قد تدفع ظروف ارتباط الأم بمهام وظيفية إلى الاعتماد على من حولها ممن يتمتعون بثقتها لرعاية أبنائها، إلا أن تشتت الطفل في تعلم سلوكيات وتصرفات من أشخاص مختلفين يدفعه إلى الازدواجية في بلورة أفكاره تجاه نفس المواقف.
ترى هل تعد تلك أزمة تسمى ازدواجية التربية؟، خاصة وأن هناك من يراها ميزة تكسب الطفل خبرات مختلفة، وكيف يمكن أن تتصرف الأم في حال رغبت بتربية طفلها بطريقة معينة ولكن لا يبالي بها من يسد فترة غيابها؟
دور الأم في وضع الحدود الرئيسية في التربية
هبة محمد عبدالرحمن، مستشارة تربوية وعضو جمعية الاجتماعيين بالشارقة، تقول «تغيرت الظروف المحيطة بعالمنا، فكثير من الأمهات يعملن في جهة معينة سواء حكومية أو خاصة أو شبه حكومية، وعليه فالوقت الذي تمضيه مع فلذة كبدها مقترنة بالفترة المتبقية من يومها وهو ما جعلها مضطرة لأن تجد بديلاً لها خلال فترة غيابها، لتتعدد الجهات التي تشارك في تنشئة الطفل معها، خاصة إذا كانوا يقطنون مع الأسرة في نفس البيت.
وتضيف هبة عبد الرحمن" يأتي هنا دور الأم في وضع الحدود الرئيسية في التربية والتنشئة من خلال توقيتات تتعلق بالمأكل والمشرب والنوم والاستيقاظ وعلى عادات معينة ترسم الطريق لتربيتها، وتفرض القيود نفسها على الخادمة بالمنزل، فكل له ثقافته وأسلوبه في التعامل الذي قد يختلف عنها، ودورها هنا أن تتولى دفة السفينة، فالاستراتيجيات الناجحة تحتاج لذكاء الأم لتتفاعل مع تلك العناصر بحكمة، فالتزام الخادمة بما يصدر من توجهات وإرشادات الأم يجب أن يكون أمراً قاطعاً على أن تخبرها بها على انفراد وبأسلوب يتسم بالاحتواء والإيجابية بعيداً عن مرأى ومسمع الطفل».
هل الحضانات هي الحل؟
توضح الدكتورة آمال النمر، مستشار نفسي وأسري بإدارة مراكز التنمية الأسرية بالشارقة، «تهدف التربية إلى إكساب الفرد المعارف والمفاهيم والمهارات والسلوكيات التي تساعده على التكيف مع البيئة من حوله وذلك من أجل الحفاظ على البقاء، وكونها عملية ديناميكية، أي فيها تفاعل بين القائم بالتربية والمتلقي لها، فلا توجد أي مشكلة كون الطفل يتلقى التربية من أكثر من فرد وأكثر من جهة بأكثر من وسيلة، المشكلة هي عندما يكون هذا الفرد أو الجهة أو الوسيلة غير موثوق بها أو هدفها تغيير سلوكيات الطفل.
وتكمل آمال النمر «أما بالنسبة للذين يرون أن تعامل الطفل مع أكثر من فرد فرصة لإثراء خبراته المختلفة فهذا صحيح جداً لو لم تتعارض الآراء والسلوكيات، بمعنى أن يكون خط تربية الطفل يسير في اتجاه واحد، وكل من طرفي التربية يصدق على رأي الآخر. وكون المرأة تعمل وتحتاج إلى المساعدة من أفراد الأسرة الممتدة، فهذا ليس خطأ ولكن من الأفضل أن يكون هناك تفاهم واتفاق على مبادئ وتعليمات أساسية وواحدة للتربية، وفي أغلب الأحوال هذا لا يحدث، وعلى الأم في هذه الحالة أن تستبدل ذلك بالحضانات الجيدة الموثوق فيها والتي نادراً ما يحدث فيها ازدواجية التربية، بل في أحوال كثيرة وللأسف الشديد نجد هذا في الأسرة ويكون المسبب فيها الأب والأم».
الأسرة هي الحصن الذي يختبئ فيه الطفل من المتغيرات التي تحيط به
أسماء سالم الشامسي، كاتبة في مجال الطفل، تقول «من الطبيعي أن تبحث الأسر عن أساليب تربية متوازنة لتنشئة أطفالها بما يضمن تمتعهم بالتوازن النفسي، ولكن قد لا يتحقق هذا عندما تحدث اختلافات في نمط التربية والتوجيه، مما يترتب على ذلك حدوث مشكلات إما بين الزوجين وأسرهم أو بين الأبناء وذويهم وهو ما قد يؤثر سلباً في نفسيتهم، خاصة عندما يحدث التصادم بين الأوامر التي يتلقاها الطفل من والديه ومن الطرف الثالث الذي يشرف على تربيته».
وتتابع أسماء الشامسي«نعلم جيداً أن الأسرة هي الحصن الذي يختبئ فيه الطفل من المتغيرات التي تحيط به، والتي تحاول إبعاده عن طريقه الذي رسمته له أسرته، ولكن عندما يحدث الاختلاف بين الآباء والأجداد حول تربية الأحفاد أو بين فرد وكّل له التدخل في توجيه الطفل بشكل أو بآخر فهنا تكمن الكارثة ويظهر ما يسمى ازدواجية التربية، والتي تجعله يعيش في شتات فكري بسب التصادم بين الأطراف المحيطة، وقد يترتب على المدى البعيد فقدان السيطرة عليه وسهولة مخالفته للقوانين التي وضعت لانضباطه. ولا أعني بحديثي أن جميع الأطفال قد يعانون ذلك، فهناك من يتعايش مع ازدواجية التربية ولكن بمقدار معقول ومتوازن بشرط أن يكون الأساس متيناً ومتماسكاً فيكتسب مهارات مختلفة في طريقة التعامل مع الأشخاص وهو ما يضيف إلى رصيد خبراته في التعامل مع الآخرين».