18 مارس 2021

في العراق.. رحلة البحث عن الكمأ وسط الألغام

مترجم عراقي للغتين الفرنسية والإنجليزية، أمضى أكثر من 25 عامًا في ترجمة وإعداد التحقيقات في كافة المجالات

في العراق.. رحلة البحث عن الكمأ وسط الألغام

في كل عام، وفي هذه الأيام بالذات، تظهر في أسواق العراق مادة غذائية لعدة أيام فقط ثم تختفي بقية السنة.. تراها تغزو الأكشاك وعربات الباعة و«البسطيات» على قارعة الطريق، حصادها صعب للغاية وظروف البحث عنها قاسية جداً وفي بعض الأحيان يذهب ضحيتها أرواح أو تبتر من البعض الآخر بسببها أطراف.. إنها الكمأ.

في العراق.. رحلة البحث عن الكمأ وسط الألغام

كانت بالأصل طعام الفقراء بعد شرائها من فقراء، ولكن أصبح المعوزون ومحدودو الدخل يمرون من جوارها ويلتفتون إليها بحسرة ومحظوظ جداً من يشتري ولو نصف كيلو جرام منها. فسعرها حالياً ليس بمتناول الجميع خاصة في ظل الظروف الحالية التي يمر بها البلد. واحدة من النسوة اللواتي ينتظرن موسم قطف الكمأ في العراق هي زهرة بحير، ٧٢ عاماً، التي تصف الكمأ بأنه «نعمة من الله»، تخرج إلى الصحراء في مدينة السماوة، جنوب العراق، لتنقب عن الكمأ بين الرمال وعادة ما تحفر بيديها الخشنتين البادية عليهما علامات الزمن وآثار قسوة الحياة. تضيف زهرة وهي تشرح بعفويتها سبب ظهور الكمأ «يهطل المطر ثم يضرب المكان البرق فيظهر الكمأ على السطح».

في العراق.. رحلة البحث عن الكمأ وسط الألغام

تتحدى هذه المرأة كبيرة السن بكل شجاعة الطقس القاسي في صحراء جنوب العراق لتعتاش من جمع الكمأ، ولكن الأغرب والأكثر قساوة أنها وعائلتها تتحدى الألغام الأرضية المنتشرة في المكان بسبب الحروب السابقة التي خاضها البلد. 
وتمضي زهرة وأولادها السبعة عدة أسابيع وهم يلهثون وراء الكمأ الموسمي الذي يعتبر بالنسبة لهم ولعدة أجيال قبلهم مصدر دخل جيد. إذ يبلغ سعر الكيلوجرام من الكمأ في جنوب العراق أكثر من ٧ دولارات، ورغم أنه سعر ليس بمتناول يد الكثير من العراقيين، خاصة لمادة يعتبرونها في ظل هذه الظروف غير ضرورية وهم بحاجة لمتطلبات أولى منها، إلا أن الكمأ الصحراوي العراقي أرخص بكثير من الكمأ النادر في أوروبا الذي يمكن أن يصل سعره إلى عدة مئات من الدولارات أو أكثر للكيلوجرام الواحد.

في العراق.. رحلة البحث عن الكمأ وسط الألغام

المطر هذا العام هطل متأخراً في العراق. لذلك تشكو زهرة وأمثالها من أن حصاد الكمأ كان أقل بكثير من المعتاد، حيث تجمع يومياً كيلوجرام واحد فقط بينما كانت في السابق تعثر على عشرة أضعاف هذه الكمية كل يوم. وترافق زهرة حفيدتها ريام، البالغة من العمر ٥ أعوام فقط، التي تخرج مع والديها أيضاً لتتعلم من العائلة كيف تقلب الحجارة وتدس يديها العاريتين الرقيقتين في الأرض، وكذلك تعلم أصول هذه التجارة وأسلوب الحياة في الصحراء. ويقول والدها محسن فرحان، الذي يعتز بالأسابيع الجميلة التي يقضيها مع عائلته في خيمتهم بالصحراء، «عندما لا يكون هناك عمل فإن الكمأ مصدر دخل لنا، ونحن نشعر بالسعادة هنا».

في العراق.. رحلة البحث عن الكمأ وسط الألغام

تعلم جمع الكمأ هذه الأيام يتطلب من الصغيرة ريام وغيرها تمييز وفهم المخاطر في الصحراء، ويشرح والدها السبب بقوله «نخاف من الذئاب، فهناك الكثير منها هنا، وكذلك الألغام التي تسببت قبل فترة بموت أحدهم». فمخلفات حرب عام ١٩٩١ ظلت على شكل تجهيزات غير منفجرة تحت باطن الأرض ويمكن أن يظن الأشخاص قليلي الخبرة أنها كمأ فتودي بحياتهم أو تسبب لهم إصابات خطرة.

في العراق.. رحلة البحث عن الكمأ وسط الألغام

في صباح كل بضعة أيام، يخرج السائق حسين أبو علي من مدينته السماوة متوجهاً إلى الصحراء لجمع الكمأ وإيصاله إلى السوق. وهناك، يتولى علي تاج الدين تنظيم مزاد لبيع الكمأ بعد تصنيفه إلى أسماء بحسب حجمه «الجوز، البيض، البرتقالة، وهذه هي الرمانة التي تعتبر الأكبر بينها». في هذا العام، تسبب ندرة الكمأ في العراق بارتفاع أسعاره، والمحصول الذي لا يباع محلياً، بسبب غلائه، يتم تصديره إلى الدول المجاورة. ومع ذلك، يمكن أن تعثر على أطباق الكمأ في بعض المطاعم التي تعدها مقلية أو مشوية، ولكن الطبق المفضل للعراقيين هو الكمأ على الرز.

اقرأ أيضًا: أسرار المسكوف العراقي.. من سومر حتى لندن