإن النجاح المدرسي والجامعي الكبير يكللها في أغلب الأحيان، ويكون نصيب نجاح الموهوبين في دراساتهم الجامعية من الذين تم ترفيعهم أكبر بكثير من أولئك التلامذة الموهوبين الذين استمروا في الفصول العادية ولم يتم ترفيعهم.
- حين يتابع أطفال موهوبون منهاجًا تعليميًا مناسبًا للأطفال ذوي النمو العادي، نلاحظ تدنيًا في أدائهم، فهم لا يكونون متساوين مع أترابهم العاديين وحسب بل قد يصيرون أقل منهم من حيث المستوى.
- بحسب الأبحاث التي أجريت في مجال علم النفس الاجتماعي، لا يعتمد أداء الفرد على قدراته وحسب ولكن أيضًا على السياق المحيط به. فحسن عمل القدرات المعرفية لدى التلامذة المميزين يصير في أقصاه حين يكونون في موقع مقارنة اجتماعية حيث يجب أن يثبتوا أنفسهم أمام الملأ ويتلقوا اعترافًا بنجاحهم صادرًا عن شخص خارجي وهو المدرِّس في الفصل.
- بيد أن أي قطع أو أي ازدواجية يؤثر أكثر في الأداء المدرسي لأنه يحتم شحنة معرفية إضافية. بكلمات أخرى، إن التلميذ الذي يقفز صفًا يجب أن يبذل جهدًا للتأقلم ولن يستعيد فعاليته الدراسية إلا بعد أن يجتاز مرحلة التأقلم هذه في المجال الكتابي أولاً.
- وقد يتضرر إذا ما طُلِب منه أداء شفهيًا سريعًا. مع تطبيق هذا الإجراء من باب الاحتياط، فإن النجاح يفترض أن يكون من نصيب التلميذ الموهوب.
احتياطات ضرورية قبل ترفيع الطفل الموهوب من فصل إلى آخر خلال العام
وثمة احتياطات أخرى يجب اتخاذها حتى يجري الترفيع من فصل إلى آخر خلال العام أو القفز فوق عام دراسي كامل في أفضل الشروط التي توفر النجاح المترافق مع عملية اندماج إيجابي، لذا من المهم أن نتأكد من الآتي:
- أن يكون الطفل قد استوعب كامل المنهاج الدراسي للسنة السابقة.
- أن يكون موقف أساتذته الذين سيعلمونه إيجابيًا من ترفيعه.
- أن يتقبله رفاقه المنتظرون بمودة، وهذا ما يمكن أن يؤمنه شرح مناسب للوضع لهم.
- أن يكون الكبار جميعهم من أهل وأساتذة وإدارة متراصين في موقفهم من ترفيعه.
لقد جرت العادة على اعتبار السن الحقيقية، أي السن على الهوية، على أنها مؤشر على السن الذهنية والسن العاطفية، هذا لأنه يسهل التعاطي مع السن الحقيقية، إذ يكفي ذلك النظر إلى تاريخ المولد. لكن بالنسبة إلى المدرسة التي تتركز مهمتها أساسًا على نقل المعارف وتنمية الطاقات الذهنية، فإن السن الذهنية يجب أن تكون الأساس وليس السن الحقيقية.
ولا تتقدم السنّان على الإيقاع نفسه دائمًا. فحين يكون الطفل متقدمًا على المستوى المعرفي، تحدث مسافة بين هذا المستوى والمستويات الأخرى التي قد تكون متطابقة مع سنه الحقيقية.
وبدل التركيز على السن الذهنية للطفل التي يجب أن تكون من أولويات المؤسسات الدراسية، يؤتى على ذكر السن العاطفية أو ما يسمى بـ«النضوج».
بيد أن النضوج مسألة غير قابلة للقياس وهي غير محددة بعمر معين وهي غير مأخوذة بالاعتبار في المناهج المدرسية.
كما أنه من المعروف أن مراحل النمو ومستوياته تتراكب وتتقاطع. والمجيء على ذكر «النضوج» من قبل المدرسة هو في الحقيقة محاولة لعدم بذل الجهد المطلوب من أجل مرافقة الطفل الموهوب حتى يتمكن من استغلال طاقاته كاملة.