9 يونيو 2022

سر ارتباط العراقيين بسوق الشورجة في بغداد

محرر متعاون من العراق

محرر متعاون من العراق

سر ارتباط العراقيين بسوق الشورجة في بغداد

ارتبط العراقيون عموماً، وسكّان العاصمة بغداد على وجه الخصوص ارتباطاً وثيقاً مع سوق الشورجة الذي يقع في قلب بغداد. حيث يوفر هذا السوق كل الاحتياجات التي يحتاجها المتبضع العراقي، لذلك تقصده العائلات العراقية، وكذلك تجّار المحافظات الأخرى لغرض التبضع منه، لتزويد أسواقها بما يحتويه هذا السوق من بضائع مختلفة.

أقدم أسواق بغداد القديمة

سر ارتباط العراقيين بسوق الشورجة في بغداد

ويعد سوق الشورجة من أقدم أسواق بغداد القديمة والمشهورة يعود تاريخ إنشائه إلى عصر الدولة العباسية المتأخر، ويمتد موقعه القديم من شارع الكفاح ثم شارع الجمهورية ولغاية موقع جامع مرجان في شارع الرشيد، وبرغم التفجيرات والحرائق الكثيرة التي تعرض لها هذا السوق بعد عام 2003، إلا أن أصحاب المحال فيه كانوا أكثر إصراراً وتحدياً لمواجهة كل العوائق والمصاعب من أجل المحافظة على السوق وديمومته بصورة مستمرة بالبضائع الجديدة التي أغلبها تكون مستوردة من خارج العراق.

سوق تاريخي تعرض للكثير من النكبات

سر ارتباط العراقيين بسوق الشورجة في بغداد

أيضاً تعرّض تجّار هذا السوق إلى الكثير من النكبات بسبب قطع الطريق البري الذي يربط العراق مع كل من الأردن وسوريا خلال مدة سيطرة تنظيم «داعش» على بعض المدن العراقية من منتصف عام 2014 ـ 2018، حيث تم تغيير الطرق التي توصل من خلالها البضائع إلى إقليم كردستان والبصرة وإيران. إلا أن السوق تمكن من المحافظة على خصوصيته ورمزيته، كسوق تاريخي لم تستطع الأسواق الحديثة والمولات والعلاوي من مجاراته.

سر ارتباط العراقيين بسوق الشورجة في بغداد

تتوجه العائلات العراقية إلى سوق الشورجة لغرض شراء احتياجاتها، لاسيما تلك التي لها علاقة مباشرة مع وجبات الطعام، وبرغم الوضع الاقتصادي الصعب الذي يشهده العراق بالوقت الراهن نتيجة ارتفاع صرف الدينار العراقي أمام الدولار الأمريكي، الذي أدى إلى حصول ارتفاع كبير في أسعارعموم البضائع، وكذلك وجود نسبة بطالة ليست بالقليلة في العراق، إلا أن هذين السببين لم يمنعا العراقيين من التواجد في سوق الشورجة، وكذلك في الأسواق الأخرى لغرض شراء احتياجاتهم، حيث يشهد سوق الشورجة اكتظاظاً كبيراً بالمتبضعين، وتكون الحركة مختلفة عن الأيام التي سبقته.

حيث يكون الإقبال كبيراً جداً على الرز والشعرية والتوابل والعصائر والحلويات والمكسرات وغيرها، كذلك هناك بعض العائلات تحرص على شراء الرز من سوق الشورجة، لسببين، الأول يتمثل لجودة نوعيته وعدم تعرضه للغش كما يحصل في أسواق ومحال أخرى خارج سوق الشورجة، بينما السبب الثاني يكمن بسعره الذي يكون أقل من سعره في الأماكن الأخرى، فضلاً عن ذلك أن الرز يعد وجبة أساسية في البيت العراقي.

الوصول إلى سوق الشورجة ليس هينًا

سر ارتباط العراقيين بسوق الشورجة في بغداد

من يريد قصد سوق الشورجة، عليه أن يمتاز بالصبر، لأن الوصول إلى السوق ليس أمراً سهلاً بسبب الزحام الكبير والاختناقات المرورية التي تشهدها الطرق التي توصل إليه، كذلك من يتبضع من هذا السوق، لاسيما إذا تبضع بضائع كثيرة، فأنه سيعاني من كيفية إيصال ما اشتراه إلى سيارته التي تقف في موقف يبعد أقل شيء أكثر من كيلو متر، إذ يستعين المتبضع بأصحاب العربات التي تدفع يدوياً، أو بالدراجات النارية الصغيرة «التك توك».

بينما أصحاب البضائع القليلة، فإن مهمتهم تتمثل بإيصالها إلى شارع الجمهورية ومن ثم استئجار سيارة أجرة «تاكسي» للمنطقة التي يسكن فيه.

ارتفاع أسعار صرف الدولار أمام الدينار العراقي لم يؤثر في السوق مطلقاً، لأن التاجر قام برفع سعر بضاعته بالعملة العراقية، مما جعل المستهلك يتحمّل فرق صرف العملة الصعبة

سر ارتباط العراقيين بسوق الشورجة في بغداد

أحد التجّار في السوق، أكد، أن «سوق الشورجة اختلف كثيراً عن السنوات السابقة، لأن هناك أصحاب محال وبسبب العنف الطائفي الذي شهدته المنطقة المحيطة فيه، قد قاموا بفتح سوق آخر في منطقة الوزيرية يسمّى أيضاً بـ(سوق الشورجة)، حيث تخصص السوق الجديد ببيع الأواني المنزلية والسجاد والورود وما شابه، لكن بقي العراقيون يقصدون سوق الشورجة الأصلي لغرض التبضع وبما أن نسبة نمو السكان في العراق ارتفعت كثيراً خلال العشرين عاماً الأخيرة، فإن هذا النمو قد أسهم بزيادة المتبضعين، وبالتالي لم يتأثر السوق وتجّاره من انتقال بعض التجّار إلى السوق الجديد».

