مجلة كل الأسرة
11 أغسطس 2022

خصائص نمو الطفل من عمر 6 إلى 11 سنة

أستاذة وباحثة جامعية

خصائص نمو الطفل من عمر 6 إلى 11 سنة

تعتبر المرحلة من 6 إلى 11 سنة أساسية في نمو الطفل النفسي والذهني، وهي تحضر لما سيصبح عليه عندما يكبر. ابتداءً من السادسة يخرج الطفل من مرحلة المعارضة المنهجية ويدخل شيئاً فشيئاً في «سن العقل» حيث يتعلم أشياء كثيرة في المدرسة ويقيم علاقات اجتماعية، بيد أنه يخوض كذلك في مرحلة دقيقة تستدعي اهتمام الأهل الكامل.

يهدف كتاب "الطفل من عمر 6 إلى 11سنة" للمؤلف د. جيل ماري فاليه إلى مساعدة الأهل على فهم طفلهم ومرافقته في الدرب التي ستقوده إلى الاستقلالية.

خصائص نمو الطفل من عمر 6 إلى 11 سنة

لا يعيش الطفل معزولاً عن العالم المحيط به.. الناس الأقرب إليه، كأمه وأبيه، يؤثرون مباشرة في مستقبله من خلال الرعاية التي يقدمونها له والتربية التي ينقلونها إليه.

وهو في المقابل يؤثر في أهله من خلال ما يقول أو ما يفعل أو ببساطة من خلال ما يمثله بالنسبة إليهم.

يتفاعل الطفل باستمرار مع محيطه خاصة وإن اتسمت فترة الكمون (من 6 إلى 11 سنة) بتوسيع البيئة العائلية والاجتماعية وتضاعف العلاقات الاجتماعية.

يكتشف الطفل في هذه المرحلة آفاقاً جديدة وكيفية الولوج إلى أنماط تفكير جديدة تمكنه من إدراك وقائع الحياة تدريجياً سواء أكانت حياته العائلية أو المدرسية أو بشكل أوسع حياته الاجتماعية، فيكتسب نظرة جديدة إلى العالم وإلى أسرته وحتى إلى نفسه.

الأسرة ملاذه الآمن

تنخرط الأسرة بشكل طبيعي في الإطار التأسيسي للعلاقات الأولى وهي الأساس الذي يرتكز عليه بناء هذا الكائن البشري الصغير في طور النمو. لذا تحتل الأسرة المرتبة الأولى بين العوامل المؤثرة فيه، فهي البيئة الأولى التي عاش فيها ونما وأحس بأول مشاعره.. وستظل المآل الأساسي للحياة لأنه حين سيكبر سيعود بانتظام إليها ليشبع حاجاته الأساسي.

بيد أن دخوله مرحلة «سن العقل» سيفتح أمامه مجالات حياة جديدة من بينها المدرسة بالطبع التي خبرها بين سن الثالثة والسادسة ولكن على نمط لا يختلف كثيراً عن نمط الأمومة، وكذلك أماكن أخرى تتيح له التبادلات واللقاءات الاجتماعية كالنوادي الرياضية أو مراكز النشاطات الثقافية والفنية حيث يتعرف الطفل إلى عوالم أخرى ستعمل شيئاً فشيئاً على تعديل رؤيته للعالم.

خصائص نمو الطفل من عمر 6 إلى 11 سنة

دور البيئة العائلية

ينتظم دور البيئة العائلية حول ثلاثة محاور:

  • تأمين حاجات الطفل
  • السماح له بتعلم ما هو ضروري لاستقلاليته
  • نقل قواعد السلوك والقيم الاجتماعية إليه

وتختلف أهمية هذه المهمات بحسب سن الطفل:

  • قبل سن الثالثة: تقدم الأسرة مجمل إجراءات الرعاية والحماية الضرورية لنمو الطفل، سواء أكان على المستوى الجسدي أو النفسي. وتشكل المكان الذي يتعلم فيه الكفايات الأساسية من مشي وكلام واستخدام الأغراض الضرورية لحاجاته أو لتفتحه الذهني.
  • الطفل في سن السادسة قادر على التحكم بشكل جيد بكل ما سبق وهو يحتاج من الأسرة أن تحثّه على توسيع معلوماته نحو نطاقات جديدة حتى يكتسب مزيداً من الاستقلالية. وبهذا المعنى، تشكل الحضانة فترة انتقالية وليست قطيعة بالمعنى الحرفي لأنها تسمح بنقل ما يفعله الطفل في منزله إلى مكان آخر ومع أشخاص آخرين.

وأخيراً يقع على عاتق العائلة أن تنقل التمثلات والقيم الجماعية. فكل مجموعة أسرية تعيش في مجتمع يمتلك مجموعة من القيم بحسب معطياته الثقافية والتاريخية والسياسية والاقتصادية والدينية.

كما تمتلك كل أسرة قواعدها الخاصة التي هي ثمرة تاريخ خاص بها وتتفق إلى هذا الحد أو ذاك مع القواعد الاجتماعية.

العلاقات مع الأهل

التغيرات النفسية والعاطفية التي يخضع لها الطفل خلال فترة الكمون تؤثر مباشرة في علاقاته مع بيئته العائلية وبالأخص مع والديه. والطريقة التي سيواجه بها الأهل هذه التغيرات، لا سيّما الهدوء الذي يتسمون به، تلعب دوراً مهماً على مستوى مستقبل الطفل ونوعية علاقاته التالية.
عادة ما يكون عمر الأسرة من عمر الطفل البكر، وحين يبلغ هذا الأخير سن السادسة تكون الأسرة قد بلغت سنوات عدة حيث تكون أسسها قد ترسخت وكذلك العادات التي تتبعها وانتظام طريقة عيشها.

