نبني حواجز الخوف عند أبنائنا ونرفع جدارها يوماً بعد آخر، دون أن ندرك الأثر العميق لذلك. فتداعيات الخوف لا تعدو كونها «مزحة» نخيف بها أطفالنا سواء بـ«الغول» و«أم الهيلان» وقصص الرعب والجن ليذهبوا باكراً للنوم أو ليرتدعوا عن سلوك ما أو من باب الدعابة، ما يحوّل ليلهم إلى كابوس لا ينتهي من المخاوف المتراكمة.
واللافت في الوقت الحالي هو تأثير الألعاب الإلكترونية وتعزيز مسار الخوف لدى الأطفال، لما تحويه من مشاهد يتماهى معها الطفل ويستحضرها في مناماته ليستيقظ باكياً في الليل وباحثاً عن مصدر أمان.
ما أساس تلك المخاوف وكيف نتعامل معها وكيف نزيل حواجز الخوف من يوميات هذه الشريحة؟
تعرّف لمى الصفدي، استشارية نفسية أسرية وحاصلة على الدكتوراه المهنية من جامعة ستانفورد بمجال الإرشاد النفسي، الخوف بكونه «عبارة عن تجارب يمر بها الفرد تكون نتيجتها غير مرضية وترسخ في الذاكرة، ونتيجة هذه المواقف، فإن أي موقف شبيه لها يتكرر فيما بعد تتماهى عندها الذاكرة مع الموقف بالمشاعر نفسها».
وتضرب مثالاً «لو كنا على متن الطائرة وتعرضنا لحادث معين، ترتبط هذه المخاوف بالذاكرة وترافقنا عند كل صعود للطائرة وهذا ما يرتبط بأي حادث سير قد نكون تعرضنا له، والتماهي مع الموقف عند تعرض أي أحد لموقف مشابه أو حتى السماع عن حادث سير تعرض له آخرون».
يأتي الخوف من الاكتساب لأن دماغ الطفل يصدق ما يرى ويسمع
ما تركّز عليه الصفدي هو دور الأهل في نقل هذه المشاعر وإكسابها للطفل «يأتي الخوف من الاكتساب لأن دماغ الطفل يصدق ما يرى ويسمع. فالابن يسمع، في البداية، من الأهل أنّهم يخافون من الحشرات أو من الظلام أو حتى يعمدون إلى سرد القصص الخيالية التي قد تثير مخاوفهم وهو، في كل الحالات، يصغي ويسجل في ذاكرته».
تلعب الخيالات الخصبة عند الطفل دوراً محورياً في المعادلة «ما يحصل هو أنّ تلك الخيالات يشاهدها عبر الأفلام، المسلسلات واليوتيوب ولكنّه لا يستطيع التعبير عنها إما خوفاً أو خجلاً من سؤال الأهل ليستكمل دماغه تلقائياً هذا المسار ولكن بطريقة قد تكون غير حقيقية.على سبيل المثال، قد يشاهد «سوبر مان» أو «سبايدرمان» ونجده يستيقظ ليلاً باكياً ويهيأ له أنّ ثمة شخصاً قد يتسلق الطابق السابع أو حتى العشرين على كونه سارقاً أو خاطفاً».
في هذه الحالة، ثمة آليات للتعامل «يجب أن نبرر الخوف بأن نشرحه بكوننا في مكان مرتفع جداً ولا أحد يمكنه تسلق هذا الارتفاع أو النزول منه، والدليل أنّه عند اشتعال حريق نستخدم الدرج للخروج، كما يجب توضيح الصورة التي يخاف منها».
آليات التعامل مع مخاوف أطفالنا
تؤكد الصفدي، وهي متخصصة بالإعلام النفسي، تأثير الخوف على حياة الطفل اليومية، حيث «يجعل الطفل لا ينام جيداً خلال فترة الليل وتتزعزع ثقته بنفسه وتعامله مع المواقف الحياتية يصبح أقل ويصاب برهاب اجتماعي ويكون خائفاً من الإقدام والمبادرة».
وفي هذا الصدد، توجه بعض النصائح للأهل:
- إعطاء الأمر الكثير من الأهمية وعدم تهميش الطفل.
- إعطاء المجال للطفل لتفسير وشرح مخاوفه.
- سؤاله عن مصدر الخوف، ولو تبين لنا أي معلومة خطأ مستقاة من خياله الخصب نحاول الشرح له أن أفلام الكرتون هي من الخيال وأنّه لا يمكن أن يحدث ما يتحدث عنه على أرض الواقع وتوضيح أبعاد ذلك بطريقة عقلانية.
- عندما يعاني طفلنا خوفاً ما، لا أصرخ عليه وأردد على مسامعه ألفاظ «أنت جبان، أنت خائف، أنت ضعيف..اذهب للنوم بمفردك»، بل استوعب أنّه يمر بمشاعر عالية من الخوف وأحتضنه وأحتوي مشاعره.
- في حال استيقاظه ليلاً والبكاء من الخوف، يجب استيعاب خوفه واحتضانه ومرافقته إلى غرفته والبقاء معه حتى ينام بهدوء ويتنامى الشعور بالأمان لديه.
- عدم إخافة الطفل وهو صغير، حيث البعض من الأهالي يخيفون الطفل من الشرطي والطبيب والحرامي وكلها تزرع عنده رعباً تجاه أشياء مجهولة ومرتبطة بأشخاص.
- توقف الأهالي عن الحديث عن مخاوفهم أمام الأطفال باعتبارهم «مترجمين لكل ما تتحدّثون عنه».
- لو أنّ الطفل وصل إلى مرحلة عالية من الخوف مع عدم قدرة الأهل على السيطرة على الأمر، يكون اللجوء إلى استشاري مختص خياراً قائماً.
- مراقبة دورية لتطورات الأفكار لدى أطفالنا إذ يمكن أن يستقوا بعض المفاهيم من مواقع الإنترنت أو وسائل التواصل الاجتماعي أو الـ«يوتيوب» والألعاب الإلكترونية وبالتالي ثمة صور تتكوّن لديهم.
- الاهتمام بغرفة نوم الطفل، حيث بعض الأهالي يولون أهمية للديكور أكثر من اهتمامهم بنفسية الطفل، يجب أن تحتوي غرفة الأطفال على أثاث بسيط لا يعكس الكثير من الخيالات مع عدد محدود من الألعاب والدمى والأفضل أن تكون مطلية باللون الأبيض.
توضح الاستشارية النفسية «الأهل الذين يمتلكون درجات خوف مرتفعة من الطبيعي أن يعاني أبناؤهم الخوف. فالآباء الذين يخافون من الحشرات ينقلون هذا الخوف للأطفال والأم التي تخاف من الظلام من المستحيل أن ينام أبناؤها في غرفهم بمفردهم».