04 يوليو 2022

إنعام كجه جي تكتب: ممنوع الإرضاع في متحف «اللوفر»

صحافية وروائية عراقية تقيم في باريس

إنعام كجه جي تكتب: ممنوع الإرضاع في متحف «اللوفر»

أذكر من أيام الصبا في بغداد، أنني كنت أذهب من بيتنا في الكرادة إلى كلية الآداب في الوزيرية بواسطة حافلة النقل العام. طريق طويل تقطعه الحافلة الحمراء ذات الطابقين مثل باصات لندن، وهي تتهادى بالركاب وكأنها امرأة حبلى تجهد لالتقاط أنفاسها. كنا نتسابق للجلوس في الطابق العلوي لكي نتفرج على المدينة وهي تغسل أرصفتها في الصباحات البهية. وكانت هناك دائماً امرأة ريفية ترتدي العباءة، ومعها طفل لا تتحرج من إرضاعه في الحافلة، على مرأى من الصاعد والنازل.

لماذا قفزت تلك الصورة إلى بالي بعد كل هذه العقود؟

لأن سائحة اشتكت ضد إدارة متحف «اللوفر» في باريس عندما اعترضها حارس من الحراس وهي ترضع طفلها في المتحف العريق. قالت إنها كانت جالسة تستريح على مصطبة في الرواق وانتهزت الفرصة لإرضاع وليدها. لقد احتاطت للأمر بلباس يشبه الخيمة، تسدله على عنقها وصدرها في مثل تلك المواقف. أي عندما يجوع الرضيع ويطلب وجبته من حليب أمه.

لنعترف أن الموضوع غريب. فأنا أقيم في هذه البلاد منذ دهر لكنني لم أصادف سيدة ترضع طفلاً في مكان عام. إنه تصرف لا تقدم عليه الفرنسيات. أما المرأة صاحبة الشكوى فهي نصف فرنسية نصف أمريكية. وتقول إن الإرضاع من الثدي أمر عادي في أمريكا، حيثما استدعت الحاجة.. في الباص أو عيادة الطبيب أو السوق أو حتى في الكنيسة.

وبما أن العالم يعيش هذه الأيام فورة حقوق النساء، فقد شعرت إدارة «اللوفر» بأن هذه الشكوى يمكن أن تتسبب في دعاية سيئة للمتحف الباريسي ذي الشهرة العامية. وسارعت الإدارة إلى التوضيح بأنها ترحب بزيارات العائلات ولا يمكن أن تحرم رضيعاً من الحليب، لذلك هيأت مرافق خاصة لاستقبال الأمهات المرضعات ووفرت لهن فيها مقاعد مريحة ومغاسل وطاولات لتبديل حفاظات الأطفال.

بالنسبة لي فإن السؤال لا يتعلق بالمساواة بين الجنسين ولا بحقوق المرأة، بل بفعل الإرضاع من الثدي. إنها، برأيي، لحظة حميمة تجسد روعة الأمومة، وبهذا فإنها تكاد تقترب من القداسة.

هل يمكن لحواء التي تحفظ استمرار البشرية أن تمنح حليبها لرضيعها على القارعة؟ أعرف أنني ما زلت، رغم سنوات اغترابي، مشبعة بالقيم الشرقية والخجل من كشف أجزاء معينة من الجسم.

لكني أتذكر أمهاتنا وعماتنا وجاراتنا في بغداد، حين كان الإرضاع طقساً يتكرر عدة مرات في اليوم، وفي جميع الأمكنة، وغالباً بدون خيمة واقية من النظرات. من كان يجرؤ على اختلاس نظرة شائنة من والدة في لحظة مقدسة؟