ومع استقرار شخصية الأهل تستقر أنماط العلاقات الأسرية. بالطبع، أحداث الحياة اليومية قد تؤثر ظرفياً في ردود فعلهم أو مواقفهم لكن هذا لن يطال بعمق تركيبتهم النفسية أو العاطفية، فهم يظلون على ما أصبحوا عليه في أعماقهم، والمضايقات الأسرية أو الصعوبات المهنية أو المالية ستأتي كإضافة إلى معزوفة الحياة اليومية.

وهذا الاستقرار مفيد للطفل الذي يجد فيه بيئة مطمئنة يركن إليها تساعده في فترة تغيراته الداخلية. وهي تسمح للأهل بألا يتأثروا كثيراً بالتغيرات التي تطال صغيرهم.

خصائص نمو الطفل من عمر 6 إلى 11 سنة

بداية الحس النقدي عند الطفل

يتعرف طفل السابعة أو الثامنة إلى عوالم مختلفة عن عالمه الأسري وهو أمر تنجم عنه تداعيات:

- يصير الطفل ممثلاً لأسرته في الخارج

وبحسب ما تسير الأمور، سواء أكان نتائجه المدرسية أو سلوكه أو اندماجه، ستكون الأسرة مسؤولة بشكل عفوي من حيث مبادئها التربوية وتركيبتها وطريقة عملها. فالطفل المتهور أو الذي يواجه صعوبات تعلّمية، مهما كانت أسبابها، سرعان ما قد يعتبر ممثلاً لـ«أسرة ذات مشاكل» وكذلك ستتم تهنئة الأسرة التي يتصرف «وريثها» بشكل لائق.

وهكذا قد يرفض بعض الأهل السماح لطفلهم أن يلعب مع أطفال الجيران خشية مما قد يستنتجه الجيران عنهم. والطفل يدرك في لاوعيه هذا البعد وقد يشعر أنه مكلف بمهمة يمكن أن تترجم بطرائق مختلفة بحسب علاقاته مع أسرته.

- يصبح الطفل معرضاً لقواعد وأنماط عمل أو تفكير تختلف عن تلك السائدة في أسرته

ولا تقع تحت نطاق سيطرتها. وهكذا تولد لديه تدريجياً فكرة وجود حقائق أخرى غير تلك التي يجدها في أسرته ليصير الطفل أشد حساسية إزاء أخطاء أهله «بما أن المعلمة، التي تعرف كل شيء، قد قالت العكس»، أو إزاء ثغراتهم الصغيرة. كما أنه يدرك أبعاد الكذب ومختلف وظائفه.

وهكذا يتخذ الأطفال بين السادسة والثامنة مسافة تدريجية إزاء أهلهم على الرغم من أنهم يظلون قريبين منهم ونادراً ما ينتقدونهم. لكن في حوالي التاسعة أو العاشرة تبدأ مرحلة جديدة مع أولى التحفظات التي يعبر عنها الطفل إزاء أهله.
فتزايد التجارب والمقارنات المتكررة مع أسر أخرى أو عوالم أخرى يتخيل بالضرورة أنها أفضل من عالمه، وبالأخص تكرار النزاعات حول وقائع الحياة اليومية من فروض وزلاّت ومحظورات وواجبات، تشجع على عمليات إعادة النظر هذه.

سن المطالبات الأولى

وتعتبر هذه السن أيضاً سن المطالبات الأولى لا سيّما في ما يخص زيادة فسحة الحرية، فالطفل يريد الخروج لوحده أو مع رفاقه أو ينام لدى أفضل صديق أو صديقة له أو لها... تزداد الطلبات على مصروف الجيب والحق بالخروج نظراً إلى أنه أصبح «كبيراً» أو إلى أنه يقارن بين ما يحق له وبين «الامتيازات» التي يحظى بها رفاقه في أسر أخرى، أو حتى بالمقارنة مع ما يحظى به الأخ أو الأخت الأكبر منه.

قيم «الحق والعدل» و «الخير والشر»

وما سبق يتصل بمفهومي «الحق والعدل» الذي يبدأ الطفل بإدراكهما مع قيم الخير والشر ليصير الطفل شديد الحساسية إزاء تناقضات أهله والاستثناءات التي يمارسها هؤلاء على القواعد التي وضعوها بأنفسهم، فيقول مثلاً «في ما يتعلق بما يعجبني أكون صغيراً، ولكن في ما يتعلق بما يعجبكم أكون كبيراً».

وفي السياق ذاته، يولي الطفل أهمية كبيرة للثقة التي تمنح إليه ولكل الممارسات التي تجعلها حقيقية. وهكذا فإن تحفظات الأهل ومحظوراتهم المفروضة من أجل سلامة الطفل، فإن هذا الأخير سيراها على أنها غير عادلة ومشككة بقدراته.

لذا يتعين على الأهل أن يجدوا الحل الوسط الذي يحترم سلامة الطفل ويشجعه على ممارسة نضجه واستقلاليته في آن. فالتمسك بالقواعد التي تبدو أساسية لا يمنع من ممارسة بعض الليونة التربوية التي تتأقلم مع تطور كفايات الطفل وحاجات مسيرته نحو المراهقة.

ومما لا شك فيه أن الطفل سيرى في هذا التأقلم وجهاً أكثر عدلاً ما سيحثه على احترام القوانين التي وضعها أهله وعلى احترام سلطة الأهل بشكل أعم.