سر ارتباط العراقيين بسوق الشورجة في بغداد

ورأى، أن «ارتفاع أسعار صرف الدولار أمام الدينار العراقي لم يؤثر في السوق مطلقاً، لأن التاجر قام برفع سعر بضاعته بالعملة العراقية، مما جعل المستهلك يتحمّل فرق صرف العملة الصعبة، برغم أن هناك هجمة إعلامية أثارت المخاوف عند العراقيين بسبب شائعات تطالب بعودة صرف الدولار إلى السعر السابق، مما أدى إلى حصول ركود لمدة بسيطة، وعندما اقترب شهر رمضان المبارك، شهد السوق فورة كبيرة جداً من قبل المتبضعين».

ودعا الحكومة العراقية، إلى «اتخاذ سياسة واضحة بشأن صرف سعر العملة، لأن هذا الاستقرار يؤدي إلى قيام العائلة العراقية بتدبير وضعها مع الأسعار، كذلك التاجر العراقي لا يتأثر بهذا الأمر».

برغم كل المصاعب والمشاكل التي تعانيها العائلة العراقية، سوق الشورجة يشهد زحامًا كبيرًا

سر ارتباط العراقيين بسوق الشورجة في بغداد

يقول، حسين محمد، «صاحب محل لبيع المكسرات والعصائر» في سوق الشورجة، إن «عملنا يتضاعف عندما يقترب حلول شهر رمضان المبارك، لأن العائلات العراقية عموماً، والبغدادية على وجه الخصوص تقصد سوق الشورجة من أجل شراء احتياجاتها لشهر رمضان الفضيل،لأنه يؤدي إلى حصول حركة في السوق ومبيعات كثيرة، مما يجعل مردودنا المالي يرتفع قياساً بالأشهر الأخرى».

وأوضح، أنه «برغم كل المصاعب والمشاكل التي تعانيها العائلة العراقية نتيجة ارتفاع الأسعار، وكذلك قلة العمل بعد تفشي جائحة (كورونا)، فضلاً عن ارتباك الوضع الاقتصادي بسبب تخفيض قيمة الدينار العراقي أمام الدولار الأمريكي، إذ لا تجد للأشياء التي ذكرتها إلا تأثيراً بسيطاً، والدليل على ذلك الزحام الكبير الذي يشهده سوق الشورجة الآن، وغالبية الذين يتواجدون في السوق يقومون بالتبضع وليس معرفة الأسعار أو الاطلاع عليها، لأن الجميع يعرفون أن أسعار الشورجة تكون أقل بكثير من الأسواق الأخرى، لأنه سوق يمثل البورصة الحقيقية للمواد التي يبيعها لعموم العراق».

عملنا لا يخلو من متاعب ومشاكل، لكننا نصبر كثيراً على تحمّلها حتى نستطيع توفير لقمة العيش لعائلاتنا

سر ارتباط العراقيين بسوق الشورجة في بغداد

بينما يؤكد علاوي العراقي «عامل في سوق الشورجة»، أن «العمل في سوق الشورجة يمتهنه الكثير من أصحاب الشهادات الدراسية (بكالوريوس، ماجستير، خريجو المعاهد المختلفة)، وذلك بسبب عدم وجود تعيين لهم في دوائر الدولة، حيث بات هذا السوق مصدراً مهماً لمعيشة هؤلاء وغيرهم، وأنا عندما يقترب موعد شهر رمضان، يتحسّن عملي ويزداد دخلي بسبب الإقبال الكبير على البضائع من قبل زبائن السوق».

وتابع، أن «عملنا لا يخلو من متاعب ومشاكل، لكننا نصبر كثيراً على تحمّلها حتى نستطيع توفير لقمة العيش لعائلاتنا، إذ البعض لا يقدّر عملنا وتعبنا، والبعض الآخر تتعرض بضاعته للسرقة أو التلف بفعل فاعل أو بشكل غير مقصود، لذلك علينا إيجاد صورة حل معه قبل أن تتطور وتتحول إلى مراكز الشرطة أو العشائر».

حسين البلداوي، «متبضع»
حسين البلداوي، «متبضع»

بينما يوضح حسين البلداوي، «متبضع»، سبب مجيئه إلى سوق الشورجة، بالقول «عندما قصدت الشورجة، كنت متأكداً بأنني سأحصل على كل ما أريد، إذ يحتوي على كل شيء يريده المتبضع وبأسعار مناسبة، إلا أن المشكلة التي يعاني منها روّاد هذا السوق تتمثل بكثرة الاختناقات المرورية، حيث يصعب على المرء الوصول إليه بسهولة».
وأشار إلى، أن «هذا العام الأسعار باتت مرتفعة وأنا وحتى غيري نعرف هذا الارتفاع، إلا إننا مضطرون للشراء، لأنه لا سبيل لنا غير ذلك».

اقرأ أيضًا: أسرار المسكوف العراقي.. من سومر حتى لندن

 

مقالات ذات صلة